حمزة شباب*:
جَلسْتُ أمَامَ مِدْفَأتِي
أرْقُبُ حَطَبهَا المُشْتَعِلْ ،
أغَازِلُ رَمَادَها المُتّصِلْ
أغَنّي لِقُبّعتِي الّتِي مَا فَتِئَتْ
تَحْمِي رَأسِي مِنَ القُبلْ !!
أحْمِلُ ضَمِيرَ الشّأْنِ ، أُفْنيهِ
ألُوذُ بِمِعْطَفِ خَزانَتِي
تَسْتعِرُ ( كَانَ ) فِي فَجْرِي القَادِمِ
لِيَحلَّ الظّلامُ فِي شَفَتِي
و أخِيرَاً .. أيُّهَا الغَدُ المُسْتحِيلُ :
سَأودِّعُ فِي ثَنايَاكَ غُرْبتِي . . .
يَطُولُ عَليَّ النّحِيبُ ،
فَأتَذكَّرَ غُرْبةً مُطْلقةَ الحَوَاسِ
حَيْثُ كُنْتُ حُرّاً
شَرِيدَ الأنْفاسِ ،،
تَقْرعُنِي مِئاتُ الأجْرَاسِ
سَارِحَةً أحُبِّهَا مِرْأتِي
لَيْتنِي مِثْلهَا مَشْعُورةٌ
نِصْفِيَ البَاقِي رَاحِلٌ
و حُلْمِي الشُّعُوريُّ يَحْتَمِي بِالخَمَائِلِ
لأتَلذّذَ بِمَرْآى مُقْلتِي . . .
لَمْ تَكُنْ السُّلْطاتُ العُلْيَا
تَطْلبُنِي ، أو تُكَبّلُنِي فِي زِنْزَانةْ
لَمْ تَكنْ تُقلّدُنِي المَرَاسِمَ
أو تَمْنَحُنِي الحَصَانَة
فأتَا غَريبٌ فِي لَفْظِهِ تَتمَادَى المَعَانِي
ألْقَيْتُ عَنْ خَدِّي الخَجَلَ
لِيَحْمرَّ فُؤادِي مِنْ الشّفقِ
مِنْ سِيقانِ أغْصَانِ مِدْفأتِي
لَسْتُ طلّاباً للْعُلا و أخَواتِهِ !!
أُدَافِعُ عَنْ [ أقليّاتِ الحُبِّ ]
أقِيمُ [ قَانُوناً ] اسْتثنَائيّاً
لا أطْلبُ صَكّاً للْخَلاصِ
و لا أسْتَعيذُ بِناسِكٍ
يُكفِّرُ نَزْوتِي . . .
كُنْتُ أشْربُ مِنْ كُلِّ الحُقُولْ
يُغذّينِي لَحْمُ قيْناتِي
أتَحلَّى بِبعْضِ البُقولْ
السّهرُ يَطوفُ فِي مُحِيطِ أفْكَارِي
فِي شَريَانِ قلْبِي
فِي وَريدِ عَقْلِي
بَاتَ الهَيْلُ فِي قَهْوتِي مِنْ فَرْطِه
يُسْكِرُ شِفَاهِي
حتّى بَاتَتْ القُبلُ فِي طَرِيقِي
كالبَحْرِ ،،
كَناهِدةٍ تَتحلَّى بِقرْطِهَا
صَارَ العِناقُ فِي الحَدَائِقِ
مِنْ أسْوأ عَادَاتِي !
مِنْ أحْسَنِ عَادَاتِي !
الوَحْيُ بَاتَ يَتْبعُنِي
يَقِفُ عَلى شَفْرةِ الحِلاقةِ
يَمْسَحُ آثارَ الخَجَلِ عَنْ مُحيَّايَ
يَتَعلَّمُ ألعَابَ النّرْدِ فِي خُطَايَ
زَادَتِ الغُرْبةُ عُذْريّةً و جَمَالاً
حِينَ أصْبحَ مَسْكنُ كُلِّ بَناتِ الحَيِّ
بَيْتِي . . .
سِيرَتي فِي الغُرْبةِ :
أوْراقُ لَعِبٍ و بَعْضُ الصُّحُفِ
قَلِيلٌ مِنَ الهَزائِمِ ،
كَثِيرٌ مِنَ الدُّخَانِ
يَتَصَاعَدُ مِنْ كَهْفِ آهَاتِي
شَوَارعُ ( بَاريسَ )
كَانتْ مُخضَّبةَ الأرْجَاءِ
تُلمْلمُ خُيُوطَ أقْدَامِي
تَلْهجُ بِالانْتِقَامِ
تُحَاوِلُ اسْتِلابَ مَرْسَاتِي
تُحَاولُ تَمْزيقَ أشْرِعَتِي . . .
أمْضَيْتُ فِي الغُرْبَةِ أيّامَاً
كَانَتْ مَلِيئةً بِالسَّنوَاتِ
مَلِيئَةٌ بِالشُّعورِ أدْمِغَتِي
الكِنَايةُ عَلى حُدُودِ لُغَتِي
كَالقَصْرِ يَزيدُهُ بَهَاءْ
حِينَ تَرْتَفعُ فِيهِ الأعْلامُ و تَرْتقِي
أمْسَى بَيْتِي مَرْبَع للأدَباءْ
و حُجْرَتي خَليَّةٌ للشَّاعِراتِ
يَسْطُو عَلَى أحَاسِيسِهِم قَلمِي
فَقلَمِي قُرصَانُ ,,
ليْسَ فِي قَلْبِهِ ” حَيَاةٌ ”
ألْقِيهِ فِي الأرْضِ
لِتخْضرَّ مَزْرعَتِي . . .
عُدْتُ و العَوْدُ أحْمَدُ
آكُلُ الخُبْزَ المُجَفّفْ ،
حَيْثُ أمَارِسُ النّفاقَ
فِي مَعَابِدِ التّصَوّفْ
أتْلُو حِكْمةَ جَدَّتِي
المَلِيئةِ بِالتَّطرُّفْ
أحْفَظُ أقْوالَ المُخْتارِ
المَمْنُوعَةَ مِنَ التَّصَرّفْ
حَتّى كِدْتُ يَا غُرْبَتِي
أُعْلِنُ فِيكِ نُبُوَّتِي . . .
———–
* شاعر و أديب فلسطيني .
—