(ثقافة الجسد.. قراءة في السَّردِ النّسوي العربي) كتاب للناقد العراقي (عبد الغفار العطوي)* وهو دراسات نقدية في سبعة كتب ، تنوعت بين روايات وقصص قصيرة لروائيات وقاصات عربيات معاصرات حاولن أن يضعن بصماتهن على المشهد الأدبي والثقافي النّسوي المُعاصر، منطلقات من أوضاعهن وحياتهن المحلية. وقد احتوى الكتاب على مقدمة وتمهيد و(6) فصول. اهتمّ الفصل الأوّل منها بـ(فضاء الجسد بين المذكر والمؤنث) ، و الثاني بعنوان (ضجيج الجسد وملامح المرأة) ،أما الفصل الثالث فهو (غريبة فوق أهداب دمشق عذابات المرأة) ،وعُنوِنَ الفصل الرابع (حلم الليلة الأولى ولغة الجسد عند المرأة العربية) ، الفصل الخامس (مسك الغزال ولغة الجسد عند المرأة)، أما الفصل السادس فكان (حياة المرأة في ذاكرة الجسد)، وختم العطوي كتابه بما( يمكن أن تخلفه المرأة من ثقافة نساء المتعة)، وثمة ثبت بالمصادر والمراجع. والكتاب قراءات مختارة تتعلق بالمرأة وهمومها الخاصّة التي تقف حائلاً في عيشها بسلام دون تمييز جنسي وثقافي وبايلوجي يؤشر وضع المرأة العربية المعاصرة كما هي في الواقع العربي الذي تعيشه ، وقد درس العطوي رواية (ثريا نافع) المعنونة (فضاء الجسد/ بيروت. وقصص القاصة (هيفاء بيطار) في مجموعتها القصصية (ضجيج الجسد) دمشق. وكذلك قصص القاصة وفاء عزيز أوغلي/دمشق. ورواية الروائية ليلى العثمان المعنونة(حلم الليلة الأولى) و رواية (مسك الغزال) لحنان الشيخ ورواية الجزائرية أحلام مستغانمي المعنونة (ذاكرة الجسد).وختم العطوي كتابه بدراسة عن رواية (نساء المتعة) للكاتبة البحرينية منيرة سوار. في المقدمة يؤكد العطوي على ضرورة مراعاة الدقة التي تطرحها الكاتبات في كتابه، لأن الصورة التي قدمها للمرأة كانت بمساعدتهن لكنها لم تكتمل لصعوبة الوصول إلى تمام الإيفاء بالغايات والأهداف التي أرادت أولئك الكاتبات توصيلها ، وبتواضع تامٍ ، يقر بعجز كتابه عن ذلك ، لكنه يؤكد الاكتفاء بشرف المحاولة ، فكتابات الكاتبات التي وردت في متن كتابه قد انصرفت في كليتها إلى عالم السّرد الذي قدمت عبره الكاتبات قضاياهن بحسب ما ورد في متون كتبهن من صور سردية، ولعلها أفضل طريقة يمكن أن تؤدي بالمرأة للدفاع عن وجودها وفعاليتها البشرية والإنسانية والثقافية في اللحظة ذاتها. من المهم أن نؤكد أن المتون السردية عامة وفي الراوية الجديدة خاصة تجذب مختلف الاهتمامات لموقعها السحري- الفني وقدراتها المترابطة بإمكانيات كتابها الخاصة وقدراتهم على استجلاء الظواهر الشخصية وكذلك التاريخية واليومية الاجتماعية.فالرواية جنس سردي بات منفتحاً على الحياة وتغيراتها وديناميكيتها ، ولها القدرة على الاستعانة بكثير من المكونات الفنية والأدبية والثقافية التي تقع في منطقة موازية لها، ودمجها في متنها ، وهذا ما جعلها حالياً في كل الآداب القومية- العالمية وبمختلف اللغات جالبة للاهتمام وكما تقول الكاتبة الأمريكية والناشطة المدنية والمصورة الفونغرافية، المنحدرة من أصول أفريقية، الراحلة سوزان سونتاج، الرواية : “تكافح الجفاف العاطفي الذي يشعر به البشر”، مهما كان زمن ومكان ذلك الجفاف. في التمهيد الذي قدمه العطوي في كتابه الذي استند فيه على مراجع كثيرة حديثة وفاعلة في النظر للكتابة النسوية وما يستتبعه من مفهوم “الكتابة النسوية” التي أنتجت بالضرورة “النقد النسوي” لما تتناوله المرأة في كتاباتها فلقد اتَّهمَتْ “فرجينيا وولف” و”سيمون دي بوفوار” وغيرهن الغربَ، بأنَّه مجتمعٌ أبوي يَحرِم المرأة من طموحاتها وحقوقها، وأنَّ تعريف المرأة مُرتَبِطٌ بالرجل، فهو “ذاتٌ” مُهيمِنة، وهي “آخَـر” هامشي وسلبي، وتشترك معهن في هذا الأمر في العالم العربي د.نوال السعداوي وبعض الكاتبات العربيات اللواتي ساهمن في هذا الأمر منذ بعد منتصف الستينات ومنهن ليلى بعلبكي وغادة السمان..الخ، ثم برز في العالم ما يسمى بالـ(كتابة النسَوية) و(النقد النسَوي).وكان” الصراع الاجتماعي قد تركز على الجسد عبر محاولة السيطرة عليه رمزياً أو مادياً بهدف إخضاعه، و قد تحول إلى ساحة صراع بين المرأة والرجل على امتلاكه، الأمر الذي جعله يحمل شفراته الخاصة وفقا لإستراتيجية الأهداف التي ينطلق منها كل من الرجل والمرأة في علاقته مع الجسد ورؤيته إليه”- مفيد نجم. وقد حذر من هذا الموضوع مبكراً، المفكر (ادوارد سعيد)، الذي أكد أن هذا الشأن: “غامض وغير محدد”، وأيًّا كان المقصود بالأدب النسوي،” فإنَّ النقد الذي يهتمُّ به يُركِّز على الاختِلاف الجنسي في إنتاج الأعمال الأدبيَّة شكلاً ومحتوى، تحليلاً وتقويمًا، ولا يتبع نظريةً واحدة أو إجراءات مُحدَّدة، فهو يستَفِيد من النظريَّة النفسيَّة والماركسيَّة، ونظريَّات ما بعد البنيويَّة عمومًا؛ لذا فهو مُتعدِّد الاتِّجاهات” – حلمي محمود القاعود. بالنسبة للمفهوم الديني عامة ، وعبر نظرة الفقه المصنوع عن طريق الفهم البشري للنصوص الدينية أو الجهات التي تعمل على تأويل تلك النصوص، وفقاً لمصالحها الدنيوية، وقد استأثرت باهتمام الفقهاء وعلماء الكلام والفلاسفة والمتصوفة كذلك ، وقد قدم كل منهم تصوراته حول هذا الموضوع وكانت الغلبة فيها لصالح الرجل عموماً ،فعبر تاريخ الأديان ثمة تأكيد عام انه لا يمكن اكتمال صيغة ومكونات وفهم الجسد الأنثوي وتمثيله واقعياً و ثقافياً إلا من خلال قرن الجسد الأنثوي وقراءته بعيون الذكورة ومهيمناتها. عمد الناقد العطوي في كتابه إلى توضيح النظر السائد في العلاقات السيسيو- ثقافية في عالم المرأة من خلال مهيمنتها الدينية، ونظرتها إلى المرأة بوصفها وجوداً يثير إشكالية الرمز والجمال والثقافة ويحاول أن يواجه سلطة الفحولة بندية وسنصل إلى بعض ما قدمه العطوي من رؤى في ما قرأ من متون وفي مقدمتها الفصل الذي تناول فيه رواية ثريا نافع( فضاء الجسد). فالرُّاوية تعنى بالواقع العربي الحاضن لظاهرة التمييز والمصاحب للعنف فجميع نساء ثريا نافع في روايتها مهمشات ومقهورات ومنبوذات ومقموعات.وقد قرأ العطوي الرواية من خلال مهيمنات اكتشفتها الروائية في خلقها منحى ثقافوياً ودفاعها عن عالم المرأة الذي تقضمه الثقافة الأصولية المتسلطة على مقدرات رؤية المرأة العربية في القرن الواحد والعشرين . فالمرأة التي قدمتها القاصة تحمل الغربة الكونية بصفتها امرأة نهج معرفي وليس شخصية تاريخية. وهي تتسم بالإقصاء السايكلوجي الذي يحولها أيدلوجياً خارج مكونات شخصيتها وهويتها الأنثوية. ويرى العطوي أن القاصة في جميع متون قصصها قد سعت إلى أن تجعل النسوة ( شهرزادات مستلبات) يمارسن حياتهن في عالم أبوي لا يرحم(ص 50 ). ومن الضروري أن نوضح ومن خلال المرويات في أن ( شهرزاد) لم تكن مستلبة إطلاقاً فهي التي قررت ونفذت ثم انتصرت، عبر الروي الليلي، على السفاح والسياف، وبذا أمنت لنوعها( الأنثوي) ديمومة الاستمرار لحياة نوعها ( النسوي- الإنساني)، وبذا فإنها انتصرت، لا كما عدها الناقد العطوي نموذجا للاستلاب النسوي. وفي قراءة مجموعة القاصة “وفاء عزيز أوغلي” “غريبة فوق أهداب دمشق” والتي احتوت على(9) قصص محملة بمكابدات المرأة جسدياً من خلال علاقتها بالرجل،لا حظ العطوي انه من خلال تلك القصص فأن المرأة تقف منعزلة وتنطوي على غربة مع زوجها وأولادها ، وكان حتى المكان مساهماً في ذلك. وفي الفصل الرابع يقرأ (حلم الليلة الأولى) للروائية الكويتية ليلى العثمان، التي جالت في تضاعيف شريحة معينة اجتماعياً وهذه الشريحة تعتمد قيماً اجتماعية ومثلاً أخلاقية قارة لكنها- الروائية- لم تسعَ للتوغل في تلك العوالم مكتفية بما أطلق عليه بـ” الكلام الناطق والصامت”. كما يتابع العطوي رواية ” حنان الشيخ- مسك الغزال” بوصفها وثيقة اغتراب عند المرأة العربية. وفي الفصل السادس يكتب عن رواية” ذاكرة الجسد” للروائية الجزائرية”أحلام مستغانمي” مؤكدا أن مستغانمي معنية بتأكيد” هزيمة المرأة العربية في كل مجالات الحياة”. وفي الفصل السادس يدرس رواية” نساء المتعة” للروائية منيرة سوار نموذجاً و نلاحظ أن متن الرواية يهتم فيها بأربع نساء، محاطات ضمن محيط ذكوري برؤى وأفكار حولتهن إلى مجرد كيان هامشي ، يستقبل رغبات الرجال وشبقهم بلا حدود. كتاب الناقد عبد الغفار العطوي الذي يعود فيه إلى (33 ) مصدراً قد احتل فيه الجسد الأنثوي سردياً في الحركة الأدبية النسوية العربية مكان الصدارة، وما سعى إلى تحقيقه هو البحث والنظر في سلم القيم الاجتماعية والثقافية العربية السائدة، والتي تحولت من خلالها المرأة كائناً ضعيفاً ودونياً إزاء الرجل وفحولته مهما كان مستواه الفكري والأخلاقي والمادي. ثيمة الاختلافات الجسدية التشريحية بين الذكر والأنثى لا تنصب في أطر التمايز ، بل أنها اختلافات في مهمة الواجبات الطبيعية لكل من جسد الأنثى والذكر ، وان نظرية الخلق الميتافيزيقية تؤكد أن المرأة كائن ناقص ، رغم اكتماله الجسدي، ومنها انبتت النظرة القاصرة تجاه الأنثى والتي تجسدت في أن لآدم امتياز السبق في الخلق ، وتبعية حواء الجسدية التي قادتها إلى التبعية المعنوية ، وان حواء لم تخلق لذاتها ، وغواية الحية- لحواء ، وعري آدم لم يكن معيباً لولا حواء، وحكم عليها بعقوبة التعب والوجع في الولادة لذا تعتمد النظرة الدينية بكل توجهاتها إدانة الأنثى والتوجس منها، ويلعب الخيال والعرف الاجتماعي المتواتر دور الموجه لاحتقارها ، و التشكيك حتى في طهارتها الجسدية والمعنوية. والناقد يستشهد ببعض المصادر التي تقوم بتأكيد استنتاجاته فقط، دون النظر إلى الكلية العامة لتلك المصادر التي قد تختلف في متونها الكاملة مع استنتاجاته. كتاب الناقد العطوي على أهميته وموضوعه، قد خلا تماماً من أي دراسة أو إشارة ما، لما قدمته الروائيات والقاصات العراقيات عن هذا الجانب ، وهو ما يثير الكثير من الدهشة والاستغراب،مع ثقتنا بحسن نواياه ، وجهده في كتابه الذي يهديه أولاً إلى صديقه القاص والروائي البصري ( ياسين شامل) عرفاناً، وكذلك إلى الكاتبات والروائيات اللواتي درس ما كتبن في كتابه.
*مؤسسة السياب/لندن-2013.الغلاف:للفنان عبد الكريم الدوسري.
مقالات ذات الصلة
17/12/2024