“لا أعبد الأساطير ولا التراث ، انا افكّكهما لأصل إلى الجوانب الخفيّة منهما”:
في حروفه تمترست الدّهشة بأعذاق السؤال ، على ورق يحبّره و بين السّطر و السّطر تطالعك نخلة عراقية تطرح للزّائر تمرها..في بلد معطّر بأكسير الجرح و رائحة كمأ الأمنيات النّابت على ضفّتي دجلة و صدر الفرات. تتدثّر و أنت الزّائر لمملكة كلماته بقوس قزح و معطف نسجته الشّمس لمجابهة الأيّام الحوالك..
ستقرأ له.. و تقرأ.. و لن تكتفي بالقليل مع قهوة الصباح أو شاي المساء.. ستلتهم ما كتب كما تلتهم تمر العراق اللّذيذ..
مخظوظ أنت أيّها الزّائر الكريم لمملكة كلماته التي بنيت على عرصات من طمأنينة و سؤال و جمعت من شجر الإبداع الأصيل و الجميل و المتنوّع و الفريد.
هو الرّوائي الإشكالي : القاصّ المتعدّد الطّرائق الأسلوبية بحديثها و قديمها و الباحث الإسلامي المجدّد و المنقّب في ذاكرة شعبه و أساطير بلده العريق عراق الأعراق كما أسميه دائما.
قذفت به الهندسة الكهربائية فأناخ ببعيره المحمّل بعلوم عصره في جنان العلوم الإنسانية.
هو عضو الإتّحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين و عضو مؤسس لفرع الإتحاد في محافظة ذي قار- وعضو هيئة إدارية وهو عضو جمعية الشعراء الشعبين فرع ذي قار و عضو هيئة إدارية فيها لدورة واحدة .
شارك في أغلب دورات مهرجان المربد الشعري و شارك في ندوات أدبية داخل المحافظة وخارجها ( في الحلة والبصرة والموصل وبغداد) .
نشر دراساته في المجلاّت الأدبية العراقية والعربية ( الاقلام ، الموقف الثقافي ، افاق عربية ، الترث الشعبي ، ومجلة افكار الاردنية ، والهدف البيروتية وغيرها ) وفي أكثر المواقع الإلكترونية ذات الإختصاص.
حائز على الجائزة التقديرية عن قصة ( الموت حياة ) في المسابقة الابداعية لعام 1992 وعلى الجائزة الاولى عن قصة ( النهر يجري دائما ً) في المسابقة الابداعية لعام 2000
و على الجائزة الثالثة عن رواية ( طريق الشمس ) في مسابقة الرواية لعام 2001.
له سبع إصدارات بين رواية و قصّة و نقد و بحوث في الفقه الإسلامي
و ما يقارب الأربعين إصدارا ينتظر النشر.
سعدنا جدّا بمحاورة أحد الأدباء المتميّزين في العراق و أحد الباحثين في الفقه الإسلامي المتنورين الأستاذ داود سلمان الشويلي و هذا عطره أرشه عليكم:
تحية تليق بابن بلد النهرين الشهيرين
1–لك ذكريات مع الكتّاب و الكتب أيّ أديب لاحظت أنّه نفخ فيك من روحه في بداياتك و أيّ كتاب تربّع على عرش الذاكرة.؟.
ج/ للكتاب معي ذكريات كثيرة ، إلاّ أنّ الكتاب الذي أثّر فيّ كثيرا هو ” القرآن ” ليس ككتاب مقدّس ، أو ما فيه من تشريعات ، أو حلال و حرام ، ولكن لأنّه يحمل لغة أدبية ثرية وغنية أفادتني كثيرا عند الكتابة ،وما فيه من خيال خاصّة في القصص والأخبار ، وكذلك الكتاب المنهجي التدريسي ( قراءتي – القراءة الخلدونية ) للصفّ الأوّل الإبتدائي الذي منحني الكثير، فقد علّمني، و وضعني على طريق الرّسم والخطّ ،الفنين اللّذين أجدت فيهما فيما بعد .
والكتّاب الذين لهم التأثير الكبير في مسيرتي الإبداعية ، هم جميع من قرأت لهم ، إذ كلهم أفادوني في مسيرة حياتي الكتابية ، وأضافوا لي جديدا ، حتى الكتّاب التجاريين، أو الفاشلين حسب تقيمات الكتّاب الآخرين ، قد أضافوا لي الكثير في معرفة كيف أتجاوز أخطائي.
2- و أنت المفكّر الإسلامي ألا تلاحظ بأنّ باب التجديد قد أغلق عند ويل للمصلّين
و أضرّ بالفكر التنويري الإسلامي؟
ج/ ليس هذا فحسب … لقد اغلق باب التساؤل كذلك عندما جاءت الايات (( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ* أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ*(…) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ)) والسؤال هو اول المعرفة ، فغلق باب التجديد – فعل وقول – عند المسلمين حتى راحوا يرددون بعد 1400 عام ما قيل من دين ومن فكر إسلامي وقتذاك .
علينا أن نفتح الأبواب، ونشرعها واسعا ، لكي نضع مجتمعاتنا الإسلامية على الطّريق الصّحيح في زمن التقدّم العلمي ، وغزو الفضاء ، وغزو جسم الكائن الحي ومعرفة كلّ أسراره، وثورة الانترنيت وأجهزة المواصلات .
انا لا أعبد الأساطير ولا التراث ، انا افكّكهما لأصل إلى الجوانب الخفيّة منهما ، لأقول كلمتي عند ذاك .
المجتمعات الإسلامية تعيش الأساطير ، كلّ مجتمع يعيش أساطيره التي بناها وكوّنها عبر مرور الزّمن ، علينا أن نفكّكها ، واعادت صياغتها من جديد، لكي نحذّر تلك المجتمعات منها .
وهكذا كان عملي في دراستي عن أسطورة يوسف التوراتية / القرآنية، أو دراستي عن أسطورة ” ذو القرنين ” وأسطورة “ياجوج وماجوج “.
3– ألا ترى بأنّ المدارس الإبداعية الجديدة قد خدمت الإثنين أكثر من أيّ حقبة تاريخية أخرى؟
ج / إذا كنت تقصدين الأسطورة والتّراث نعم قد خدمتهما كثيرا ،وفي الوقت نفسه قد فكّكتهما ، وأعادت صياغتهما مرّة أخرى ، وقدّمتهما إلى القرّاء.
4– النّاقد و الباحث و الأديب داود سلمان الشويلي يكتب النّقد الأدبي و البحث الإسلامي و القصّة و الرّواية فهل تميل للكتابة الإبداعية أكثر من البحث و إن خيرت بين القصّة و الرّواية أيهما تختار؟.
ج/ الذائقة النقدية والفكرية هي البوصلة التي تهديني إلى قول شيء ما وفي أيّ مجال كان من تلك المجالات،فحتّى النّقد والبحث الإسلامي فيهما إبداع ، وإذا كنت قد أبدعت في مجال القصّة أو الرّواية فإنّني أجد كتاباتي الأخرى ليست بعيدة عن الإبداع ، إنّها من صميم الإبداع ، وفيها الكثير منه.
طبعت لي ثلاث كتب في مجالات الدّراسة والنّقد ، وما زلت أحتفظ بعدد كبير من الكتب التي كتبتها نقدا أو دراسة مخطوطة ومنشورة في المواقع الإلكترونية المعتبرة، ولي مثلها في الفكر الإسلامي ، بحثا ودراسة ، ولا فرق عندي بين الإثنين ، الكلّ فيه إبداع ، والإبداع يأتي من ذائقة الكاتب الإبداعية، وليس من الموضوع ، أو التخصصّ ، طالما أنّك تحب الإثنين.
5– كتبت رواية ” الحبّ في زمن النت” فهل تؤمن بالحبّ على المواقع الافتراضية و هل تنجح علاقة كهذه حسب رأيك؟
ج/ رواية (الحبّ في زمن النت) أعدّها إحدى الرّوايات التي تناولت هذا العالم الافتراضي المخيف والمحبّب، كانت نصف أحداثها مستقات من تجربة شخصيّة .
نعم أنا من المؤمنين بأنّ النت لو أحسن استخدامه سيكون مثمرا في هذا الجانب ، والعلاقة التي تنتج من هذا العالم الافتراضي حالها حال العلاقات الأخرى التي تنتج في العالم الواقعي ، فهي إمّا أن تكون ناجحة ، أو أن تكون فاشلة.
6– ماذا أضافت النت للأديب و للأدب و هل من سلبيات لها؟
ج/ لكلّ شيء سلبيات وإيجابيات ، ومن سلبيات هذا العالم الافتراضي هو عدم استخدامه بصورة جيّدة دون أن يقول إنّ هذا شيء وفر النت للاديب والادب الحصول على الكتاب او الدراسة بصورة سهلة ويسيرة ، وسهل لهم الانتشار السريع ، ووصول المادة المكتوبة الى جمهور غفير من المتابعين ،وسهل لهم الكتابة ، والطبع ، وكل هذه العمليات تحتاج الى زمن طويل .
النت سلاح بحدّين ، ومن أحسن استخدامه سيرتاح كثيرا ، والأدباء والكتّاب الذين يحترمون أنفسهم قد استفادوا كثيرا منه لأنّهم أحسنوا استخدامه.
7– عندما يذكر العراق بحضورك بماذا تحسّ و ماذا تتمنّى؟
ج/ العراق ليس شيء يمكن حمله والتنقّل به، العراق هو الكيان الذي أعيش فيه ، هو لحمي ودمي وعظامي وكلّ شيء في كياني … هو الوجود الذي نعيش من أجله ، هو كلّ شيء … وأتمنّى له الأمن والاستقرار .
8– ما رأيك بالقتال السنّي الشيعي في العراق؟ .
ج/ الإثنان مسلمان ،وينهلون من فكر واحد، وعلى القارىء اللّبيب أن يعرف هذا الفكر الذي ينهل منه السنّة والشيعة وهم يقتتلون .
9– لماذا لا نجد دورا لأدباء و مفكري و مثقفي العراق في إرجاع اللّحمة بين الأخوة و أبناء العمومة المتقاتلين في العراق؟
ج / السياسة هي الطاغية ، لا مجال للأدباء والمفكّرين في جمهورية العراق الآن ، فقد أخرجتهم السياسة منها، حبست صوتهم ، وهذه الديمقراطية التي أريد بها أن تسود في العراق ، هي ديمقراطية عرجاء ، إنّها قل ما تريد قوله وغادر.
10– ما رأيك بما تخطّطه الإمبريالية العالميّة لتقسيم العراق؟
ج/ وهل سكتت الإمبريالية في وقت ما عن أيّ شعب مغلوب على أمره حتتّى أعطي رأيا بما تخطّطه ضدّ العراق … إنّ أيّ استقلال لنا نحن الشعوب المغلوب على أمرها هو المزيد من مخطّطات الهيمنة والتقسيم ، هذا هو قدرنا الذي وضعنا فيه سياسينا منذ 1400 سنة مضت ، إلاّ بعض الضوء القليل الذي اغتالته أيدي بعضنا في هذه الألف وأربعمائة عام ، وكانت الهيمنة في المائة عام الماضية بالسّلاح ، وهو الصّوت العالي في كلّ هذا أمام مجتمعات تناقش لحدّ هذه الساعة كيف نستنجي من البول والغائظ ، وكيف تستطيع أن تتزوج أربعة نساء دون أن نخرج من الدين ، وكيف أنّ بول البعير فيه صحّة وعافية ، وأخيرا أعلن جهاد النّكاح ، فألهينا أنفسنا به.
هذا قدرنا طالما الذين يتربّعون على الكراسي في العالم العربي من هؤلاء الذين يفكّرون ذاك التفكير.
11- عندما تقف أمام نهري دجلة و الفرات بماذا تشعر.؟
ج/ تدخّلت فيهما السياسة فغادر ما فيهما من خير وجمال ، أحد سياسيّ اليوم قال لسياسيّ آخر من محافظة أخرى إنّهم سيسدّون الفرات إن فعلوا كذا أو كذا ، وتركيا أخذت جمال وخير هذين النهرين ببناء سدودها حتّى قيل إنّها تقايض الماء بالنفط.
فماذا تريدين من الأديب أو المفكّر أو المثقّف بعد هذا الخراب الذي حلّ بهما .
ياليت الجواهري ينهض من موته ، هل يكتب مرة أخرى ( يادجلة الخير)، أم أنّه سيعيد كتابة قصيدته ( يا ابن الفراتين )؟
أشعر بالأسى لهذين النهرين ، ولكنّي سأتفاءل بالخير ، وما يجلبه المستقبل لنا ،وأردّد قصيدة الجواهري ( يا دجلة الخير ) ، وهل هناك من شيء غير أن نتفاءل؟
12– و أنت الذي حصلت على عديد الجوائز هل تراها ضرورية كدفع مادي
و معنوي للأديب؟
ج/ أنا اعدّها حافزا للأديب في أن يستمرّ في الكتابة ، ووقفة مراجعة لكلّ انجازاته الأدبية ، ولكي يعرف أنّه موجود أمام الصورة من خلال كتاباته، إضافة لما فيها من مردود مادّي يحتاجه في حياته الإبداعية.
الجائزة هي مثل الطّوق الذي يطوّق الرّقبة ، إمّه طوق عبودية ، لا تستطيع الفكاك منه الاّ بتجاوز ما قدّمته من انجازات نحو الأفضل والأحسن والأجود .
فزت في الجائزة التقديرية عن قصّة ( الموت حياة ) في المسابقة الإبداعية لعام 1992،وفزت بالجائزة الأولى عن قصّة ( النهر يجري دائما ً) في المسابقة الإبداعية لعام 2000 .
هكذا تجدينني أطوّر دائما أداتي القصصية والرّوائية والبحثية.
13– داود الشويلي له عديد المخطوطات التي تنتظر النور ورقيا..هل نقول إنّك اكتفيت بالنّشر الإلكتروني أم إنّه ما باليد حيلة؟.
ج/ لم تكتمل الكتابة الإبداعية أو غير الإبداعية الاّ بتقيّدها ، و التقييد هو طبعها في كتاب ونشرها بين النّاس ، ولكنّني أقول ما بيدي من حيلة لظروفي المادية، والنت ربّما يقوم مقام الطّبع ، حيث أنّه يقدّم انجازك الأدبي لآلاف القرّاء ليطلعوا عليه ، وأجد ذلك برسائل القرّاء التي تصلني أو بردودهم أو إعجابهم.
14 –في الختام كيف ترى مستقبل الأدب العربي و الرّواية أساسا؟
ج/ الرّواية في انتشار مستمرّ، وواسع ،فقرننا الذي نعيش فيه هو قرن الرّواية وقصيدة النّثر والأقصوصة ، وتجدين في إجابتي مفارقة كبيرة ، إذ كيف يكون قرننا هو قرن الرّواية والأقصوصة ، كيف يستقيم ذلك؟
الرّواية هي فنّ الحدث الطويل ، والأقصوصة هي فنّ الحدث القصير جدا، ونحن نحتاج إلى الإثنين … الرّواية التي تقدّم لنا حياتنا بشموليتها الواسعة ، والأقصوصة التي تنقل لنا جزء منها ، وعلينا الاختيار ، أمّا المدارس الأدبية في كلا الجنسين فهي تنويع ، وصورة بعدّة وضعيات .
شكرا على كرم الإجابة و لك و لأبناء العراق السامقين كنخيله أجمل تحيّة.
.