مدخل :
ما هو الشعر : “الشعر شكل من أشكال الفن اللغوي الذي يستعين بالجمالية ويتضمن وصف الأشياء لتجسيد المعنى المراد إيصاله للمتلقي بطريقة جمالية”.
وعند ابن طباطبا الشعر العربي بما يلي :
بأنه “الكلام المنظوم البائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم ونظمه معلوم محدود “.
أما عند ابن منظور :
“الشّعر مَنظومُ القول غلب عليه؛ لشرفه بالوزن والقافية ، وإن كان كلّ عَلَم شعراً”.
وعند الجرجاني:
“إن الشعر علم من علوم العرب ويشترك فيه الطبع والرواية والذكاء”.
أما الشعر في زماننا الحاضر هو تعبير إنساني راق يعكس ما بدواخلنا من وجدانيات كما هو انغماس في عوالم حالمة حوانيه مطيتها المتخيل ، خلوة مع الذات وشحن روحي …
فالشاعرة عائشة التاقي شاعرة موهوبة محنكة تملك ناصية الحرف ، لها تجربة شعرية رائدة ، لقد سبق لها ان أصدرت ديوانها الأول المعنون تحت عنوان : الأشجار لا تبكي …
دلالة العنوان :
حسب النقاد يعتبر العنوان عتبة قرائية وعلامة سيميائية تكشف ملامح سراديبه ، بمعنى آخر فالعنوان هو مفتاح القصيدة . انطلاقا منه يمكن قراءة ترجمة مضمون النص حسب الفهم التالي : بما أن العنوان : هو (لست قلبي) يمكن تفكيكه بما يلي : فالقلب هو مركز العاطفة والرومانسية والدينامو المحرك الفعلي للجسد ، بل هو مضغة إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله ، بمعنى أن الشاعرة عائشة التاقي تتبرأ من قلبها وتقول لست قلبي ، يبقى باب التاويل مفتوحا أمام كل قارىء بحيث يمكن قراءة عمق المعنى بعمق الذات الشاعرة بما يخالجها من رؤى وهواجس الانكسار ، والهموم ولم الوجع ، هناك علاقة وطيدة بين الذات الشاعرة وكوامن النفس لارتباطهما دلاليا بشكل منطقي … أليس القلب هو نبض الحياة ، رمز الخلق ، قوة الجسد والروح ،فالذات لا يمكن لها أن تحيا بدون نبضات القلب ، فهو المضغة التي تعتمد عليها كل الجوارح بما فيها الأحاسيس والمشاعر والوجدانيات …
ثيمة النص الشعري :
موضوع مرتبط بدواخل الشاعرة ، مفتوح ، يجسد هموما غير مباشرة ، فالشاعرة تكاد تكون قلقة السؤال بشكل لافت للنظر وخاصة عندما طرحت سؤالا : إذا لم تكتبني على الجبين ؟ فالشعر محاكاة وانعكاسا لطبيعة مشاعرها ، فالوجع حاضر في تجربتها الشعرية ، يوحي بالصور الشاعرية الآسرة .
المشهد اللساني :
فبوح أو تغريدة الشاعرة تعتبر مرآة للذات ، نبراسا لما يخامر كيانها ، بل هي تزاوج بين القلق الذاتي وهموم ثقال ، ومما سبق وخاصة العنوان ،يمكن القول على أن المشهد اللساني يتدفق بسحر هادر … والمتعمق في القصيدة يجدها مشحونة بانفعالات وصدق المواقف ، غالباً ما تبحر في حنايا الروح ، فتنفجر داخليا بمواجع الآلام …بكل موضوعية فقصيدتها عكست جمال إبداعها بصور شاعرية حالمة استنطقت بتوهج روح المعنى للكلمات ممتطية الترميز بشكل طبيعي وكذا الانزياح مؤكدة أن الشعر هو تصوير ناطق غالباً ما يعكس لأغوار مكامن الذات .
اللغة:
بكل المقاييس الفنية والجمالية والإبداعية إنها تجربة شعرية شاعرية رائدة ، خاضت الشاعر عائشة التاقي رهانا لغويا لافتا متقنة بحنكة نسيج عميق المعاني ، كما حاولت رسم منحاها الداخلي والنفسي بلغة شاعرية تحرك لواعج الذات ، مقتنصة لذيذ المجازات بامتياز ، محاولة معانقة البهاء الإبداعي في أسمى تجلياته … ولقد صدق من قال ( الشعر مغامرة لغوية) إلخ…
لقد حاولت مخاطبة المتلقي بمتعة الصياغة وبما يتناسب ويتماشى مع طبيعة الكتابة الشعرية الشاعرية الحداثية ، وهذا يعود للإحساس الشعري والوعي المقصود الذي أجج القراءة بما يحمله من دلالات مذهلة تتقاطر رقة وعذوبة …
إنه نص شعري نثري مغري للقراءة بشغف وامتاع لكونه منسوج بروح الإبداع النابع من أعماق شاعرة مقتدرة ومؤهلة لكتابة الشعر بمختلف ألوانه ،كما أن الشعر هو صوت الأعماق ونبش في سراديب الذات …
وختاما يمكن اعتبار الشاعرة عائشة التاقي شاعرة موهوبة محنكة تملك ناصية الحرف الوارف المثلج للصدور والممتع بكل المقاييس الفنية والجمالية والإبداعية ….
******
لست قلبي بقلم: عائشة التاقي/ المغرب
لست قلبي..
إذا لم تكتبني على الجبين خيالا
جرحا نازفا لا يستطيب اِندمالا
وصدرا خامدا يكاد أن يجن اشتعالا
من شَقوة السنين و أسر يطوي الجواب سؤالا..
إصغ إلي يا قلب..
فأنا لا أطيق الإمتلاء الفارغ إذلالا
ولا أركع للصمت امتثالا
وتذكر أنك كنت يوما
تهديني الهوى وَهْما
وتدَّعي له الجُرم لوما
واحتيالا..
شَرخ ٌ أنت لا يراه مُبصر
لكن له في البلاغة مقالا..
عجبا لك ياقلب !!
أنت في المحنة هالكُ
ولا زال للنبض فيك مجالا..
عاتبتُ فيك الصمت لا شخص الهوى
ومهجتي فيك تترقب الود وصالا
ويحي منك..
ومن صبري عليك ..
ما عاد للصبر فيك احتمالا..
يا قلبي خاب ظني أن تكون مُغَيَّبا
والعهد بيننا قائم و لازالا
فلا تأمن مَكري فيك وَبالا
حين يلاحقُني المدى فيك ظِلالا..
لستَ قلبي يا قلبي إذا لم..
نصمد في وجه العواصف ثورة ونزالا
ونهزم الهوى سويا والشوق والمحالا
ونرسم على الشفاه بسمة نصر
تتمايل لها القصائد عزفا وموالا