حاوره / حسين علي غالب
* الشعر بالنسبة لي يصبح أكثر نضجا ًوكمالا ً كلما تفتحت زهرة من زهور الوعي الإنساني الخلاق في داخلي..
* القلب يرى كل الأشياء جميلة،لكن العقل دائما يحاول أن يشوهها أو يقيدها بالمفاهيم والأفكار..
مارس حبه وهوايته في الكتابة منذ سن مبكر أي منذ أكثر من عشر سنوات حيث كتب في المجال الأدبي والثقافي من دون انقطاع في مختلف الصحف والمواقع العراقية والعربية ، عاشق ووفي للشعر حيث ترعرع على حب الشعر من خلال جده الشاعر الراحل كاظم السماوي الغني عن التعريف .
صقل موهبته الشعرية عبر القراءة وتجارب شعرية كثيرة حازت على نجاح وإعجاب القراء والنقاد أيضا،وها هو الآن يصدر ديوانه الأول “” فجر النهايات”” ويفتح صفحة جديدة في مسيرته الأدبية الرائعة والمتميزة.
حدثنا عن ديوانك الأول “”فجر النهايات””..؟؟ قبل أن أجيب عن الأسئلة،دعني أعترف أنني ومنذ الطفولة عانيت من انكسارات الأنا وتشظيات الهوية والوطن،كنت في طفولتي أرى الأشياء بعمق أكثر مما يراه أقراني،رافقني هذا الشعور حتى كبرت فبدلا أن أنظر إلى الزهرة وأصنفها وفقا ً لمفاهيم ذهنية،صرت أستشعر جوهرها الداخلي الذي يعطي شكلها الخارجي هذا الجمال،ولادة الشعر عندي كانت من المعاناة والحرمان في بداية الأمر،ثم أصبحت عبارة عن تأملات عميقة مستمرة في الأشياء،سكون داخلي،وأحيانا اتحاد العقل الواعي مع اللاواعي في تناغم خفي مع موسيقى الطبيعة.
بالنسبة لديواني فجر النهايات هو ديوان سمته الأبرز الهوية الإنسانية المطلقة بكل تجلياتها وجمالها وإبداعها اللامتناهي على هذه الأرض،فيه أسى شفيف ونظرة حقيقة وعميقة لبداية النهاية،نهاية العالم الذي يسير إلى حتفه الأخير باسما ً.
أي المجالات الإبداعية تجدها قريبة لك ..؟
بالنسبة للمجالات الإبداعية التي أجدها قريبة من ذاتي،فن الرواية ،فأنا قارئ حقيقي وجاد للأدب الروائي العالمي،وأتمنى أن أكتب رواية تصل للعالمية وتترجم إلى عدة لغات، ربما سأكتبها لكنها لن تخرج إلى النور وتبقى راسخة في أذهان الناس ، إلا بعد موتي،فالنصوص الخالدة في أكثر الأحيان،تصل إلى الناس وتحفر عميقا ً في نفوسهم،بعد موت صاحبها، تنقصني فقط التجربة الحياتية العميقة،بالإضافة إلى القوة المعرفية التي ما زلت أسعى إليها في كل لحظة من لحظات حياتي.
أنت عاشق ومطلع على الأدب الكردي الجميل فهل فادك الأدب الكردي في صقل موهبتك الإبداعية..؟
أنا عشت أكثر من نصف عمري في كردستان في مدينة السليمانية،هذه المدينة منحتني العزلة المنتجة والرحلة نحو الذات لاكتشاف الحقيقة،الأدب الكردي يمتاز بسورياليته وقوته الرمزية،وأعجبني الكثير من الشعراء والأدباء مثل شيركو بيكه س..لطيف هلمه ت..طيب جبار ..كولاله نوري..كزال أحمد ..إضافة إلى عدد هائل من الجيل الجديد من الشباب،تمتاز مدينة السليمانية بانفتاحها على ثقافات وحضارات الشعوب والأمم والأخرى،وهذا تحديدا منحها هوية متميزة ونادرة أفادتني كثيرا في صقل موهبتي الأدبية.
تجربتك في الشعر ليست بالقصيرة فلماذا تأخرت في طرح ديوانك الأول “” فجر النهايات””..؟
حقيقة الشعر لا يقاس بالزمن أو العمر،أنا كتبت الشعر في مراحل مختلفة من حياتي،الشعر بالنسبة لي يصبح أكثر نضجاً، وكمالاً كلما تفتحت زهرة من زهور الوعي الإنساني الخلاق في داخلي،هذا الوعي الذي يتحرر من جميع الأشكال المادية المزيفة والتي ورثنا أصنامها عبر تاريخنا الطويل،القصائد في ديواني هي عبارة عن تمرحل حقيقي لتجربتي الإنسانية والثقافية،لم يخرج هذا الديوان إلى النور إلا بعد أن تأكدت أنني في بداية نضجي المعرفي وما زال أمامي الكثير..الكثير.
عندما أطلعت على ديوانك وجدت أنه مزيج من الحر والنثر و العمودي وهذا النمط غير متبع في الدواوين الشعرية..؟
الشعر هو أعمق من أن يكون نمطا ً من أنماط المعرفة ،وهو أم العلوم حسب تعبير هوسرل،ونستطيع أن نفسر الكون وكل ظواهر الوجود بقوة الشعر المترادفة مع الخيال،القصيدة كفن إنساني تفرض نفسها على الشاعر،والشاعر الحقيقي هو من نجد تماهي الفنون الإنسانية في شعره،فيمكن للقصيدة أن تكون لوحة تشكيلية،أو نص مسرحي،أو قطعة موسيقية بالغة الروعة ومن الممكن أن تستحضر التاريخ والأساطير والأديان ونخاطب الإله،أنا برأيي أن الشعر يجب أن يخرج من التأطير والتجنيس الذي ابتكره عقل الإنسان ،ولم تبتكره الروح أو العاطفة الشعرية الصادقة، القلب دائما يرى كل الأشياء جميلة والعقل دائما يحاول أن يشوهها أو يقيدها بالمفاهيم و الأفكار التي تستعبده ،وهذا الشيء ساهم في الانحدار الفكري والإبداعي على مستوى الشعر والنقد.
أعرف أن جدك الشاعر الراحل كاظم السماوي هو من زرع حب الشعر بداخلك ولكن من له الفضل بصقل موهبتك هل هو جدك الراحل أم شخص أخر..؟
حقيقة أن جدي الراحل الكبير كاظم السماوي،هو من قام بتربيتي وتنشئتي،ترعرعت في مكتبته بين دفاتره وأوراقه وكتبه،كنت أكتب الشعر خفية عنه،منحني روحه الإنسانية المتوهجة،نبضه الثوري المتجدد،كان جدي نبيا ً يكتب قصائده من ملح الأرض ودماء الفقراء والكادحين،مازالت بسمته الدافئة والحنونة تطاردني أينما كنت لتحتويني وتحميني من الشرور والرغبات التي تملأ العالم بالسواد،كلما شرعت بكتابة نص يأتيني طيف جدي ،تتلبسني روحه،لا تفارقني إلا عندما أكمل القصيدة على أتم وجه،لم أتأثر بمدرسة جدي الشعرية،التي كان فيها عملاقا ورائدا حقيقيا،لكنه منحني ذلك النور الخفي الذي ما زال يسري بكل خلية من خلايا جسدي.
ما هي أعمالك الأدبية القادمة ..؟
أنا أحضر لكتاب جديد عبارة عن مجموعة من النصوص السردية الحرة والتي لم أشأ أن أضعها تحت مسمى معين أو جنس معين،أترك للقارىء والمتلقي حرية التسمية والخيار،لأنه غالبا بعد قراءة هذه النصوص ستتولد بداخله مجموعة من التساؤلات التي تدفعه للبحث والتنقيب .
كلمة أخيرة تقولها ؟
أنا سعيد جدا باكتشاف جزء صغير ذاتي،وهو فرح الكينونة الأزلي فمن غرفتي البعيدة المظلمة،كلما داهمني النور وأيقظني السكون،أعدت تكوين العالم،لست وحيداً كما ينبغي،لكنني المنتصر حتما ً خلف كواليس الحياة.