عبد الله زاقوب، أديب وكاتب وشاعر من مدينة هون الليبية الجميلة و الرائعة والتي كان لها عظيم الأثر في تلوين كلماته وزهوها وروعتها وأناقتها.
أبصر النور عام 1956 في تلك المدينة وتلقى تعليمه الأول بها ، انتقل بعد دلك إلى مدينة بنغازي ليواصل تعليمه الجامعي هناك، منذ صغره كان مولعا بالكلمة يعشقها حتى الثمالة كان متتبعا للحركة الأدبية والثقافية مما ساعد على ظهور ملكة الشعر لديه فانسابت كلاماته رقراقة عذبة رقيقة سلسة تدخل إلى القلوب دون استئذان كتب في عديد الصحف والمجلات نتاجا شعريا جميلا تزينت بقصائده مجلة الفصول الأربعة ومجلة الثقافة العربية والإذاعة وصوت الوطن والشعب المسلح والبيت والجماهيرية ولقد صدرت له أربعة دواوين ، الديوان الأول “حالات” عن دار عصر الجماهير عام 1997 والثاني “صهيل الريح” عن مجلس تنمية الإبداع الثقافي، وأيضا ديوان “الأشياء التي لا تضاهى” وآخر دوواينه كان بعنوان “سيرة غائمة”، كدلك صدر له عن مجلس الثقافة العام كتاب الحلم والتوق إلى الحرية وكتاب شهوة الكلام عن مجلة المؤتمر وكتاب أغنيات للوطن عن مجلس الثقافة العام ، ترأس إذاعة الجفرة سنتين اعتبارا من سنة 2000 كما كلف أمينا لتعليم مؤتمر هون لمدة خمس سنوات وأمينا لقطاع السياحة لشعبية الجفرة وهو من مؤسسي مهرجان الخريف السياحي كما عمل مديرا لرابطة الأدباء والكتاب لشعبية الجفرة من عام 1995 وحتى نهاية 2004 وله أيضا مخطوط قريب عن مجلس تنمية الإبداع وله تحت الطبع” أشياء لا تضاهى”.
*نبدأ حوارنا معك عن الإصدار الأول “حالات” وهي بالتأكيد حالات مفعمة بالحب والأحاسيس الجميلة؟
– طبعا ديوان حالات كتبته في المراحل الأولى من حياتي الشعرية وهو يضم حوالي 25 قصيدة تقريبا وقد كتبته في العشرينية الأولى من بداياتي الشعرية وضم قصائدي الأولى التي نضجت فقدمتها للقارئ وقد نشرت معظم قصائد هذا الديوان في الأسبوع الثقافي وفي الفصول الأربعة وأجواءها طبعا تزاوج بين الحالات النفسية الشعورية والذاتية وبين ما هو متعلق بالطبيعة من خلال الظواهر الطبيعية: المطر والريح وغيرهما.
*لك قصيدة بعنوان حالة حصار تقول في مطلعها:” لا تجعلوني أموت بطيئا” في رأيك متى يموت الإحساس لدى الشاعر بطيئا؟
– يموت الإحساس لدى الشاعر عندما يصاب بخيبة أمل أو يحس باحباطات ذاتية أو صدمات من الآخر أو من المجتمع أو من المعشوق.
فلا تتركوني أموت في ظلها
فظلها النار والهاجرة
والظل تؤم الشمس صورتها المعتمة
والظل أفقدني الوعي والذاكرة
أبتغي الموت في الشمس فالشمس للوعد
وسر الوطن المبتغى
لا تجعلوني أموت بطيئا وشيئا فشيئا
كوردة الثلج تفقد بهجتها ندرتها
أوراقها واحدة واحدة واحدة
لا تقتلوها لا تقتلوني
فالظل طلقتها القاتلة
وردتها الذابلة
أتركوها دعوا النهر يتخذ
وجهته يختار موتته
دعوه دعوني ولا تقتلوه
فمهرة النهر محتاجة للعناق
وللقبلة العاجلة
ليس لها سوى البحر ملجأ ووطنا
لا تتركوني وحيدا كفزاعة الطير
في الظل للظن
كالموجة الهادرة
فنبضي يحاسبني
يحاصرني
وظل يشهر منيته الغادرة
دعوني دعوا النهر للبحر
وخلوا فراشة الضوء للشمس
والموت للظل والهاجرة
*أكيد لديوانك البكر مكانة مرموقة في قلبك؟
– بالتأكيد فأنا قدمت الإهداء لابنتي فرح طبعا فرح، جاءت بعد سنوات طويلة من الانتظار فكانت هناك في الحقيقة فرحتان فرحة بصدور الديوان وفرحة بقدوم فرح وأنا أعتز به كثيرا وإن كانت لدي بعض الملاحظات على طباعته وإخراجه ولكن الديوان الأول تبقى له مكانة خاصة.
*أيضا صدر لك ديوان صهيل الريح؟
– نعم تولدت لدي عديد القصائد بعد ديواني الأول “حالات” ونشرت في الفصول الأربعة ومجلة الحياة الثقافية التونسية وعبر صحيفة العرب اللندنية وكان عندي شبه ديوان جاهز وعندما راسلني بعض الزملاء في مجلس تنمية الإبداع الثقافي ليعلموني بقرب موعد إصدار مجموعة كتب ومؤلفات أصبح الديوان جاهزا وتقدمت به للمجلس وأُجيز من بين 45 كتابا وكانت الكتب المقدمة 100 كتاب آنذاك.
*وماذا عن ولادة القصيدة؟
– بالنسبة الي لا توجد أوقات محددة ولا أماكن محددة إنما القصيدة تظل في ذهني حتى تنضج ثم أختار لها الوقت لأكتبها فهي تظل تختمر في فكري إلى أن تخرج متبلورة وأكتبها.
*متى يحس الشاعر بأن كلماته تذهب مع الريح دون أن تترك في النفس أثرا؟
– بالتأكيد الكلمات عندما تكون نابعة من القلب تصل إلى القلب وعندما تكون مكتوبة بالدم والشعور الحقيقي النابع من الأغوار العميقة والصادقة فستصل إلى القارئ أينما كان وفي أي وقت وكيفما أراد الشاعر ، أما غير ذلك فإنها تذهب مع الريح.
*كيف ترى المشهد الثقافي الليبي؟
– المشهد الثقافي الليبي له حضوره القوي ويتجسد هذا المشهد عبر أجيال وأجيال منذ الشعراء الكبار حقيقة ومرورا بالشاعر الراحل علي صدقي عبد القادر بقصائده الرائعة وبنتاجه المتدفق شبابا وحبا وحتى الأجيال الجديدة التي نسميها باسم “التسعينيون” ومازالت الأجيال تنتج وتنشر نتاجها وتنتقل من القصيدة التقليدية إلى الحداثة وما بعد الحداثة وهذا يغني المشهد الشعري الليبي وكذلك القصة القصيرة وما ينشره القصاصون أثرى المشهد الثقافي وما ينقصنا هو العملية النقدية لإخراج ما نكتبه وما ننشره ونحن نعتز بالمشهد الثقافي بمختلف صوره وتلوناته.
*لك أشياء لا تضاهى؟
– الأشياء التي لا تضاهى هو عنوان أوحت الي به إحدى قصائدي التي قلتها في أحد أصدقائي الذي وافته المنية منذ زمن وقد كان مثالا للجمال والصدق والتفاني والوطنية وخرجت يومها الكلمات:
وداعا أيها الولد الذي كالندى
آهٍ لبساطتك تلك التي لا تضاهى
* وماذا عن أغنيات للوطن؟
– “أغنيات للوطن” كتاب صعب لأنني في الحقيقة لم أكن أكتب وأنشر ولكن قدمت برنامجا إلى إذاعة الجفرة المحلية كان يذاع في الفترة الصباحية وأسميته أغنيات للوطن وحلقاته تجاوزت 60 حلقة ثم قمت بكتابتها من جديد وأصدرتها في كتاب عن مجلس الثقافة العام وهو قراءة وجدانية في جماليات الوطن والتغني والزهو بالأوطان والفخر والجهر بذلك وإشهاره هو تأكيد للانتماء وترسيخ للهوية والإعلان عنها والبوح بها دون شططٍ أو تطرفٍ أو تعصبٍ فحب الوطن درجات ومراحل وعتبات وسلالم تبدأ من الأصغر فالأكبر فالأكبر، البيت والعائلة، القرية أو الواحة المدينة فالوطن فالأمة إلى الوطن الكبير أنهار ومحيطات بحار وبحيرات أشجار وغابات قصور وباحات مسارح وقاعات سطور ومجلدات مدن وحضارات زهرة الأزمنة والعصور نفخر ونفاخر بها تلك هي مقامات الحضارة العربية في الوطن الإسلامي، أنبياء ورسل كتب ومصاحف علماء وفقهاء رواة ومحققون و فنانون وأدباء مؤرخون وجغرافيون أطباء وجراحون قادة ومحاربون وهكذا أجواء الكتاب كلها تتغنى بالوطن.
وعندي أيضا كتاب هو الآن موجود في المكتبات عنوانه “الحلم والتوق إلى الحرية” وهو مجموعة من المقالات والنصوص هذا الكتاب صدر في 2005.
*هل كتبت القصة أو الرواية؟
– لا لم يسبق لي أن كتبت القصة القصيرة ولا الرواية ولكن كان اهتمامي منذ البدء يتراوح بين القصيدة والكتابة النثرية سواء أكانت مقالة أو متابعات بشكل عام وأيضا اهتم بالسير الذاتية وقراءتها والدراسات النقدية والفلسفية.
*هل شارك عبد الله زاقوب في مهرجانات خارج الجماهيرية؟
– نعم شاركت في مهرجان المربد الشعري في العراق في عام 1999 عندما كان العراق الشقيق محاصرا وكنا من الشعراء الذين شاركوا في تلك اللحظات الصعبة وأيضا شاركت في مهرجان الشعر العربي السادس والعشرين في الجزائرعام 2003 أما مشاركاتي داخل الجماهيرية فقد كانت كثيرة أتذكر منها دورات مهرجان الحرية الذي أقيم في ثمانينات القرن الماضي في مصراته وبنغازي وطرابلس وكثير من مدن الجماهيرية.
*هل تطرق عبد الله زاقوب إلى الشعر الغنائي؟
– في البدايات الأولى عندما كتبت الشعر كانت لي حقيقة. بديات قصيرة فيما يتعلق بالشعر الغنائي ولكن تحددت كتاباتي فيما يتعلق بالقصيدة الشعرية.
*من تعاتب ومن تشكر؟
– أعاتب رابطة الأدباء والكتاب وأتمنى أن تعيد الحيوية والنشاط والعمل فرابطة الأدباء الآن شبه مشلولة وأتمنى أن يعاد النظر في بنائها ولم شمل الأدباء والكتاب الذين لم تنتظمهم أي رابطة أما الشكر فأخص به مجلس الثقافة العام وأتمنى أن يواصل نشاطاته بحيث تشمل كل مناحي الحياة الثقافية كالمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية والمهرجانات الثقافية وأقول لهم مزيدا من العمل والإصرار والتألق والإبداع.
*كيف ترى الحركة النقدية في ليبيا.؟
حقيقة الحركة النقدية في ليبيا لم تواكب الإنتاج الغزير في الشعر والقصة والرواية وما نتابعه من حين إلى آخر من دراسات نقدية يغلب عليها طابع المجاملات والعلاقات الشخصية وهذا لا يخدم الشأن الثقافي بل يتسبب في تعثره ويعرقل تقدمه لذا نرى المشهد النقدي في ليبيا يتعثر ولم يصاحب النهضة والإنتاج الغزير في الشعر والقصة والرواية.
* ما هي مكانة المرأة في حياة الشاعر عبد الله زاقوب؟
– المرأة موجودة في شعري وهي لا توجد بشكل صريح وانما مبثوثة ضمن قصائدي ودائما اشيد بالدور المهم للمرأة الليبية والإشادة بدورها في المقاومة ومن بين ما كتبت في دراستي المبكرة للشاعرة فاطمة عثمان بقصيدتها اليتيمة خرابين يا وطن عندما نشرت ، حيث نشرت شهادة امرأة في زمن الحرب في مجلة الثقافة العربية وكنت وقتذاك طالبا في الجامعة وهذه الدراسة من الدراسات المبكرة ، والمرأة عموما موجودة في قصائدي فهي الأم والحبيبة ورفيقة الدرب والمناضلة.
*أيضا لك اهتمام بالتراث؟
نعم فلدي اهتمامات بالأغنية الشعبية والتراثية فقد نشرت عدة دراسات في صحيفة أويا كانت حول أغاني التراث كأغاني الجبادة والمعاناة والحياة اليومية في هذه الأغاني ، أيضا قمت بدراسة عن الشاعر محمد قنانة حول أشعاره الغنائية وهذه الدراسات التراثية هى مشروع كتاب سأنشره في قادم الأيام ، وأيضا لدي اهتمام بالشعر الغنائي وخاصة في منطقة الجنوب ولقد ساهمت حقيقة في تأسيس جمعية ذاكرة المدينة وهى تعنى وتهتم بالتراث الشفهي والمكتوب من حكايا أطفال وأمثال وأغان قديمة وهي جمعية أهلية وتهتم بالمدن القديمة.
*وماذا عن تجربتك الإذاعية؟
-لقد قدمت عدة برامج ثقافية من بينها برنامج فضاء الثقافة والإبداع بإذاعة الجفرة كما قدمت مبكرا برنامج محطات صغيرة وقدمت أيضا المشهد الثقافي بإذاعة هون.
*لم نقرأ لك قصيدة عمودية؟
-صحيح أنا اقرأ الشعر العمودي وأحب قراءته لذا أحرص على قراءة ديوان المتنبي من حين لآخر فقد كتبت الشعر الحديث وقصيدة النثر كما أنني أحرص على قراءة عدة دواوين لشعراء عرب وأجانب مثل رامبو وبرث وناظم حكمت وبودلير وغيرهم وكذلك أقرأ للشعر العالمي المترجم وهذه الأيام بين يدي كتاب تقرير إلى جريكو وهو يتناول السيرة الذاتية للكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس وفرغت منذ يومين من قراءة كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد وأيضا باقة العبارة لمحمد بن عبد الجبار النفري، فالأساس عندي هو القراءة والمطالعة وأهتم بقراءة الشعر وكتب السيرة الذاتية والدراسة الفلسفية والتصوف فأنا ومنذ زمن بعيد أقرأ في اليوم أكثر من ساعتين، وأنا كمتخصص في التاريخ لدي قراءاتي في كتب التاريخ غير أن الأدب يستهويني دائما ولا أجد نفسي إلا وأنا أحتضن كتابا أدبيا.
أنا في الحقيقة لست ناظما بل أكتب القصيدة الشعرية وليس لدي تصنيف معين ولكن غالبا ما أستنطق الأشياء سواء أكانت مظاهر طبيعية أو إنسانية وأصف الحالات الإنسانية مثل الحب العشق الوله والكذب عموما أصف الحالات الشعورية غالبا وخصوصا فيما يتعلق بالمشاعر الإنسانية ورصدها.
*ما هو جديد الشاعر عبدالله زاقوب؟
-بالنسبة الي الآن لدي كتاب تحت الطبع بعنوان عمر مسعود سيرة فنان وهو فنان غنائي وأول من غنى أغنية بصحبة الآلات الموسيقية في الجنوب في بداية الخمسينات، أيضا ستقوم المؤسسة العامة للثقافة والتراث بطباعة كتابي أشياء لا تضاهى والتوق إلى الحرية فقد وقعت عقدي هذين الكتابين، وخلال هذا الأسبوع نسجت قصيدة جديدة واخترت لها أنشودة الكمنجات عنوانا وهى مستوحاة من زيارتي الأخيرة لبحيرة قبر عون هذه البحيرة التي تعتبر أعجوبة طبيعية حيث تمازج الألوان الثلاثة زرقة البحيرة وصفرة الصحراء وخضرة الأشجار وأقول في هذه القصيدة:
ثلاثة ألوان تتآلف
تتمازج تتناسل
تأسرني الألفة رغم تباغضها
الأصفر فالأخضر فالأزرق
يبدو الأصفر كحليب مخلوط بالشاي
يفيض على الواحة مقتدرا
بنشر ألوان عباءته ، يوغل منزلقا كأذرع الأخطبوط
يؤلف الأخضر أغنية رائقة
يأذن لعصافير الفرح البادخ
أن تصدح بالموسيقى:
تندحر الوحشة..
الألفة تغمر الأمكنة
يعتلق الأزرق: صفائح فضة
شرائط من ذهب:
تبرق كالأنجم / مرايا من لازورد
ترى من يؤلف أنشودة الكمنجات
وقع طبول، صفير النايات
يوحد ما بين أهزوجته
*كلمة أخيرة؟
أشكرك أخي عبدالرحمن وأشكر اهتمامك بالشأن الثقافي، كما أتمنى وضع استراتيجية واضحة للثقافة في ليبيا بحيث لا يطال التغيير المستمر هذا المشهد ويسبب إرباكه وتعثره.
المصدر:العرب اونلاين