حاوره:علي حسين غالب:
تقديم:
ولد في مدينة كركوك سنة 1953 عشق الفن فأقام وشارك بأكثر من مائة وعشرين معرضا مشتركا منذ عام 1972 وحتى يومنا ومعارضه الشخصية هي ثمانية معارض شخصية أهمها ترجمة كتاب – الملاك الفاسد – مودلياني كما أنه شارك في معارض أوروبية عديدة وتخرج من كلية الآداب قسم المكتبات في الجامعة المستنصرية وهو الآن مدير المكتبة الوطنية في السليمانية منذ وقت طويل ولقد تمكنت من إجراء هذا الحوار معه
* أنت متخرج من كلية الآداب وعاشق للقراءة وللثقافة والأدب فلماذا انجذبت لفرشاة الرسم ولم تنجذب للقلم وللكتابة ..؟؟
— إذا، تعتبرني عاشق للقراء والأدب، ربما هذا فيە بعض الحقائق, لأنني اعشق الكتب منذ الستينات من القرن الماضي , وكنا نشترى الكتب من يومياتنا القليلة , وانجذبت إلى عالم الرواية الرائع , وأول كتاب قرأته في الصف السادس الابتدائي عن ثورة العبيد و سبارتاكوس , وكنا أطفالا نشتري مجلة بساط الريح وبعض المجلات المتوفرة آنذاك للأطفال.
وهكذا بدأت الرحلة مع الكتاب والقراءة, واكتشاف عالم دوستوفيسكى ولكني انجذبت أكثر إلى عالم الفن , عالم الخط واللون, انه خلق عالمنا الخاص من جديد , ومحاولة لتغير القيم الجمالية لدى
المجتمع, ربما الإنسان ينجذب إلى العالم الخاص به دون سواه وهذا أمر طبيعي . ولكن لحد الآن أحب الأدب وأتابعه وخاصة الرواية و الأساطير والحكايات الشعبية واستفيد منه في إنشاء لوحاتي, وربما لحكايات جداتنا وأمهاتنا والتخيل الصوري لعالم هذه الحكايات له تأثير كبير علينا, فمثلا حكاية البطل وطواحين الهواء, في الحكاية الشعبية الكردية , هي نفس قصة دون كي شوت للكاتب سرفانتس الاسبانية , وهذا له علاقة بأدب المقارن بين الشعوب , وقد رسمتها عدة مرات بتأثير من حكايات جدتي وأمي .
وهكذا اعتقد أني كنت انجذب إلى عالم الصور الغريبة في الحكايات أكثر من ميلي إلى الكلمات ذاتها , فللصورة تأثير اكبر على عالم الطفولة .
* نجد أن الفنانين التشكيليين في بغداد وبعض المحافظات الأخرى يعانون من مشاكل كثيرة أهمها قلة الدعم المادي والإعلامي لمشاريعهم الفنية فهل هذه المشهد المحزن موجود أيضا في كوردستان الحبيبة..؟؟
— مع الأسف الشديد هذا موجود وبأكثر كثافة ولا نجد أي اهتمام بالفن والفنانين , ولا يهتم احد بإقامة معارض في الدول الأخرى للتعريف بالفن الكردي والتبادل الثقافي والفني بين الشعوب وما أقيم لحد الآن هو محاولات فردية و شخصية وللمثال القول عندما فتحنا معرض جماعي على إحدى القاعات في مدينة تبليسي بجورجيا و بمبادرة مجموعة من الفنانين تعجب السفير العراقي من مبادرتنا الشخصية للتعريف بالفن الكردي لان هذا هو من صلب عمل وزارة التفافة أو الجمعيات والتنظيمات الفنية هذه هي المشكلة وكأننا في عصر الثورة والبندقية وننسى بان الثورة هي الآن ثورة ثقافة والفن والحوار .
* تناقلت وسائل الإعلام المختلفة قيامك بحرق أخر لوحاتك في السليمانية أمام عدد كبير من الحاضرين في افتتاح معرض صور فوتوغرافية فلماذا قمت بحرق أخر لوحة من لوحاتك الجميلة..؟؟
– بعد حرق المرسم وكل اللوحات ومكتبتي الشخصية في سنة 2008 قمت بطبع اللوحات واستنساخها و إقامة معرض خاص بهذه اللوحات… وقد قام صديقي العزيز الراحل (حسين ميسرى ) بإقامة مشهد مسرحي للافتتاح وهو حرق بقايا لوحة محروقة أصلا أمام القاعة للإعلان عن افتتاح المعرض وكانت تحت عنوان ( أخر همسات لوحاتي الملتهبة ).
* نمتلك نحن الكورد خزين ثقافي وتاريخي ضخم ومميز فلماذا لا نجد فنانين تشكيليين ولوحات تحتوي على البصمة والهوية الكوردية ..؟؟
– الفن لغة عالمية لتفاهم الشعوب , وأنها مسالة جمالیة ولكن خلق فن جيد في کل المجتمعات يتأثر بالبيئة والمجتمع , وثقافة المجتمع، و أنى أجد بان عندنا فن جيد ولكن المشكلة الأساسية هي كيفية التوصيل , وكيف نوصل هذا الفن إلى العالم , وهذا يحتاج إلى إقامة معارض عالمية وإقامة الندوات, وهذا من مسؤولية وزارة الثقافة .
* أنت تمتلك خزين كبير من اللوحات فما هي أكثر لوحة قريبة لك ..؟؟
– كل اللوحات مثل أبنائي , أحبهم جميعا و أحاول كتجربتي الخاصة أن أتوصل إلى الأجمل وأكثر تعبيرا . فقسم من هذه اللوحات تعبير عن تجربة لزمن معين مثل لوحة ( توازن بورجوازي صغير )و لوحة (سفينة نوح على أكتاف المرأة) ولوحة( رقصة الحرية ) , فكل اللوحات عزيزة عندي .
* لكل فنان ومبدع حلم يتمنى تحقيقه فما هو حلم آري بابان..؟؟
– ما أكثر الأحلام وما أندرها تحقيقا.. كم أتمنى أن يكون الفن جزء أساسي من ثقافة المجتمع وارى لوحات الفنانين الكرد في المستشفيات والمقاهي والأماكن العامة والمتاحف الكردية , والتي أصبحت جزء من أحلامنا المجهضة . ناهيك عن حلم بإقامة معرض شامل على قلعة كركوك , تشترك به فرقة موسيقية ومسرحية .
* ما هي المدرسة الفنية التي ينتمي لها آري بابان..؟؟
– اعتقد بان المدارس الفنية لم تبق كما في السابق , والآن أن الرؤية الفنية في العمل الفني هو الطاغي على أعمال الفنانين و أنا متأثر بالأدب والأساطير والحكايات الشعبية . واعتقد أني أميل أكثر إلى الواقعية السحرية في الفن , كما تأثر به كابريك كارسيا ماركيز , في رواياتە وإميل إلى عالم دوستوفيسكى الرائع .
هناك من يكتب عني باني فنان سريالي , ولكني أقول كما قال ماركيز ( هناك أماكن في ألامزون تمطر فيه السماء عندما نتكلم بصوت عال ) يا ترى ما علاقة الكلام بالمطر..؟, وهذا المشهد سريالي , ولكنه مشهد واقعي . إذا فالمشاهد التي نراها في مجتمعنا مشاهد سريالية لا يتصورها عقل الإنسان ولكنه في نفس الوقت مشاهد واقعية تحدث أمام أعيننا “”الأنفالات”” المختلفة مثلا دفن فيها آلاف الإحياء , وكمأساة حلبجه ،وسيوسينان ،و كوبته به ، ومأساة كرميان ، فهل يا ترى عندما ترجع عشتار لحبيبها تموزى ( كما في أسطورة العودة الأبدية السومرية ) هل يجدها بانتظارها أم يجدها مقتولا على إطلالات مدينة أو قلعة أثرية مهدمة..؟؟
هذه هي الواقعية السحرية التي اعمل بها , أنها تعتمد على الرؤيا الفنية أكثر مما تعتمد على المدارس الفنية.
* نجد أن هناك فنانين تشكيلين يظهرون على الساحة التشكيلية بعضهم يبقى ويصمد والبعض الأخر يتوقف ويختفي..؟؟
– ربما الذين يظهرون ثم يختفون هم ليسوا فنانين وإنما هم من هواة الفن , لان الفن عشق و من الصعب الاختفاء عن المعشوقة.
* نجد الفن الذي ينتمي للمدرسة الواقعية هو الطاغي على الأعمال التشكيلية فلماذا هناك إهمال لمختلف المدارس كالمدرسة السريالية على سبيل المثال..؟؟
– لا اعتقد أن المدرسة الواقعية بهذا المفهوم طاغي في الفن الكردي و إنما الواقعية الجيدة, وأكثرية الفنانين يمارسون تجاربهم الفنية و متأثرين بالفن العالمي و تياراته لكن هناك فرق كبير بين الفن الأكاديمي و الواقعية , وأكثرية الطلبة يمارسون الفن الأكاديمي وهذا شيء عادي إما بالنسبة للفنانين فإنهم يمارسون تجاربهم الخاصة , فهنالك من يمارس الفن التجريدي أو التجريدية التعبيرية أو التعبيرية و كذلك هناك من يمارس السريالية أو غيرها من الطرق والمدارس الفنية …….ولكن كما قلت أن المشكلة الأساسية في التوصيل و كيف نوصل هذا الفن .. أنها مسالة التبادل الثقافي بين الأمم والشعوب .
* أنت كفنان تشكيلي و مدير المكتبة العامة كيف توفق بين الاثنين ..؟؟
– إذا كنت تريد أن تعرف مجتمع ما . فأنظر إلى متاحفه لتعرف ماضي و تاريخ ذلك المجتمع , وانظر إلى مكتباته لتعرف مستقبل ذلك المجتمع والى أين يسير إذا الكتاب والمكتبات تطمح إلى خلق مجتمع مثقف و يتطلع إلى مستقبل أفضل من خلال المواد الثقافية التي تحتويه . وأنا اعتبر الكتاب مادة ثقافية مهمة و كذلك أتعامل مع اللوحة و الفن كمادة ثقافية كأي كتاب ينشر الثقافة , وهكذا مع قطعة موسيقية آو مسرحية , كلها مواد ثقافية لنشر المعرفة الجمالية والقيم في المجتمع ….. واني كفنان تشكيلي و كخبير في مجال المكتبات أحاول أن اجعل من المكتبة مكان للفن والثقافة لتكون نموذج صغير لعالم المعرفة و السلام والمحبة , وأداء جزء من واجبي في نشر الحب والسلام .
* ما رائيك بالتكنولوجيا الحديثة التي أبعدتنا عن الكتاب والقراءة والفن ..؟؟
– مع الآسف الشديد اليوم التكنولوجيا وعالم الفيسبوك والانترنيت يؤثر بشكل كبير على الكتاب والقراءة قبل ذلك كنا نسهر ليالينا على قراءة كتاب ما , والآن يسهرون على إحدى القنوات التلفزيونية الفضائية أو على الانترنيت والفيسبوك …وأنا لا ادعي بان لا نتابع تلك القنوات وإنما أقول بان تنظيم الوقت للقراءة و متابعة تلك القنوات والانترنيت شيء مهم ويجب أن نخصص وقتا لكل ذلك … و أقول كذلك بان للكتاب أهمية أكثر لنشر المعرفة و الثقافة . حتى القنوات الفضائية والانترنيت يعتمدون على الكتاب لنشر رؤوس الموضوعات , ولكن المعلومات الأساسية والمرجع الأساسي هو الكتاب . و يجب أن نحاول أن نرجع للكتاب بريقه و عشقه , و سيبقى الأهم لنشر المعرفة وخلق مجتمع ثقافي و حضاري .
* في لوحاتك الأشخاص رفيعة و عارية وتملا مساحة كبيرة في اللوحة , فيا ترى من أين تستمد هذه الشخصيات ولماذا بهذا الطول..؟؟
– أنها محاولة لأكون شاهدا على زماني و استمد الشخصيات من الواقع أولا , واعتمد على قراءاتي أحيانا كثيرة , وخاصة الأساطير والحكايات الشعبية وقد استفدت من الأساطير السومرية والبابلية وكذلك الروايات وخاصة عالم دوستو فسكي الغريب والرائع ولكن الأهم هو أني لا انقل الأسطورة كما هي وإنما أقوم بقراءة أخرى وتفسير مختلف للشخصيات الموجودة في الأسطورة و أعطيهم وجههم المعاصر في عالم اليوم وخلق شخصية جديدة و التلاعب بنسب وتشريح جسد الشخصيات ليكون الإنسان أهم كائن في لوحاتي , و كرمز لقداسة الإنسان كما هو في جميع الأديان و كذاك في الفلسفات … ففي الأديان خلق الله الإنسان على صورته أو في أحسن تقويم , وفي الفلسفة المادية الإنسان هو أثمن رأسمال . .وفي كلنا الحالتين الإنسان هو المقدس . وأنا أحول أن اعبر عن هذا الشموخ .
وأحاول أن تكون الشخصيات في عالم منسجم و طقس تعبر عن انفعالاتهم و حالتهم النفسية ,ولهذا البكراوند آو خلفية اللوحة والسماء تعبير عن الحالة النفسية للشخصيات الموجودة في اللوحة واعتقد أن لسماء كركوك بألوانه القزحية والغريبة والنار الأزلية في بابا كور كور له تأثير كبير على اختياري لهذه الخلفية والتعبير بها عن معانات الأشخاص والفيكرات وكما يقال ففي وقت الذي
صلب فيه المسيح كان السماء رمادية اللون و وقت العاصفة , إذا لا يمكن أن ارسم استشهاد أو معاناة شخصياتي في وقت غير هذا لأنهم أشبه بالسيد المسيح عند استشهاده وكذلك لوحة ( سفينة النوح ) والتي رسمتها على أكتاف المرأة وجعلتها هي المنقذ للبشرية من الخراب الرجل هو صانع الحروب في كل تاريخ البشرية , ولم نرى سوى تطوير لأدوات القتل من الرماح و السهام إلى القنبلة الذرية والكرسي الكهربائي كما يقول دوستوفسكي : الإنسان أشرس من أشرس الحيوانات الحيوان لا يملك غير أنيابه و مغالبه لقتل فريسته في حالة الجوع أما الإنسان ففي كل يوم يفكر بطريقة جديدة لقتل إنسان أخر , لمجرد مخالفته في التفكير ولهذا لا يمكن أن يكون هو المنقذ واعتقد لو كانت المرأة ( التي تفكر كامرأة لا التي تنفذ ايدولوجية الرجل ) تكون في مركز القرار كأم و زوجة و حبيبة أو أخت أو … فبحنانها يمكن تغيير العالم والقرارات وخلق عالم يسوده الحب والسلام .
* ألف شكر للأستاذ آري بابان على هذا الحوار الرائع ..