أكثر من أربعين عاما وهي تُجرجَر في سراديب سرية، أو قل مقابر سرية. وفي غضونها وفي عام 1979 امر صدام حسين باتلافها، هو الذي كان قبل ذلك بعشرين سنة قد فشل في "إتلاف" صاحبها برصاص مسدسه القاتل في رأس القرية. كان حقده عليها بحجم حقده عليه. وكان فوق ذلك يخشاها – يخاف رد فعل العراقيين البسطاء الفقراء اذا علموا بأمرها.. أولاء الذين ظلوا يطوون قلوبهم على ذكرى صاحبها - صاحبهم المغدور، ويخيل اليهم كلما رفعوا رؤوسهم الى السماء انهم انما يبصرون وجه (الزعيم) على صفحة القمر..
أكثر من أربعين عاما وهي تُجرجَر في سراديب سرية، أو قل مقابر سرية. وفي غضونها وفي عام 1979 امر صدام حسين باتلافها، هو الذي كان قبل ذلك بعشرين سنة قد فشل في “إتلاف” صاحبها برصاص مسدسه القاتل في رأس القرية. كان حقده عليها بحجم حقده عليه. وكان فوق ذلك يخشاها – يخاف رد فعل العراقيين البسطاء الفقراء اذا علموا بأمرها.. أولاء الذين ظلوا يطوون قلوبهم على ذكرى صاحبها – صاحبهم المغدور، ويخيل اليهم كلما رفعوا رؤوسهم الى السماء انهم انما يبصرون وجه (الزعيم) على صفحة القمر.. الا ان رأس النظام غيّر رأيه لسبب ما.. وبدلا من اتلافها مباشرة اوعز بـ “حبسها” في “زنزانة” منعزلة بمستودعات المتحف في العلاوي، لتواجه التلف التلقائي الذي لا مفر منه في النهاية. وهكذا كتب لها الحياة.. على غير ما كان يفعل في العادة. فأمكن قبل ايام، في مناسبة الذكرى الحادية والخمسين لثورة 14 تموز، افتتاح من منقاتنيات المتحفمعرض “مقتنيات الزعيم عبد الكريم قاسم” في احدى القاعات الفسيحة للمتحف العراقي ببغداد. المكان على سعته لم يستوعب كل المقتنيات، فوحدها هدايا الفقراء إلى الثورة والزعيم تحتاج إلى قاعات. وبين المعروضات التي حالفها الحظ وخرجت من ظلمة المستودع الى انوار المعرض، تتقاذف الانفعالات الزائر.. فتغرورق العيون بالدموع حتى تفيض. الفترينات تزدحم بالاشياء، وقليل جدا بينها ما هو شخصي حقا يخص الزعيم الذي عرف بالزهد ونظافة اليد: بدلتان عسكريتان وادوات حلاقة واقلام … وما شابه. اما الكثرة الكاثرة من المعروضات فسميت “مقتنيات” مجازا، ذلك ان الرجل لم يقم باقتنائها وانما انهالت عليه امتنانا وتقديرا. القطعة الاكبر والاكثر جذبا للانظار في المعرض هي التمثال البرونزي الفارع للزعيم – العمل الفني من مقتنيات المتحفالذي انجزه بعيد الثورة النحات المعروف الراحل خالد الرحال. وكان قد وُضع يومذاك في المقدادية، حيث امضى الزعيم سنوات خدمته في الجيش قبل الثورة، انصرف فيها الى التحضير للعملية العسكرية – الثورية المباغتة. محسن محمد علي، الموظف المعني منذ 1979 بأمر المقتنيات الحبيسة في إحدى غرف المتحف المنزوية، اغلق الغرفة في لحظة مواتية بـ “لحام” من الخارج، من دون ان يثير انتباه احد. وخلال مرافقته لنا بين المعروضات لم ينس العلبة الفضية التي نقشت عليها قصيدة بتسعة أبيات للشاعر معروف الرصافي، كان الجواهري الكبير قد اهداها إلى الزعيم عبد الكريم قاسم تقديرا لدوره في رعاية اتحاد الأدباء.