حمزة شباب* :
تَرَبّى فِي كَنَفِ أشِعَّتَهَا
أرْضَعَتْهُ المَطَرَ حَلِيبَاً
أرْسَلَتْ غَيْمَةً
تُغَطّيهِ فِي الشّتَاءِ
تَدْفَعُ عَنْهُ الجُوعَ و العَطَشِ
تَقْرأ عَيْنَيْهِ الذَّابِلتَيْنِ
تَسْتَلذُّ بِحِمَايتِهِ
كَأخْتِهِ الكُبْرَى . . .
تَأخُذُ هُمُومَهُ المَقْبُورَةَ فِي ذَاكِرَتِهِ
تَطْرَحُهَا فِي اليَمّ
تَسْتَبْدِلُها بِابْتسَامَةٍ
تَمْلأ زَوَايَا فَمِهِ و أضْلاعِهِ
أمَّا قَلْبُهُ الحَزينُ
الّذي في صَدْرِهِ
يَسْتَكِينُ بِلا دِفْءٍ فِي نَاحِيتِهِ اليُسْرَى . . .
تَحْتَضِنهُ كُلَّ صَباحٍ
فِي وَادِي النّمْلِ
أغْنِيةٌ مِنْ رَشْفَةِ الحَيَاةِ
لِذلكَ عَبدَ الشّمْسَ
فِي رَوْنَقِهَا عَرُوسٌ
تُبْدي بَرَاءةً
تُغْرِيهِ كَفتاةِ لَيلٍ
امْتَهنَتِ الطّرِيقَ
أوْقَعتْه فِي حَبَائِلِهَا
لِتُسجَّلَ فِي دَفاتِرِ الذّكْرَى . . .
لَديْهُ كُلُّ شَيْءٍ
يَنْقلِبُ إلى ذاكِرَةٍ
حَتّى غَدِه المِضْيَاعِ
فِي أرْوِقةِ تَاريخِهِ المُغْبرّ
و فِي أنْسِجةِ عِظامِهِ
و فِي قُبُلاتِه المَرْسُومةِ
عَلى جِيدِ حَبيبَتهِ المُحَطَّمَةِ
فِي سُبَاتِ النَّهْرِ الخَالِدِ
يَطْمُرُ كُتُبَ بَغْدَادَ
يَصْطَحِبُ لَهِيبَ التَّتَارِ
لِيُسْدَلَ السِّتَارِ . . .
هُنَاكَ حَيثُ اللّقَاءِ
يَجْري كمَا يجْرِي المَاءُ
عِنْدَ انْهِيارِ السّدِّ
كَشلالٍ مِنْ حَرِّهِ
يُذِيبُ مَفاتِنَ الغَوَانِي
مِنْ حَرَارتِهِ
لا شَيْءَ يَبْقَى
إلا نَعِيمَ القَطِيعِ فِي وَدَاعَتِهِ
يُشْبَعُ مُنْكَسِراً . . .
ظلَّ وَفياً لأمَّهِ الرّؤُومْ
لِشمْسِ أمِّهِ
المُتوغّلةِ فِي السّمَاءِ
مَلكَةُ جَمَالٍ تُخْفِي النُّجُومْ
إذَا سَطَعتْ عَلى أنْوارِ كَأسِهِ
لِيَتناسَى
سَهَرَ تِلْكَ الأمِّ
إذا اعْتَراهُ الوَهَنُ
و قَذفتْهُ سِهَامُ الحُمّى . . .
————–
* شاعر و أديب فلسطيني .