أولاد حواء.. قصة قصيرة بقلم: أبو المجد الجمال/ مصر

الأمومة لديها نهر فياض يطيب بروائح العطاء والروح التي تدب في جسد الأرض التي أكلها الجفاف فتحولها إلي عيدان منورة بسنابل الذهب الأبيض والأصفر شجرة الحكمة تسكن عقلها لتمتد جذورها كالوتد في الأرض الطيبة وفروعها لعنان السماء لتطفئ أمطار الحب والرحمة والسكينة والصبر والصمود والثبات نيران الغيرة والحقد التي تأكل أجساد أولادها الثلاثة من أخيهم الرابع الذي رضع من نهديها لبن الحكمة اثنان من البنين يقابلهما اثنان من البنات وكأنها كانت عادلة حتي في أن تمنح روح الحياة لأولادها ليكونوا حتي متعادلين في الجنس كذكر وانثي ارتقت إلي سماء الرحمة لتعافيها روحا وجسدا من المرض اللعين الذي أطفأ قناديل الإبداع وأسكت صوت الأمل والحرية والخلاص في جسد تحول إلي شبح إنسان يتمني الرحيل لعالم أخر نهرته أطلقت عليه سهام اللوم والعتاب لتطفئ نيران شيطان غضبه ليثأر لها من شريك العمر الذي كان يعاقبها يجلدها بأسياط العذاب ويصلبها في معابد كهان الأنانية وشهواته الدنيوية حتي ولو كانت علي حساب قوت عياله أدمن كل شئ يهدر شقا عمرها وعمره رغم أنه كان يملك حكمة الفلاسفة القدماء هو وهي من ورثة الأنبياء ومربي الأجيال لكن شتان بين نهر الأمومة والعطاء والأرض البور التي يأكلها الجفاف كانا قطبان متنافران في كل شئ فكان الصدام يقلق مضاجع حياة عائلة أبلة حواء إنهال عليها بخنجره المسموم اعتاد أن يشهره عليها دوما أمام فرط طيبتها وتسامحها عندما تختلف معه فتنير له طريق الحرية والخلاص ليخرج من قمم شهواته الدنيئة إلي حياة التضحية والعطاء حتي يصلا بأولادهما لبر الأمان في سفينة الحياة بمجاديف الصبر والكفاح كاد خنجره المسموم أن يصيب رقبة غزالة الحياة لولا أن قبض ابنها الأصغر علي يد الغدر والخيانة بكل صمود وقوة لإنقاذ نهر الأمومة والعطاء من أن يجف للأبد وكاد أن تلطم يداه وجه الأبوه الحمقاء فما كان منها إلا نزعت من جسده ثوب شيطان الغضب لتعلمه درس الحكمة الأولي في الحياة فكسر شريك حياتها يعني تحطيم قدسية محراب حياة أبلة حواء وأولادها حتي ولو كان قائد السفينة غارقا في ملذات الحياة دروس الحكمة التي تعلمها علي يديها في مواقف الحياة منذ صغره تتوالي أمام عينيه كشريط فيلم سينمائي إنساني كبير يتابع بشغف كل مشاهده المثيرة ليتذكر درس العمر الثاني الذي لقنته له عندما حاول أن يثأر من شقيقه الأكبر الذي شق رحاه ببرجل المدرسة عندما دب بينهما خلافا فكريا بسيطا في الطفولة لتعلمه أنه إذا كسر قوامه أخيه الأكبر فقد كسر قوامه حامي الديار من بطش وغضب اللئام وإذا غفر له خطيئته كان له العزوة والسند في سفينة الحياة من تلاطم أمواج الغدر والخيانة في زمن الغيلان وآكلي لحوم البشر يا لها من أم رائعة ليست كأي أم كان دائما يثير شفقتها عليه ليس لتدهور حالته الصحية فقط لإصابته بأمراض الدنيا التي ولد بها لتخنقه الأقدار وترسم له خريطة مصيره ليعيش جحيم الفقر والبطالة والحرمان لينهش أخواته لحمه حيا علي مائدة الذئاب بعد موت أمه نسجت الأقدار الحزينة سيناريو الضربة الأولي بزواج أبيه من بكر في سن أصغر بناته رغم علمه أنه سيموت لإصابته بأمراض القلب ليطرد ابنه الأصغر من بيت الحياة وبيت أبلة حواء الذي نسجته طوبة طوبة بكفاح الغربة وعرق السنين ولم يرحم حتي ابنته المطلقة التي يحد في رقبتها كومة عيال ليطردها هي الأخري لكلاب السكك والشوارع لفظ أنفاسه الأخيرة علي مضجع الزوجية في ليلة العمر بعد أن زرع بذره مولود جديد وترك أرملة طروب لم تذق طعم حياة الحب والعش الهادئ بعد أن باعت نفسها لعجوز مريض تعلم ساعة الصفر مسبقا لرحيله عن عالمه الدنئ ليتركها تغرق في بئر الحرمان جمع الأخ الأصغر كل ما ورثه من أموال زهيدة من أمه واستدان من طوب الأرض ليكمل لشقيقته المطلقة تكاليف رحلة الكفاح والغربة لتبني لصغارها مستقبل جديد لكنها قابلت التضحية والعطاء بالجحود والنكران لتحوله لعبد ذليل مكسور في معبد الغيرة والحقد والحسد والأنانية لتجبره علي السكن فيه ليكون مصيره في يدها ولقمة عيشة بخلت عليه بما رحبت عليها الدنيا رغم أنه كان السبب الأول في ثراءها الفاحش بعد عودتها من احدي دول الخليج والنفط حولته لخادم لها ولأولادها وضعت يدها في يد الأخ الكبير لتزوج ابنها الأكبر من ابنته الذي حطم شرف قدسية كل ما تحمله هذه الكلمة من معاني ولم يعد لديه أي شرف ليس لأنه رفض ساعة العوز والحاجة لها أن يمنحها تكاليف السفر بل لأنه لبس ثوب شيطان قطع الأرحام مثل إخوانه البنات ليتحالفوا جميعا علي وأد أخيهم الأصغر بالموت البطئ ليتركوه لقدره المحتوم يعاني سكرات الموت كل يوم بينما كان بيدهم أن يمنحوه قبلة الحياة لكن شهوة الغيرة والحقد والحسد عندهم كانت أقوى من صلة الرحم تذكر كلمات شقيقته الأخري المتزوجة من حوت يأكل لحوم البشر غريبة هذه أقدار الحياة تعطي السفهاء وأصحاب القلوب السوداء كل ما يشتهوه وما لا يخطر علي بالهم بينما تخنق أصحاب القيمة في قواديس الفقر المدقع والحرمان والأمراض المزمنة حتي الموت لن نشتري منك نصيبك في قطعة الأرض التي ورثناها عن أمنا ولن نبيعها أبدا حتي تموت ونرثك كلمات أشد من الرصاص والمدافع الرشاش زلزلت مسامعه لم يكد يصدق ما قالته أخته كانت رسالة مدوية بأن مصيره وقوته لا يزال في يدهم وتلك هي لعبة الأقدار ليكشف موت أبلة حواء حقيقة أولادها الثلاثة اللئام الذين قطعوا رحمها عمدا وبكامل إرادتهم في أخيهم الأصغر فحولوه إلي شبح إنسان وتركوه فريسة لشيطان هواهم وغيرتهم وحسدهم منه زرع الأمل في بساتين الحياة رغم الفقر المدقع والمرض والجوع الكافر والحرمان حتي من أبسط حقوقه الشرعية في سنن الحياة بالرباط المقدس فكيف يتزوج ويعول أسرة وهو العاجز عن أن يعول نفسه بينما زرعوا الغل والحقد والحسد في أرض بور لا تعرف العطاء جعل القيمة نبراس يهتدي به الآخرون في ظلمة الدرب العسير بينما خلقوا من المال صنما يعبدوه هو عاش الحياة فكرا وفلسفة وهم عاشوها سفهاء في معابد الرذيلة والفساد والإفساد وقطع الأرحام هو يؤمن بأن السعادة في أن تحيي الأخرين وهم يؤمنون بأن السعادة الحقيقية في أن تستعبد الأخرين حتي ولو كان ابن أم ولكن هل لو كانت أبلة حواء مازالت حيا بينهم كانوا سيحييون أخيهم الأصغر وهل لو تبادلوا سيناريو الحياة ليصبح هو الغني وهم الفقراء فهل كان سيفعلها معهم كما فعلوها معه الإجابة القاطعة علي لسانه أيضا بأنه من كان فاسدا في فقره فهو بالمثل في غناه ومن كان معطاء في فقره كان بالمثل في غناه إن الزمن هو العامل الوحيد الذي يكشف حقيقة معدن الإنسان فلا تثوري يا أبلة حواء في قبرك وامسحي دموعك فنحن الذين نصنع أقدارنا!

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *