أجرى الحوار:صفاء ذياب*:
بعد عدة أعمال روائية وقصصية يصدر {بستان العاشقين}
منذ أول مجموعة قصصية له في العام 1986 (العروس) تمكن القاص والروائي فيصل عبدالحسن من أن يضع نفسه في مصاف القصاصين المغايرين، فتوالت أعماله “ربيع كاذب” 1987، “جنود” 1988، “أعمامي اللصوص” 2002، فضلاً عن هذا، أصدر ست روايات، “الليل والنهار”، “أقصى الجنوب”، “عراقيون أجناب”، “سنوات كازبلانكا”، “تحيا الحياة”، “سنام الصحراء” و”فردوس مغلق”. يشتغل عبدالحسن على الهم العراقي، خصوصاً منذ إقامته بالمغرب في العام 1997 وحتى الآن، لهذا يستطيع أن يعيد قراءة البنيات والمجتمع العراقي قراءة متأنية، وبعيدة عن الانفعال والتشتت.
بعد هذه الأعمال، صدرت له عن دار الشؤون الثقافية، ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية، مجموعته القصصية الجديدة “بستان العاشقين”.. وبمناسبة هذه المجموعة كان لنا معه هذا الحوار:
• ما الجديد الذي اشتغلت عليه في هذه المجموعة كموضوعات.. وما ارتباطها بالحياة العراقية من جانب وحياتك في المغرب من جانب آخر؟
– لقد اشتغلت في مجموعتي الجديدة على موضوعات شتى شغلتني منذ بدايات اهتمامي بكتابة القصة القصيرة، التي تشكلت منذ أن طلب مني والدي رحمه الله، أن ألخص قصة كل فيلم نشاهده معاً، في سينمات البصرة، التي كان يصحبني إليها في الخمسينيات من القرن الماضي بفترات متباعدة.
كما أن قصص القرآن الكريم، لاتزال تتردد في ذاكرتي بصوت هذا الأب الحنون، وهو يتلوها علي بصوته الرخيم في المساء قبل النوم، وصارت منبعاً لكل ومضة لقصة قصيرة جديدة أكتبها بعدما كبرت، وصرت أكتب قصصاً أنشرها في هذه الجريدة وتلك المجلة.
وجاءت معظم قصص البدايات بشكل ما في مجموعتي القصصية الأولى “العروس” وبعدها في مجموعاتي الأخرى. تجد في مجموعاتي القصصية شذرات من تلك القصص التي سمعتها في طفولتي وسنوات مراهقتي. وقد أضافت لي الحروب، التي عشتها كجندي، الشيء الكثير، وربما حملت قصص مجموعتي “جنود” حكايات عديدة، مما عاشه أبي أيضاً في حروب العراق في الأربعينيات. إضافة إلى ما عشته في الثمانينيات والتسعينيات من حروب، كذلك أضاف تنقلي وسفري بين عواصم عربية، كعمان، القاهرة، طرابلس، تونس، الرباط، المزيد لخزانتي القصصية، وأعطاني هذا التنقل المزيد من الرؤية البانورامية المطلة من فنارات رصد شاهقة على عذابات الناس، وما يعيشونه في يومهم، وما يعانون منه، ومعرفة حقيقة الألم الإنساني عن قرب.
• ما أهم التقنيات والبنى الأسلوبية التي اعتمدتها في السرد واﻻشتغال القصصي؟
– الحفر في سيميائيات الشخصية العراقية وتشكلاتها، مما يجعل لاهم للمبدع إلا البحث والتقصي لدى غيره من الكتاب عن صدى لما يفكر فيه. نعم، إنه خيار مقصود، فقد آليت على نفسي منذ البداية اختيار لغة الكتابة القصصية القريبة من فهم الناس. وقد كان خياراً صعباً جداً، لكني تدربت عليه لسنوات كثيرة حتى استطعت أن أزاوج بين البساطة والعمق، وأن أختار الأسلوب القريب من أذواق وأفهام الناس.
أتذكر نصائح ذلك الأب– المعلم- الذي كان يوصيني حين كنَّا نعيش في بصرة الخير في الستينيات والسبعينيات، وهو يستمع لما دونته: اختصر ما تكتبه إلى النصف، بل إلى الربع، ولا تتأثر بمن تقرأ لهم.
كنت وقتها أقرأ لمصطفى لطفي المنفلوطي وأحمد السيد، وجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، والرافعي، والزيات، وغيرهم. في مقتبل عمري كان والدي يقول لي: كن أنت دائماً، ولا تكن غيرك فيما تكتب، انظر بإذنك، واسمع بعينك، اجعل حواسك تمارس الكتابة قبل يدك، واترك قلمك جاهزاً لكتابة أي خاطر يمر عليك.
كان لحكايات والدي عن حرب48 في فلسطين دور كبير في شحذ مخيلتي، فقد كان يرويها لنا عن دوره كضابط صف مشاة في حرب فلسطين والمعارك التي خاضها هناك والجروح البليغة التي أصيب بها خلال تلك الحرب، وزواجه هناك من فتاة فلسطينية، خلال رقاده في بيت إحدى العائلات في منطقة جنين حين كان يُعالج من جراحه، وحملها منه وولادتها لطفل جميل، ورفضها فيما بعد ترك أهلها بعد مغادرة الجيش العراقي فلسطين بعد الهدنة. تلك القصص كونت لدي الفرن الجاهز لتحميص كل عجين قصصي جديد أعيشه في يومي.
• عرفناك قاصاً ومن ثم اتجهت لكتابة الرواية، كيف يمكن أن نفهم تحولك هذا، وما الذي استفدته من كتابتك للرواية في نصوصك القصصية الجديدة؟
– الرواية هي ديوان العرب الحالي، وما يحدث في الغرب لا يجد صداه قريباً عندنا، فالرواية العربية تعيش في فترة مشابهة للفترة التي عاشتها الرواية في أوروبا القرن التاسع عشر، زمن روايات غوستاف فلوبير، فيدور ديستوفسكي، أنطون تيشخوف، ليوتولستوي، تورجنيف، همنغواي، سالنجر، سومرست موم، فرجينيا وولف، فولكنر، سوريان، وجيمس جويس، وغيرهم. وما يزال أمام الرواية العربية قرنان من السنوات لتصل إلى المرحلة التي تمر بها الرواية الأوروبية الحالية، من عسر هضم، وشيخوخة تسبق الموت.
جرأة الكاتب حين يكتب في الوطن العربي يستمدها عادة من يأسه فقط لا من شجاعته، فالحياة سوداء أمامه أينما أطل بوجهه، ويجدها تزداد سواداً كل يوم. من هذا السواد يستمد الكاتب جرأته ليعبر بصدق عن مراراته وما يعيشه من خيبات في كتابته للقصة القصيرة أو في الرواية حين يضيق عليه قميص القصة القصيرة..
• بعد عدة مجموعات قصصية وروايات، ما الذي تخبئه للمستقبل القريب؟
– أكتب حالياً الفصول الأخيرة من رواية جديدة أبطالها من العراقيين المهاجرين إلى بلدان أخرى ويوحدهم همُّ البعد عن الوطن والأهل، وأيضاً لدي كتاب نقدي جديد تناولت فيه وضع القصيدة العراقية بعد قصيدة النثر لأدفعه للنشر، وانتهيت مؤخراً من كتاب نقدي تناولت فيه العلاقة بين الإنتاج الروائي في العراق وفن السيرة. أما بالنسبة للقصة القصيرة فإني أعد مجموعتي القصصية الكاملة، وهي تضم كل ما كتبته من قصص قصيرة منشورة منذ السبعينيات، حين كنت طالباً في الثانوية، وما كتبته مؤخراً ولم ينشر بعد، وكذلك أعد إحدى رواياتي الجديدة للترشيح لجائزة “كونيجي” الصينية العالمية، بعد أن قدمت روايتي “سنوات كازابلانكا” التي صدرت العام 2011 في بريطانيا للترشيح لجائزة بوكر للعام المقبل.
توجهاتي الجديدة في الكتابة متنوعة، ففي الرواية أحاول العمل على كتابة “سينماـــ رواية” وهي مزج بين السيناريو السينمائي وفن السرد الروائي، محاولة بدأتها منذ سنوات وظهرت كعمل روائي تحت عنوان “عراقيون أجناب” التي صدرت في الدار البيضاء العام 1999 وقد أدهش المزج بين روح السيناريو وتقنيات السرد الروائي المخرج السينمائي العراقي قاسم حول والدكتور فائق الحكيم، المتخصص بالعمل التلفزيوني الدرامي في المغرب والبداية كانت في روايتي القصيرة “العروس” التي صدرت في بغداد العام 1986 مع عدد من القصص القصيرة، التي جعلت الفنان العراقي مقداد عبد الرضا يسعى إلى تقديمها كعمل سينمائي، في الثمانينيات ولكن ظروف “الحكم الشمولي” في العراق منع ذلك.
من وجهة نظري، إن الكلمة سلاح خطير، أخبئها في كل عمل روائي أو قصصي جديد لي، لكي أسهم في التغيير القادم في بلداننا، والتغيير قادم في بلداننا بإذن الله تعالى، من أجل حياة أكرم وأفضل للناس.
——————————-
* كاتب وصحافي عراقي