حسين السنيد :
النعاس مايزال يغازل عينيه , النسيم البارد الصادر من جهاز مكيف الهواء كان ينفح وجه بنعومة يد فتاة جميلة.جلس على سرير نومه الكبير الذي تهجع عليه الاغطية الناعمة و الوسادات الكبيرة المريحة بالوان جميلة متناظرة.
الساعة تشير الى العاشرة , تثاءب و شغل شاشة التلفاز ذوالحجم الكبير المعلق امامه على الجدار.
بدأت نشرة العاشرة .. طفق المذيع يتكلم عن افواج المتطوعين للجهاد ضد القوى الارهابية .. ثم مقابلات مع بعضهم .
تجهم “ابن الريّس” .. هكذا كانو يسمونه عامة الناس , الفقراء , والمعدمين الذين يعتمرون القبعات العمالية,الكسبة ,سواق سيارات الاجرة ,صغارالموظفين,باعة الشاي في الشوارع, باعة الخضار والفواكه,و تلك المرأة التي تبيع القيمرفي الطرقات المهملة.. كانو يدعونه ابن الريّس , اما الطبقة الاخرى من المستشارين والوكلاء والمدراء و الناس المحيطين به كانو يخاطبونه بالمعالي او في اضعف الايمان .. سيادتكم اواستاذ او حاج..فهو ابن رئيس هذا الوطن و لابد من لقب يليق بابن الريّس! .
بقى ابن الريّس يتابع النشرة ويبحلق في وجوه المتطوعين المقاتلين بسحنهم السمراء ,وجوههم المتعرقة وملابسهم المتسخة اثارت اشمئزازه ..قذف بجهاز التحكم عن بعد جانبا و راح ليصطبح في حديقة القصر و هو يتململ.
ظل التلفاز يتكلم عن بطولات ابناء الوطن في مقاتلة الارهابيين للغرفة الفارغة.
***
فتح الرجل المقاتل عيونه ,وجد نفسه في مكان لا يعرفه وشعر بالم كبير يضرب في قدميه, مرة اخرى اغمض عيونه واسترجع المشهد الاخير.حيث رشق موضع الارهابيين برصاصاته ,ثم نودي عليه ان ينسحب باتجاه مكان تموضع المقاتلين, جرى بسرعة حاملا بندقيته على ظهره, باقدام فولاذية لم ترتجف ولم تتراجع , عبوة ناسفة قطعت الطريق عليه و صرخت بوجهه كمارد غاضب,قذفت حمماعليه من الارض و دكت اقدامه الفولاذية.
فتح المقاتل عيونه ليرى زوجته وابنائه يلتفون حوله..اطمئن لوجود عائلته قربه . مازال الم شديد يضرب قدميه .مد يديه لاقدامه ..فلم يجدهما.
انهمرت دموع زوجته وابنائه على ابيهم ” الرجل مبتور الساقين” ..
***
فيما كان يقلب ابن الريّس بعض الطلبات , اطلع على طلب الرجل مبتور الساقين,يطلب فيها التكفل بعلاجه او تخصيص راتب تقاعدي له لاعانة عائلته .. رفع قلمه الاحمر ليكتب شيئا على الطلب.. رن الهاتف,تكلم احد حاشيته وقال لابن الريّس ان القوات الارهابية تمكنت من التقدم واسقاط بعض المواقع. ضجر ابن الريّس واسقط قلمه الاحمر , شعل سيجارة فاخرة نوع كورونا و راح يتذمر من جدوى عمل المقاتلين.
تاهت ورقة الرجل مبتور الساقين بين الادراج.
***
زار ابن الريّس المصرف الكبير والتقى برئيس المصرف و تكلم معه حول فتح بعض الارصدة في دول اجنبية وقيمة العمولات المصرفية..فيما كان رجال الحماية المدججين بالاسلحة يحتلون الممرات..
اراد الرجل مبتور الساقين دخول المصرف مع زوجته ..حين اوقفوه ادعى انه كان مقاتلا و فقد ساقيه دفاعا عن الوطن!! و جاء لاخذ قرض من المصرف لغرض العلاج . لم يسمح له حماية ابن الريّس ان يدخل المبنى .فبقى ينتظر تحت وطئة الشمس .
خرج ابن الريّس واستقل سيارته الBMW .لمح من خلف الزجاج المعتم , الرجل المبتور الساقين وقد غرق في عرقه تحت لفحات الشمس الحارقة .. اثار المنظر استهجانه.
***
بعد ان استطاعو المقاتلين تحرير عدة مدن من قبضة الارهابيين ,راح ابن الريّس يفكر جديا بخوض الانتخابات المقبلة .. فهذا الانتصار الكبير الذي تحقق لابد من استثماره ..فدعى حاشيته و ناقش الامر معهم.كلهم ايدوه وقالو له ان الفوز سيكون مضمونا و ان شعبيته في اتساع مستمر.
في هذا الحين كان الرجل مبتورالساقين يفكر بمصير اولاده الذين كبرو وشبو بسرعة ..وبناته الاتي يطمحن دخول الجامعات. تجمعت قطرات خلف مقلتيه و لكنه لم يفتح لهن الباب .. الرجل الذي سبقته اقدامه الى لجنة, لم يشعر بالندم يوما لمقاتلته الارهابيين.
رفع الرجل مبتور الساقين رأسه نحو سماء المدينة, اغمض عيونه وجر نفسا عميقا .. حين فتح عيونه وجد الالاف من الاقدام الصناعية تهبط بالمظلات وتتدلى من الهلال والنجوم .. غمرت الاقدام السماء و بدأت طلائعها تصل الارض .. حين وصلن الاقدام , وجدن طريقهن نحو الرجل ..تحركن نحوه وتسابقن للوصول اليه.
ابتلع الرجل غصته وضل يراقب المنظربعيون نصف مفتوحة ونصف مغلقة , حين وصلت القدم الاولى له , بدأت تطوف حوله , ثم الثانية ,فالثالثة ,فالرابعة ..الخامسة التحقت ,جائت السادسة مهرولة .. بدأن الطواف حول الرجل مبتور الساقين. ماهي الا لحظات و كانت الاف الاقدام تطوف حول الرجل وهو جالس في المنتصف.. اصبح كعبة الاقدام الطائفة حوله , كمجرة بالاف النجوم تلف حول شمس واحدة .
***
اخبرو ابن الريّس بان الارهابيين وجدو ممرا لدخول العاصمة . فاحضر جوازه الدبلوماسي. لبس بدلة انيقة وربطة عنق ايطالية و اخبر الحاشية:
ساذهب في سفرة قصيرة للمشاركة في معرض تقني .
تحرك نحو المطار وهو يشعر بقلق كبير يغلي في داخله. دخل صالة المطار , التشريفات قد هيئو له كل شيئ. اقلعت الطائرة حاملة على متنها ابن الريّس وسرعان ما ضاعت خلف ركام السحب السود.
كان الرجل مبتورالساقين في المطار ينتظر موعد رحلته .. باع ارض الاباء في الجنوب, بنخيلها وساقيتها .. ليكمل العلاج .اتصلو به بعض اصدقائه ممن كان يقاتل معهم.
نحن قادمون الى هناك ..ابلغنا ان العاصمة في خطر محتمل.
رد الرجل مبتور الساقين:
لكن ………… وبعد لحظات من الصمت اكمل :
اهلا وسهلا ..سانتظركم في بيتي .
ترك صالة المطار فيما كانت زوجته تدفعه واتجها نحو بيتهم المتواضع.
***
فيما بعد و حين رفع الخطر عن العاصمة ..كان ابن الريّس يجتمع مع اعضاء ماكنته الانتخابية حول تنظيم خطابهم الانتخابي, كان الاجتماع في جناح فاخر من القصر يحوي مناضد البيليارد و عدد من الاركيلات الفاخرة.
قال احدهم:
معاليكم ..اقترح التركيز على جهودكم في مقاتلة القوى الارهابية في الخطاب الانتخابي .
ابتسم ابن الريّس مفتخرا وارتشف الشاي الممزوج بعطر الزعفران والهيل.
كان الرجل مبتور الساقين يقف على رجليه في ذاك المساء ..عاد من رحلة العلاج يقف وقفة الابطال على قدمين صناعيين. دخل البيت ,ارتمين في حضنه البنات بعيون مغرورقة بالدموع , قبلو ابنائه جبينه ويديه و قدميه الجديدتين ..
لكنه لم يرى ابنه الاكبر ..
اين اخوكم الاكبر؟؟ تسائل بعيون مرعوبة من هذا الغياب
تبادلو الابناء النظرات , بان الارتباك على عيونهم وشفاههم, اخيرا نطقت البنت الصغيرة:
راح للقتال …
—