رشيد أمديون/المغرب:
قلت له: هل يمكننا أن نلومه، أم نلوم الظروف التي ساقته إلى معانقة المكان وانتظار المجهول…
ضحك من كلامي، واسترسل في الحديث:
ماذا تقول؟! كيف له أن يبقى جامدًا مثله مثل هذه الطاولات، وحتى الطاولات تعمل ها ها ها، هل تعتقد أن حمل الجريدة يجعلُ منه مثقفا، أو أن ذلك سيأتي له بالعمل بين يديه، “والله ما قفلتِ لافوَّرتِ”
قلت له: لا طبعا. كل ما في الأمر أنه كان مدمنا على القهوة، والمقهى يمر بها السياح الأجانب من مختلف الجنسيات. في اعتقادي كان ينتظرُ أن يعثر يوما على شقراء تطير به، لا يهم سنها، المهم أن تكون شقراء من حوريات ما وراء البحر. هن بالنسبة له “أوراق”. ألم يكن هذا حلمك أنت أيضا؟…
– بلى، ولكنني حلمت وكنت أعمل، أو أبحث عن عمل، وعلى الأقل لم أبقَ جامدًا…
– حسنًا… هو اختار المقهى فلماذا تلومه.
هكذا أجبته وانصرفت.
وما أخبرته -بما كان في نفسي- أنه لم يعد إلى المقهى منذ مدة.
فذات صيف، بينما هو يغازل قهوته المعتادة لفته الصدفة بسائح فرنسي، فتناولا الحديثَ بينهما، ثم غادر الفرنسي مودعا بعد أن دسَّ وجبة خفيفة في جوفه وارتشف قهوته.
ظل صاحبي وفيا لمكانه يمارس عاداته كل يوم: جلوس على الكرسي، قهوة وجريدة يسلُّ ثمنهما من والدته التي بدورها تسطو على جيب والده. ثم يمارس لعبة الانتظار ومشاهدة الداخل والخارج والواقف والجالس..، ويعلم أخبارهم.
دار العام دورة كاملة جارا معه الفصول ثم يطويها خلفه. فاستوى الصيف على سوق السنة. وعاد نفس السائح من جديد ليجده مازال نابتا في مكانه يبني وهما على تخوم ذبلت رؤيته إليها، مستغرقا في عمق الملل، وانتشلته صورة السائح فأسفرت له الحياة عن عجزه..
بعدها اختفى
وما ترك من أثر…