هذا شعر عالمي ..
( جئنا نغسل انفسنا بالنسيان
فاصيب النسيان بداء الذكرى ..؟!! )
هذا ( كتاب ) ارضي .. شئ كبير
( بعيدا عن دجى وطني .. انا والشمس نرتجف
فهل موتي اودسيوس .. وايثاكا هي النجف ..؟ ) قصيدة رثاء الجواهري
كتابي الجديد كان ( شهادة للتاريخ ) تركت العنوان ثنائيا ليتوازن مع نفسه .. وكأنّ القدر قد اجّل او ارجأه ليكون احد فصوله شهادة في جواد الحطاب ..
انا لست من رجال النقد .. وان كنت قد بدأته في عام 1959 .. مع النقد الصحفي عندما استعرضت في جريدة ( الحرية ) فصولا بعنوان
( شاعر وثورة ) تناولت الشعراء الذين كتبوا في ثورة 14 تموز عام 1958 ؛ كقصيدة الجواهري الباهتة التي لا لون لها ولا طعم والباردة والتي وصفتها ب ( الوشل ).
الحمد لله .. ان الجواهري خرج من العراق الى جكسلوفاكيا ليعود شاعر بني العباس من جديد ؛ وعبد الوهاب البياتي الذي كتب قصيدته
( الشمس في مدينتي تشرق .. والاجراس تقرع للابطال .. فاستيقظي حبيبتي .. فاننا احرار .. كالنار كالعصفور كالنهار ..)
ولأنّ النقد لم يكن لوجه النقد وانما لوجه السياسة لذلك لم يكن بريئا .. فأمسكت بتلابيب الرجل ( البياتي ) وقلت : الشمس تشرق – كلمة مألوفة ؛ صورة عادية لا وهج فيها ؛ والاجراس تقرع للابطال : فلم سينمائي كان يعرض في احدى سينمات بغداد انذاك ؛ واننا احرار كالنار كالعصفور كالنهار : النار هي النار ( الشيوعية ) التي ستأكل الجميع ان بقيت حرّة ..
تلك البداية انقطعت كي اتحوّل الى الفكر السياسي ؛ والنقد الفكري لمناهج الخصم ؛ نعم .. بقي النقد عندي احساس فطري .. حتى ان الشاعر فوزي كريم ذكر من على قناة الحرّة مرة في شهادة له ؛ ان بعض الرؤى النقدية قدمها كتاب عراقيون وعرب وهم من خارج دائرة النقاد .. علي الوردي – مثلا – في نقد الشعر العربي .. علي جواد في المفصل في تاريخ العرب .. وعبد الله القصيمي في كتابه عن المتنبي .. واضاف : وحسن العلوي في نقده وفي كتاباته عن الجواهري .
اذن لي حصة نقدية يمكن لي ان اطلّ منها وانا احمل ( اكليل – الحطاب ) ..
لماذا يصبح البيانو جثة ..؟
حين يختزل العالم في كلمة .. حين يختزل المشهد العراقي في كلمة .. هل بامكانك – الان – من بين صراخ الاحزاب واصوات الانفجارات في العراق ان تستمع ل : بيانو ..؟
البيانو .. هو اكثر .. ادقّ جهاز يسمع فرديا ويحتاج الى صمت مطبق ؛ ولهذا في السمفونيات .. عندما يهدأ الانفعال ويرغب بيتهوفن بان يلتقط انفاسه يلجأ الى البيانو .. فايّ بيانو في العراق ..؟
ماهذا الديالكتيك .. ماهذا الجدل الذي جاء به الحطاب ؛ حين اعتبر البيانو : جثة ..؟!!
صورة البيانو ( جثة ) تعني ان المضاد .. الجدل الاخر له – كفرد – ينهي الصخب ؛ وبما ان الصخب لم ينته .. اذن ان من ينتهي هو البيانو .. ومعنى انتهاءه هو انتهاء الصمت وانتهاء السكون ؛ وابتداء ضجيج المدافع والوان الدماء الصارخة .
( الحطّاب ) وفي هذه الظروف .. حمل اكليل موسيقى ووضعه على هذه الجثة .. والجثة هنا هي صوت العراق .. لكن علاقة الحطاب بهذا الصوت لم تجعله يترك الجثة ويمشي .. كما تترك جثث الناس المجهولين في البلاد هذه الايام ..
وضع ( اكليلا ) من الموسيقى ..
هل سيستمع العراقيون الى بياتريس اوهانسيان مرة اخرى وهي تقدم في صباح كل يوم .. ابان العهد الملكي ؛ دقائق من العزف على البيانو ..في ذلك الزمن الموغل الذي لم تكن الناس تعرف فيه ما الموسيقى ..؟
الديوان .. دعوة من جواد الحطاب الى بياتريس لتعود الى الحياة ثانية ؛ وعندما تعود – بياتريس – سيعود الكثير من حياة العراقيين التي غابت عنهم خلال السنوات الاخيرة .
من المعروف ان ال( حداثة ) شيء مكروه لدى الاصوليين والسلفيين والمحافظين والرجعيين .. واعترف بانني رجعي .. محافظ .. وطالما رفضت ان اقرأ لغير الجواهري .. منظومتي النقدية منظومة عباسية تعتمد على النص .. وان كانت اول استساغة لي – للشعر الحديث – متاخرة جدا مع ( فوزي كريم ) تلميذي .. وان كان هو لا يعترف بتلك التلمذة .. وهذه من عيوب ( شعراء الحداثة ) وقد نشرت له اول قصيدة
في جريدة ( المواطن ) .
اتساءل : كيف يمكن لواحد مثلي ؛ محافظ .. لا يخرج عن منظومة مثل منظومة الجواهري .. المنظومة العباسية .. ان يستسيغ عنوان
( اكليل موسيقى .. على جثة بيانو ) ..؟!!
لكنه ما ان وصل اليّ .. وفتحت صفحاته واذا بي اصل الى شاعر يكسر الحدود التي وضعت بين الحداثة والقديم .. فهو حين يكتب في الحداثة يكتب عن خلفاء بني العباس .. عن دعوة العباس لعلي بن ابي طالب للمبايعة .. وعن رفض علي .. يكتب في الجذور ؛ ويخرج من الجذور .. ويقدّم لنا النص بطريقة مختلفة .. حتى عندما فكرت ان اكتب رسالة الى ( الحطاب ) حول هذا الاكليل ؛ وصلت الى موقف – بالضبط – مضاد للنصوص النقدية التي تكتب ؛ والتي هي اشبه ما تكون ب( كليشة) مكررة وكلام مكرر ومن الممكن ان تنطبق مواصفاتها على هذا الشاعر او ذاك .
في هذا الاكليل تتزاحم النصوص .. وقد سبقتني الى الرسالة التي حاولت ان اكتبها حتى امتلأت بها .. وهو ما اعادني الى عهد الجرجاني .. فهذه نظرية ( النص .. سيد الموقف ) النص .. سيد الادب نفسه والنص سيد النقد .. لاقيمة لنقد من دون نص ؛ فبه نستطيع ان نميّز هذا الشاعر عن ذاك .
جواد .. كشف عن لا وعيه ومخزونه في اللا وعي وفي ذاكرته وهو: التاريخ العربي ؛ فامتزجت الحداثة بالتاريخ .. وفي رسالتي له قلت ان الحداثة : واقعة كربلاء ..والقصيدة الحديثة : خلفاء بني العباس ما بعد العصر العباسي الاول .. وال( شعر في زمن القوّاد .. دعارة )
و( آخر ما في العالم ..يبدو دير العاقول ) المطعون .. الملعون بالمكان وبالزمان والحدث ( والفتّاك كمنوا فيه ) ؟
لم استطع ان اكتب سطرا في رسالتي من دون ان الجأ الى نص من ديوان الحطاب ومن اكليله .. فقد اعاد الحطاب الى النص مكانته واعتباره ؛ ولهذا لا يمكن الحديث عن منجزه من دون نصوص .
من يريد ان يتعرّف على ( اكليل موسيقى على جثة بيانو ) عليه ان يشمّ رائحته قبل ان يمسك اوراقه ويدخل الى صفحاته ..
( انا لي وطن في وطني ..
فهل لك في وطني وطن – قصيدة الى رامسفيلد )
ماهذا الاختزال للصراع ..؟
ماهذه اللغة الاخرى للصراع بينه وبين المحتل ..؟
انا لي وطن في وطني .. فهل لك يا فلان ويا فلان في وطني وطن ..؟
ليس لكم في وطني .. وطني وطن .
يكتب هذه القصيدة الى رامسفيلد ؛ وينشرها .. ورامسفيلد يحكم العراق .. وجواد داخل العراق ..!!؟
ليس من حاجة لقصيدة اخرى مثل قصيدة ( هاشم الوتري ) فعظمة الوتري يتخزلها الحطاب هنا : انا لي وطن في وطني .. فهل لك في وطني وطن ..؟
تكررت كلمة ( وطن ) اربع مرات في سطر واحد ؛ حين انتهيت منه تبادر الى ذهني ( مالك ابن الريب ) وقصيدته الشهيرة في رثاء نفسه ..
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة …. بوادي الغضا ازجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب دونه …. وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
لقد كان في اهل الغضا لو دنا الغضا …. مزار ولكن الغضا ليس دانيا
لقد تكررت مفردة ( الغضا ) اكثر من مرة لتعطي شحنة نفسية يتطلبها الموقف .
الغضا هنا هو الوطن في اللا وعي وبلا مزايدة .
لم يقل جواد الحطاب : عراق .. يا عراق ؛ ويبكي ؛ لكنه تمسّك ب : الوطن
تكراره للمفردة يذكرنا بتكرار الشاعر الذي غادر الغضا في طريقه للموت ..وانتهى .. ودفن في الصحراء لكن بقيت قصيدته خالدة .
.. الجواهري حين عاد الى العراق .. قال شيئا جميلا لعبد الكريم قاسم
( نفضتهمو نفض اللديغ ثيابه ) لكن عندما تستكمل البيت تجد فيه كذب شعوري ( وهززتهم هزّ الرياح الاغصنا ) .. يحضرني الجواهري الان مع الحطاب … الحطاب الذي لا يمكن ان يفهم بدون نص .. ف(ابو فرات) من الممكن ان تقرأ ملامحه .. وعروق اصابعه .. وما يعتمره على راسه ؛ فيوحي لك .. يوحي بشيء .. هذا الرجل ( جواد ) عزله الحصار .. وعزله الظلم .. وعزلته القسوة ؛ فهو في واد والناس يدورون في واد .. وهو في واد والاعلاميون في واد .. والشاعر يحتاج الى الاعلام لكن الاعلام قد لا يحتاج الى الشاعر .
المقارنة بين الجواهري وابن الريب والحطاب ؛ تحيلني الى مقارنة اخرى
بين عروة بن الورد والحطّاب ..
.. واذا كان عروة يفخر بان اناءه شركة ..
( واني امرؤ عافي انائي شركة .. وانت امرؤ عافي اناءك واحد
افرّق جسمي في جسوم كثيرة .. واحسو قراح الماء والماء بارد )
فان القصيدة مع الحطاب هي شركة ايضا ؛ ولا ينفرد بها لوحده .. هو دائما يتحدث عن اسم او صديق او مكان .. وليس ثمة من رمزية تائهة او ضائعة .. الكلمة عنده : مجسّمة تأخذ شكلا وصورة .. لا اعتقده ينام وحده وانما مع الناس .. سواء في حسن عجمي او غيرها ؛ لاني لم اعثر على جواد الحطاب – وحده – في اي قصيدة من هذه القصائد .. هو دائما مع احد ودائما هناك احد معه ..
في قصيدته ( مقبرة الغرباء ) والتي اسمّيها انا ( مدفنة الخالدين ) يذكر الحطاب الجواهري .. لكنه لا ياتي على ذكر هادي العلوي .. ويذكر حيدر بن سعدي يوسف ؛ وكانه يستدعي سعدي .. اما هادي العلوي فهو يقيم في قبرين ؛ فحين توفي حجزت له قبرين واحد له وواحد بجانبه لي ؛ وربما لهذا السبب لم يتكلم الحطاب عن هادي .. مثلما تكلم عن حيدر بن سعدي يوسف
اخيرا .. لا املك الا ان اقول :
اكليل الحطاب هو اكليل الشعر العربي المعاصر .. وهو شعر عالمي بامتياز
( جئنا نغسل انفسنا بالنسيان
فاصيب النسيان بداء الذكرى ..؟!! )
هذا ( كتاب ) ارضي .. شئ كبير
( بعيدا عن دجى وطني .. انا والشمس نرتجف
فهل موتي اودسيوس .. وايثاكا هي النجف ..؟ ) قصيدة رثاء الجواهري
كتابي الجديد كان ( شهادة للتاريخ ) تركت العنوان ثنائيا ليتوازن مع نفسه .. وكأنّ القدر قد اجّل او ارجأه ليكون احد فصوله شهادة في جواد الحطاب ..
انا لست من رجال النقد .. وان كنت قد بدأته في عام 1959 .. مع النقد الصحفي عندما استعرضت في جريدة ( الحرية ) فصولا بعنوان
( شاعر وثورة ) تناولت الشعراء الذين كتبوا في ثورة 14 تموز عام 1958 ؛ كقصيدة الجواهري الباهتة التي لا لون لها ولا طعم والباردة والتي وصفتها ب ( الوشل ).
الحمد لله .. ان الجواهري خرج من العراق الى جكسلوفاكيا ليعود شاعر بني العباس من جديد ؛ وعبد الوهاب البياتي الذي كتب قصيدته
( الشمس في مدينتي تشرق .. والاجراس تقرع للابطال .. فاستيقظي حبيبتي .. فاننا احرار .. كالنار كالعصفور كالنهار ..)
ولأنّ النقد لم يكن لوجه النقد وانما لوجه السياسة لذلك لم يكن بريئا .. فأمسكت بتلابيب الرجل ( البياتي ) وقلت : الشمس تشرق – كلمة مألوفة ؛ صورة عادية لا وهج فيها ؛ والاجراس تقرع للابطال : فلم سينمائي كان يعرض في احدى سينمات بغداد انذاك ؛ واننا احرار كالنار كالعصفور كالنهار : النار هي النار ( الشيوعية ) التي ستأكل الجميع ان بقيت حرّة ..
تلك البداية انقطعت كي اتحوّل الى الفكر السياسي ؛ والنقد الفكري لمناهج الخصم ؛ نعم .. بقي النقد عندي احساس فطري .. حتى ان الشاعر فوزي كريم ذكر من على قناة الحرّة مرة في شهادة له ؛ ان بعض الرؤى النقدية قدمها كتاب عراقيون وعرب وهم من خارج دائرة النقاد .. علي الوردي – مثلا – في نقد الشعر العربي .. علي جواد في المفصل في تاريخ العرب .. وعبد الله القصيمي في كتابه عن المتنبي .. واضاف : وحسن العلوي في نقده وفي كتاباته عن الجواهري .
اذن لي حصة نقدية يمكن لي ان اطلّ منها وانا احمل ( اكليل – الحطاب ) ..
لماذا يصبح البيانو جثة ..؟
حين يختزل العالم في كلمة .. حين يختزل المشهد العراقي في كلمة .. هل بامكانك – الان – من بين صراخ الاحزاب واصوات الانفجارات في العراق ان تستمع ل : بيانو ..؟
البيانو .. هو اكثر .. ادقّ جهاز يسمع فرديا ويحتاج الى صمت مطبق ؛ ولهذا في السمفونيات .. عندما يهدأ الانفعال ويرغب بيتهوفن بان يلتقط انفاسه يلجأ الى البيانو .. فايّ بيانو في العراق ..؟
ماهذا الديالكتيك .. ماهذا الجدل الذي جاء به الحطاب ؛ حين اعتبر البيانو : جثة ..؟!!
صورة البيانو ( جثة ) تعني ان المضاد .. الجدل الاخر له – كفرد – ينهي الصخب ؛ وبما ان الصخب لم ينته .. اذن ان من ينتهي هو البيانو .. ومعنى انتهاءه هو انتهاء الصمت وانتهاء السكون ؛ وابتداء ضجيج المدافع والوان الدماء الصارخة .
( الحطّاب ) وفي هذه الظروف .. حمل اكليل موسيقى ووضعه على هذه الجثة .. والجثة هنا هي صوت العراق .. لكن علاقة الحطاب بهذا الصوت لم تجعله يترك الجثة ويمشي .. كما تترك جثث الناس المجهولين في البلاد هذه الايام ..
وضع ( اكليلا ) من الموسيقى ..
هل سيستمع العراقيون الى بياتريس اوهانسيان مرة اخرى وهي تقدم في صباح كل يوم .. ابان العهد الملكي ؛ دقائق من العزف على البيانو ..في ذلك الزمن الموغل الذي لم تكن الناس تعرف فيه ما الموسيقى ..؟
الديوان .. دعوة من جواد الحطاب الى بياتريس لتعود الى الحياة ثانية ؛ وعندما تعود – بياتريس – سيعود الكثير من حياة العراقيين التي غابت عنهم خلال السنوات الاخيرة .
من المعروف ان ال( حداثة ) شيء مكروه لدى الاصوليين والسلفيين والمحافظين والرجعيين .. واعترف بانني رجعي .. محافظ .. وطالما رفضت ان اقرأ لغير الجواهري .. منظومتي النقدية منظومة عباسية تعتمد على النص .. وان كانت اول استساغة لي – للشعر الحديث – متاخرة جدا مع ( فوزي كريم ) تلميذي .. وان كان هو لا يعترف بتلك التلمذة .. وهذه من عيوب ( شعراء الحداثة ) وقد نشرت له اول قصيدة
في جريدة ( المواطن ) .
اتساءل : كيف يمكن لواحد مثلي ؛ محافظ .. لا يخرج عن منظومة مثل منظومة الجواهري .. المنظومة العباسية .. ان يستسيغ عنوان
( اكليل موسيقى .. على جثة بيانو ) ..؟!!
لكنه ما ان وصل اليّ .. وفتحت صفحاته واذا بي اصل الى شاعر يكسر الحدود التي وضعت بين الحداثة والقديم .. فهو حين يكتب في الحداثة يكتب عن خلفاء بني العباس .. عن دعوة العباس لعلي بن ابي طالب للمبايعة .. وعن رفض علي .. يكتب في الجذور ؛ ويخرج من الجذور .. ويقدّم لنا النص بطريقة مختلفة .. حتى عندما فكرت ان اكتب رسالة الى ( الحطاب ) حول هذا الاكليل ؛ وصلت الى موقف – بالضبط – مضاد للنصوص النقدية التي تكتب ؛ والتي هي اشبه ما تكون ب( كليشة) مكررة وكلام مكرر ومن الممكن ان تنطبق مواصفاتها على هذا الشاعر او ذاك .
في هذا الاكليل تتزاحم النصوص .. وقد سبقتني الى الرسالة التي حاولت ان اكتبها حتى امتلأت بها .. وهو ما اعادني الى عهد الجرجاني .. فهذه نظرية ( النص .. سيد الموقف ) النص .. سيد الادب نفسه والنص سيد النقد .. لاقيمة لنقد من دون نص ؛ فبه نستطيع ان نميّز هذا الشاعر عن ذاك .
جواد .. كشف عن لا وعيه ومخزونه في اللا وعي وفي ذاكرته وهو: التاريخ العربي ؛ فامتزجت الحداثة بالتاريخ .. وفي رسالتي له قلت ان الحداثة : واقعة كربلاء ..والقصيدة الحديثة : خلفاء بني العباس ما بعد العصر العباسي الاول .. وال( شعر في زمن القوّاد .. دعارة )
و( آخر ما في العالم ..يبدو دير العاقول ) المطعون .. الملعون بالمكان وبالزمان والحدث ( والفتّاك كمنوا فيه ) ؟
لم استطع ان اكتب سطرا في رسالتي من دون ان الجأ الى نص من ديوان الحطاب ومن اكليله .. فقد اعاد الحطاب الى النص مكانته واعتباره ؛ ولهذا لا يمكن الحديث عن منجزه من دون نصوص .
من يريد ان يتعرّف على ( اكليل موسيقى على جثة بيانو ) عليه ان يشمّ رائحته قبل ان يمسك اوراقه ويدخل الى صفحاته ..
( انا لي وطن في وطني ..
فهل لك في وطني وطن – قصيدة الى رامسفيلد )
ماهذا الاختزال للصراع ..؟
ماهذه اللغة الاخرى للصراع بينه وبين المحتل ..؟
انا لي وطن في وطني .. فهل لك يا فلان ويا فلان في وطني وطن ..؟
ليس لكم في وطني .. وطني وطن .
يكتب هذه القصيدة الى رامسفيلد ؛ وينشرها .. ورامسفيلد يحكم العراق .. وجواد داخل العراق ..!!؟
ليس من حاجة لقصيدة اخرى مثل قصيدة ( هاشم الوتري ) فعظمة الوتري يتخزلها الحطاب هنا : انا لي وطن في وطني .. فهل لك في وطني وطن ..؟
تكررت كلمة ( وطن ) اربع مرات في سطر واحد ؛ حين انتهيت منه تبادر الى ذهني ( مالك ابن الريب ) وقصيدته الشهيرة في رثاء نفسه ..
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة …. بوادي الغضا ازجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب دونه …. وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
لقد كان في اهل الغضا لو دنا الغضا …. مزار ولكن الغضا ليس دانيا
لقد تكررت مفردة ( الغضا ) اكثر من مرة لتعطي شحنة نفسية يتطلبها الموقف .
الغضا هنا هو الوطن في اللا وعي وبلا مزايدة .
لم يقل جواد الحطاب : عراق .. يا عراق ؛ ويبكي ؛ لكنه تمسّك ب : الوطن
تكراره للمفردة يذكرنا بتكرار الشاعر الذي غادر الغضا في طريقه للموت ..وانتهى .. ودفن في الصحراء لكن بقيت قصيدته خالدة .
.. الجواهري حين عاد الى العراق .. قال شيئا جميلا لعبد الكريم قاسم
( نفضتهمو نفض اللديغ ثيابه ) لكن عندما تستكمل البيت تجد فيه كذب شعوري ( وهززتهم هزّ الرياح الاغصنا ) .. يحضرني الجواهري الان مع الحطاب … الحطاب الذي لا يمكن ان يفهم بدون نص .. ف(ابو فرات) من الممكن ان تقرأ ملامحه .. وعروق اصابعه .. وما يعتمره على راسه ؛ فيوحي لك .. يوحي بشيء .. هذا الرجل ( جواد ) عزله الحصار .. وعزله الظلم .. وعزلته القسوة ؛ فهو في واد والناس يدورون في واد .. وهو في واد والاعلاميون في واد .. والشاعر يحتاج الى الاعلام لكن الاعلام قد لا يحتاج الى الشاعر .
المقارنة بين الجواهري وابن الريب والحطاب ؛ تحيلني الى مقارنة اخرى
بين عروة بن الورد والحطّاب ..
.. واذا كان عروة يفخر بان اناءه شركة ..
( واني امرؤ عافي انائي شركة .. وانت امرؤ عافي اناءك واحد
افرّق جسمي في جسوم كثيرة .. واحسو قراح الماء والماء بارد )
فان القصيدة مع الحطاب هي شركة ايضا ؛ ولا ينفرد بها لوحده .. هو دائما يتحدث عن اسم او صديق او مكان .. وليس ثمة من رمزية تائهة او ضائعة .. الكلمة عنده : مجسّمة تأخذ شكلا وصورة .. لا اعتقده ينام وحده وانما مع الناس .. سواء في حسن عجمي او غيرها ؛ لاني لم اعثر على جواد الحطاب – وحده – في اي قصيدة من هذه القصائد .. هو دائما مع احد ودائما هناك احد معه ..
في قصيدته ( مقبرة الغرباء ) والتي اسمّيها انا ( مدفنة الخالدين ) يذكر الحطاب الجواهري .. لكنه لا ياتي على ذكر هادي العلوي .. ويذكر حيدر بن سعدي يوسف ؛ وكانه يستدعي سعدي .. اما هادي العلوي فهو يقيم في قبرين ؛ فحين توفي حجزت له قبرين واحد له وواحد بجانبه لي ؛ وربما لهذا السبب لم يتكلم الحطاب عن هادي .. مثلما تكلم عن حيدر بن سعدي يوسف
اخيرا .. لا املك الا ان اقول :
اكليل الحطاب هو اكليل الشعر العربي المعاصر .. وهو شعر عالمي بامتياز