طه حسن :
قررت المحكمة إجراء بحث في ملف طرد “سكيتي” من العمل لتلبسه بالسكر البين. كان استصدار الحكم لفائدة الشركة رهينا بإحضار ثلاثة شهود وردت أسماؤهم في المحاضر. امتطى “حمدان” سيارة المستخدمين والشهود إلى جانبه متكئين بعضهم على بعض. حاول على متن السيارة اختبار مدى معرفتهم بوقائع القضية وشهادتهم عليها. بعد قليل، بلغ إلى حمدان بصيص من رائحة الكحول. سألهم حمدان عن شكل علاقتهم بالشافات. لم يترددوا في النيل منهم باللعنات ومختلف النعوت. تنطوي صدورهم على شتائم بحجم تحرشات “عبدالجبار” رئيس حمدان. لفظت أنفاسهم أخيرا صيغة التحفظ. تمكن حمدان من إثبات الحال.
انزاحت السيارة إلى يمين الطريق. توقفت قبل الوصول إلى المحكمة. استغرق حمدان في صمت طويل. ترك السيارة ليتصل هاتفيا بعبدالجبار. أخبره بثمالة الشهود والحالة التي هم عليها بالشم المجرد، مؤكدا له بأن حضورهم في الجلسة سينعكس سلبا عليهم وعلى مآل الملف ومصداقية الشركة. لم يعد عبدالجبار يصدق حمدان منذ شهور والعكس صحيح. أمره بإحضارهم إلى مقر الشركة.
استقبلهم عبدالجبار بدون إثارة الانتباه. أطلق العنان للسانه وأنفه. افتعل نقاشا حول القضية. شرع في إلقاء الأسئلة عليهم واحدا واحدا والتحدث إليهم عن قرب، وهم يجيبون بصوت منخفض محاولين إخفاء الرائحة. استمر عبدالجبار يشتم الرائحة كما يفعل مساعده المميز “قابيل” بالنسبة باقي زملائه، حتى شعر بدوار، فأنهى المعاينة بسرعة. أمرهم بالانصراف إلى حال سبيلهم . التفت إلى حمدان . قال مستخلصا من المعاينة : “فعلا، لقد صدقت. إنهم يختلفون في درجاتهم الإدارية. فأحدهم أكثر ثمالة من الآخرين. احتسى النبيذ الأحمر كلون بطاقته. أما الإثنان الباقيان فهما أيضا ثملان، لكن أقل بكثير من الأول، شربا الجعة الصفراء كلون بطاقتيهما. استغنيت عن توبيخهم لعدم انتسابهم لمديرتي. من المرجح أنهم قضوا ليلة البارحة في تجريح رئيسهم المباشر وشتمه بكل ما أوحى به كل لون على حدة، وحتى بالدعاء عليه. لكل من الشعير والعنب مذاقه الخاص وتأثيره الناجع. من حسن حظي أن لا أحد منهم يحمل بطاقتي الزرقاء. اتصل به من أجل الإخبار والقيام بالمتعين في مكتبه المرصود في جانب منه لهذه المهمة. سيدرك كيف قضوا الليلة، ويكون له عندئذ القول الفصل حتى لا يتم تأخير جلسة البحث من أجل السكر الخفي …”.
—