filter: 0; jpegRotation: 270; fileterIntensity: 0.000000; filterMask: 0; module:31facing:1; hw-remosaic: 1; touch: (-1.0, -1.0); modeInfo: Beauty ; sceneMode: Auto; cct_value: 0; AI_Scene: (-1, -1); aec_lux: 0.0; hist255: 0.0; hist252~255: 0.0; hist0~15: 0.0;
وقف أمام البوابة الحجرية الضخمة متحدياً، يتفرس فيها..
أدار مسجل الهاتف، أنصت بروية للأهالي المعمرين، وهم يسهبون في سرد حكاياهم المطعمة بالترهات عن المكان.
أأأه.. من عصف الأزمنة!.
“تراءى له ‘الظاهر بيبرس’ يلجها صبياً يافعاً، مملوكاً، ليصبح سلطاناً..
يالها من بوابة سحرية..
تبدت له.. دفوف تدق، ربابات تعزف، حكواتية يحتلون صدر المقاهي، يمزجون الغرابة بالخيال، يرون قصص عنترة،
الهلالي، غزوات الخليفة بين مشارق الأرض ومغاربها.
فقراء يتجمعون من الأزقة والعطفات، يزحمون التكايا والأسبلة، يتكالبون على طواحين القمح، يااااه..!!.
رأى الأسرى من العمال الأمويين، يرسفون في أقفاص من حديد، تحت دوي هتافات النصر..
‘جوهر الصقلي’ يرتد مظفراً، يتوج بالإمارة.. فوق الجماجم يعتلي عرشه.. الجنود يحملون قلال الماء، ممتلئة بالأسماك، صادها من بلاد المغرب الأقصى؛ ليبرهن للسلطان بأنه قد أتم المهمة.
أأأه.. كم توالى الغزاة وترنح السلاطين، ومات الأبرياء، بلاحول ولاقوة..
عاش السلطان..
مات السلطان..
مازال يجول حول البوابة، يلتقط الصور، ويدون الخواطر.. ويدقق في ملامح الوجوه. ماذا تبق؟، ماذا تغير؟.
لماذا مازلنا هنا؟، نتضوع عبق تاريخ ولى، نصطلي في عذاباته؟.
استرعى وجوده المريب – بقامته المديدة – توجس صاحب البالطو الرمادي، بوجه العبوسي، وشملته القاتمة، فأخذ يرصد حركاته على مبعدة آمنة.
ولما فاض به الكيل، وتحسّب خطراً ما.
هاجمه بلهجة خشنة مدربة:
– هويتك؟.
– هه!!.
– أكاميرا الهاتف مرخصة؟.
– ألست حر!..
– تأدب ياولد..
ثم لكمه، فتطايرت نظارته الطبية، وانتثر زجاجها..
“أين أنت يانابليون.. لما الفرنجة دوماً يسحقون الوالي؟، لما ينحتون أسماء ضباطهم أعلى أفريز برجي البوابة العتيقة.. ويتركونا للعشب؟.
نؤرخ سيرنا فوق المسلات وشواهد القبور.
لما أذوب عشقاً في مدينة تخنقني كالطوق، وتعتصرني كالرحى؟..
أنا الفلاح ابن الفلاح.. لازلت تائهاً في مدينة لاتشبهني، تبغض ملامحي..”.
دسوه بعنف في العربة، لكزوه في ظهره.. قبع في العتمة، تترامى إليه هسهسات مكتومة. مد البصر نحو كوة ضيقة بقضبان، تنفرج على سماء بنفسجية.. تناثرت فيها نجوم كنقط حراسة..
– أنا طالب بكلية الفنون..
صفعني.. “فابتسم ‘الصقلي’ وأشعل غليونه، فيما أمر الأمير الاندلسي المارق، بوضع خطة لتحرير الرهائن.. آه من قلب مزقته الأشواق.. فاعدموه بالخازوق على مرأى من العوام”.
حطموا هاتفه، “فتهاوت مدائن الأندلس، وتولى المخبرون قيادة البلاد..
غرناطة.. تنزع رداء العفة، وتتطلع للعالم الجديد.. تدنسها آهات السكارى، ومواخير البغاء”..
أمام الضابط، تلعثمت:
– لست مجنونا، ولاأدعي.
ساقوه لزنزانة المخفر. حفر على جدارها المملح العطن، قلباً يحوي اسمها!.
استحضر فاها العذب.. معشوقته القديمة، يحضره طيفها يانعاً، بثقل الكائنات الحية.
عيناها محيط بلا ذاكرة، يجلب الحياة للممتطين أمواجه..
يهمس لها بنبرة يأس:
– اشترط أبوك إجادتي النفخ في الكير بلاشرر، حل الطلاسم والألغاز.
– يامفلس.
جهر بها والدها في قرف.
تساءل:
– من هو ياأبي المفلس؟.
أجابه في صرامة:
– من عجز عن ادراك حاضره، فباع ماضيه.
أخبر معشوقته بأن لوحاته ستُباع بأغلى الأثمان، بعد عشرات السنين..
تبخرت منه في الحال، كشذا في حلقة ذكر.. فتطوح كراقص سيرك سقط ببطء من علياء، يتأمل الناس ويتأملوه.
تعجب أستاذه بالكلية.. لماذا تغرم بمصر الفاطمية؟.. دعك من الماضي، ابحث عن مآثر الحاضر..
“أنا وأنتٍ ونابليون والأندلس والأسرى، والصقلي، وأبوك، والمخبر.. متسمرون أمام البوابة*!!.”.
تصطبغ الديكة بلون الفجر..
لا نتحرك قيد أنملة..
—
* باب النصر.