
(1)
شاعر القصة القصيرة…..
* المشهد الثقافى تشوبه حالة من الوهن.
* للوصول إلى نقد بناء لابد من إظهار أصحاب الضمائر النزيهة وآرائهم.
* جيل الستينيات لم يكن حالة مجردة بل هو حالة ثقافية متكاملة.
* عاش جيلنا أحلاما كبيرة وخيبات أمل كبيرة أيضا.
*.. عندما أكون بعيدا عن الأضواء أشعر بارتياح نفسى، مجرد ان اكون محل نظر أشعر بقلق عميق.
ستظل هذه العبارات التى أطلقها الراحل المبدع (إبراهيم أصلان) راسخة داخلى..لأنها لم تكن مجرد شعارات بل كانت تحدد واقعا ملموسا يلمسه كل مثقف حقيقى، سمعت به للمرة الأولى وأنا بالصف الأول الإعدادى حينما بدأ شغفى بالقراءة يتوهج عندما قابلت صديقى (محمود أصلان) يحمل كتابا بعنوان (بحيرة المساء) لكاتب يحمل ذات لقب عائلة صديقى، لفت نظرى تشابه إسم العائلة، سألته عنه أخبرنى إنه إبن عم له، ولد بذات القرية، (شبشير الحصه.طنطا.غربية) وعاش بها لسنوات ثم انتقلت أسرته إلى مدينة طنطا لوقت ثم كانت الإقامة النهائية بالقاهرة، طلبت منه إستعارة المجموعة القصصية، أقر وأعترف أنى بهذا العمر لم أفهم ما بها ولكن عندما عاودت القراءة بعمر أكبر جذبتنى اللغة والمعانى الإبداعية والفلسفية ورسائل قصصه، الكلمة عنده كان يختارها بميزان حساس، كلمة تقرأها تعطيك معان ممكن ان تسطر بصفحات، إستهوتنى كتاباته قرأت له على مدار الأعوام، (مالك الحزين) التى تحولت إلى فيلم سينمائى بعنوان (الكيت كات) (يوسف والرداء), (وردية ليل), (حكايات من فضل الله عثمان), (خلوة الغلبان), ومقالاته بإحدى الصحف بعنوان (شئ من هذا القبيل), لغته التليغرافية سمة مميزة لكتاباتة لسابق عمله بهذا العمل، عندما دعتنى نداهه الكتابة والهرولة إلى عالم الثقافة دفعنى هذا إلى التفكير الجاد للسعى لمعرفته على أرض الواقع، طلبت رقم هاتفه وهاتفته وعرفته بى، فقد كانت إبنة عمة له زوجة لأحد إخوتى، رحب باللقاء وحدده بمقر صحيفة الحياة اللندنية بجاردن سيتى بناية من الطراز المعماري القديم قريبة من السفارة الأمريكية بالقاهرة، كان الوقت عصرا دخلت إلى مكتبه الصغير مساحة تحيط بحوائط مكتبة بها عدد كبير من الكتب ومكتب تعلوه أعداد من صحيفة الحياة وبعض صحف أخرى، أعترف إنى جلست إليه لا أصدق أنى بحضرته هذا المبدع الذى تحتفى به الدول وكتاباته تتناولها رسائل واطروحات ماجستير ودكتوراه بكثير من البلدان، تلعثمت كنت أشبه بتلميذ يدخل باب المدرسة للوهلة الأولى، أخذ هو زمام الحديث، سألنى عن بعض أحوال قريته وأقرباؤه، زالت مساحات الدهشة تباسطنا وجدت نفسى بحاجة ملحة لإجراء حوار دون إعداد مسبق معه، عرضت عليه ما يدور برأسى، لم يتردد برهه بالتلبية وكنت دوما حريصا على حمل مسجل صغير الحمل، عادة لازمتنى لسنوات بغية ان أسجل بصوتى بعض ما أصادفه من مشاهدات وبعض الحوارات التى تحدث صدفة، حاورته حوارا نشرته بإصدارى الأول، (على أجنحة أفكارهم..إطلالات ثقافية) صدر عام 2006، وقبل أن ينتهى الحوار إقتحمت فكرة عقلى وظلت تطن به، أن أقيم له لقاء بقريته التى أخبرنى أنه لم يأت لها من أكتر من ربع قرن، عرضت عليه الفكرة أعجبته ووافق عليها، إنصرفت أحمل سعادة لامحدودة، باليوم التالى ذهبت إلى مديرية الثقافة بمحافظتى الغربية، قابلت المدير العام إبن دمياط المثقف (محمد عبد المنعم إبراهيم) الذى كان يعرفنى لسابق نشاطاتى بمجال الثقافة..الذى أعرف عنه أنه كان صحافيا بجريدة الجمهورية وأبعد بموجب ما يسمى بالتطهير، وحتى الآن لا أعرف أسبابه، أبعد إلى وزارة التموين، ولكنه سعى إلى أن عاد إلى الثقافة بالعمل بهيئة قصور الثقافة، عرضت عليه ما تم، رحب تماما وتناقشنا بأن تكون هناك لقاءات عديدة لشخصيات من الغربية، حددنا بعضها (د.سمير سرحان، د.جابر عصفور،وآخرين) أخذ منى رقم (أصلان) وأمر بكتابة رسالة إلى رئاستة بالقاهرة، وظل يتابع الأمر حتى جاءت الموافقة، تحدد اليوم، كنت قد إتفقت مع قائم على إحدى الجمعيات الأهلية بقرية (أصلان) بها صالة كبيرة على إستضافة اللقاء، إنتظرنا قافلة الثقافة القادمة من القاهرة أتوبيسا يحمل أدباء ونقاد مثل سعيد الكفراوى (اقمنا له أمسية بقريته.كفر حجازى مركز المحلة الكبرى فيما بعد) (محمد السيد عيد، فؤاد قنديل،. د.محمد بدوى, هالة البدرى واخرين) حضر نائب المحافظ نائبا عنه ليقدم درع المحافظة إلى المكرم.، أخذنا طريقنا إلى القرية، كنت سابقا قد أعلنت الأمر لإبن عمه يعمل مدرسا بمدرسة القرية، عندما وصلنا فوجئنا بحشد كبير بحالة ترقب وإنتظار، فوجئنا أيضا بإصطفاف صفين من تلاميذ المدرسة بالزى الموحد، صف للأولاد وآخر للبنات، كل منهم يحمل زهرة، سار بينهم (أصلان ورفاقه) حتى إرتفعت أصواتهم بالغناء بنشيد أعد عفويا من إبن عمه ما جعل (أصلان) يبكى، وأخذ يمرر يده على الأطفال الصغار، ما إن وصل إلى القاعة إلا ووجد نفسه اسيرا للأحضان والقبلات، هذا يعرفه أنه إبن عم أو عمه له وهذا إبن خال أو خال وهذا كان صديق طفولته، أخذ وقتا طويلا للإنفلات من أسر عواطفهم الفياضة، جلس على المنصة يجوارة بعض مسئولى الثقافة بالهيئة وثقافة الغربية ونائب المحافظ، تم تبادل الكلمات والشهادات عن رحلته الإبداعية، وعندما أتت كلمته إفتتحها بكلمات مازالت تحتل ذاكرتى.
اليوم أشعر كأنى أولد من جديد، غادرت من سنوات بعيدة وكنت أحضر على فترات متباعدة وإن كانت غيبتى هذه المرة تجاوزت الربع قرن ولكن فعلا أشعر كأن شريط أيامى الأولى يمر أمام عينى، جامع الأربعين، الست (فرحانة) والكثير.، أعترف أنى خسرت هذا الدفء والإحساس غير المصطنع، سامحونى لغيابى الطويل واشكركم على إعادة ضخ الدماء الساخنة إلى عروقى.
ونهض ووضع يده على صدره وأخذ ينحنى مرات.ومرات ودموعه تزين عيونه، إنتهت الأمسية بنجاح حاول الكثير من أهله الإبقاء عليه للمبيت معهم ولكنه رفض، عدنا وكل منا أساريره تنطق ببهجة الإنجاز، خرجت الصحف والمجلات بأحاديث عن هذه الليلة، أذكر أن مقال على (الأستاذ الراحل فؤاد قنديل) قائلا ليكن الإحتفال القادم (لسعيد الكفراوى) وقد كان وزاد التقارب بينى وبين (أصلان.).ولقاءات ومهاتفات بل كنت سبيلا لتعريف بعض كتاب الغربية به..وقد قام بالنشر لهم بصفحة الثقافة بالحياة اللندنية، كان بسيطا لا يعرف أى سبيل للتكلف أو التعالى، إلى أن صحوت ذات يوم أخذت أتصفح الصحف إلكترونيا، وجدت خبر وفاته بكيته وابلغت أهله بالقرية الذين سارعوا بالسفر لحضور عزائه، هناك أناس تحت الأرض أحياء وآخرون فوق الأرض أمواتا.مؤكد هو واحد من الأحياء دوماً بالقلوب والعقول.
(2)
صداقة…..
..ذات صباح من قرابة الخمسة عشر عاما..كنت أداعب أزرار الحاسوب ابحث عن كتاب وكاتبات أتباعهم واقرأ لهم، لفت نظرى شاعرة عراقية، الشاعرة (وفاء عبد الرزاق), إطلعت على كتابتها واصداراتها وجدت أنها متعددة المناحى الأدبية الإبداعية، غزيرة الإنتاج، فى التو أرسلت لها طلب صداقة،وأنى راغب بحوار معها أضمنه إصدار لى اعده، أتتنى موافقتها أعددت تساؤلات الحوار،ارسلتها إليها بعد أيام جاءتنى الإجابات، تواصل بيننا الحوار، عرضت عليها الحضور إلى مصر، مصر هى بؤرة وقبلة الإبداع والمبدعين، طلبت مهلة للرد وجاء هذا بعد عده شهور، أخبرتني بموعد الحضور وأنها سوف تقيم بسكن لصديق عراقى متواجد بالقاهرة وله أكتر من مقر سكنى إسمه (وسام هاشم) شاعر كبير كان يقيم بإحدى البلدان الأوروبية وأتى لمصر وأقام جاليرى سماه (كونيست بشارع شريف بالقاهرة)، (لا اعلم عنه حاليا ومن سنوات أين هو؟ والمقصود هو (وسام هاشم)، مثلما جاء بغته إختفى أيضاً بغته، ذهبت بالموعد المحدد إلى الجاليرى..كان لديه علم بى من خلال صديقتى، أخذنا سيارة وذهبنا لاستقبالها بالمطار،وصحبناها إلى السكن المخصص لها وغادرت مع وعد للحضور لاعداد لقاء كنت قد اتفقت مع مسئولى اتحاد الكتاب بمحافظة الغربية لإعداد أمسية شعرية لها، ولقاء متلفز بالقناة الإقليمية، انتظرتها بمحطة القطار وإنتقلت بها فورا إلى نادى طنطا الرياضى حيث موعد اللقاء التليفزيونى الذى استغرق نصف ساعة ومن ثم صحبتها مع وجود أخ أكبر لى إلى قرية (سامول مركز المحلة الكبرى) حيث كان صديقى الراحل (فريد معوض)، كاتب أطفال وقاص وروائى وتحولت بعض أعماله لدراما للأطفال والكبار، كان الحضور عدد من كتاب المحلة، تناقشنا حول الأدب وتنوعاته ومصداقية المشهد الأدبى بعالمنا العربى، كان لقاء ثريا، تناولنا الطعام الريفى المعتاد الشهى، ثم غادرنا عائدين إلى إتحاد كتاب الغربية، حيث كان الحضور كثيفا أثرت القلوب بشعرها وطلبت أن يصاحبها بالعزف على العود أحد الحضور، عزف وتغنت بشعرها تغنت بلهجتها الدارجة العراقية، ربما بعض المفردات لا تفهم ولكن الجمع كان منتشيا بالإلقاء والعزف الهادئ المصاحب، حرص الكثير على إلتقاط الصور التذكارية معها، عدت بها إلى محطة القطار، كنت قد حجزت لها بأحد القطارات المكيفة، عادت تحمل السعادة بين أرديتها بداخلها اعددت لها لقاء بنقابة الصحفيين، عرفتها.بالدكتور (صلاح فضل)، ودبرت لها لقاء مع المخرج (مجدى أحمد على) بمقهى (الجريون) الشهير بأنه ملتقى كل الفنانين والمبدعين، لتعرض عليه إحدى رواياتها لتحويلها لعمل درامى ولم يتم الأمر بسبب أن اللغة العامية العراقية تسود العمل مما يعوق تحويله إلى دراما من وجه نظر المخرج، تعارفت على الكثيرين من مجال الأدب والثقافة، بيوم دعتنى لحضور أمسية لها بالجاليرى، حضرت بصحبة صديق مذيع بالقناة الإقليمية (إبراهيم ياسين)، جمع كبير بالقاعة يجمع بين عراقيين مقيمين بمصر وعرب من أقطار أخرى وبعض كتاب ومراسلى الصحف وكتاب من مصر، كانت هناك قناة فضائية عراقية، لا أتذكر الإسم الآن ولكنى أتخيل أنها كانت قناة (البغدادية) تسجل الأمسية، قبل أن تبدأ بالقاء أشعارها طلبت الميكروفون أمسكت به وقالت
* أطلب التسجيل على الفور.
أعدت الكاميرات أمسكت بالمايك قالت.
– قبل أن تبدأ أمسيتنا، أود أن أوجه الشكر للاستاذ (احمد) وأشارت إلى، هو من أقنعنى بالمجئ لمصر وهو من أعد لى بروجرام الزيارة، فتح لى كثيرا من أبواب الإبداع بتنوعاته، أشكره وادعوكم لتحيته.
تعالى التصفيق مما أصابنى بنوع من الإرتباك، بعد الأمسية عرفتنى بالمذيع التابع للفضائية الكاتب المتنوع إبداعا الراحل (خضير ميرى) تحدثنا بقضايا فكرية متعددة تبادلنا الإعجاب، تصادقنا على الهاتف ولقاءات متعددة، أهدانى إصدار له بعنوان (كيس أسود مخصص للأزبال)، توثقت صلتنا، دعانى إلى أمسيات باتيلية القاهرة يديرها هو كانت مع الفنان (خالد الصاوى) الذى يكتب الشعر والرواية، وأيضا الفنان (محمود حميدة) ..وحديث حول رحلته الفنية، بعد عودة الشاعرة إلى لندن حيث تقيم، زاد تقاريى مع (خضير)، أعددت له لقاء باتحاد كتاب الغربية بمشاركة صديقنا الشاعر العراقى (سعد جاسم) والشاعر المصرى(سعدنى السلامونى), وإستمرت اللقاءات بيننا وتناولت الطعام معه بمحل إقامته، لعله الكاتب الوحيد الذى كتب بورقة تعريفه، أنه مجنون بناء على تقارير رجال (صدام حسين) وأنه دخل السجن والمصح النفسى به لمدة عشر سنوات عاما، حتى أفرج عنه وغادر إلى العراق وبعدها بشهور أتانى خبر وفاته، بكيته بكيت به الإنسان المثقف الموسوعى البسيط، رحم الله (خضير) وظلت الشاعرة (وفاء عبد الرزاق) أختا مبدعة ذات شأن وسمو، الحقيقة أن الثراء الإنسانى المشمول بثراء فكرى من أعظم الثروات.