مروى ذياب :
المرأة .. مدينة سلام
هي إمرأة لا تنبت الورود الّا على وجنتيها، إمرأة ترفض الفشل بالرقص، وترفض الوجع بغمازات الإبتسامة، تجرّب في كل مرة دواء الموسيقى في زمن النخاسة العاطفية، ترمم جسدها بمرمر الغزل ..
هي جبروتا لا يهادن العواصف وإنسان يؤمن بأن السلام يبعث النور في ثنايا الروح..
هي التي يستسلم لها الرجل كما تستسلم الحسناء للثوب الحرير، كما يستسلم للنوم العبد الفقير .. هي التي شفتاها تنبض قبلاتً تنسيك مواضع الطعنات.. هي التي يداها بلسم للجراحات .. هي التي حبّها وعطفها منبع للحياة .. هي التي مسكها أشهى النسمات، هي التي ثغرها ألذّ الفتوحات، هي التي تجمع بين كيد أنوثتها وقوّة الرجال .. هي رسول السلام ..
هي التي في كل مساء، تضطجع مقعدا وحيدا وتقبّل سيجارة وهم، تمسح أشظاء الكحل عن عينيها وتمسك صفحة بيضاء..
في كل مساء، ترسم لوحة لواقعها وأحلامها، وتلوّنها بقلم الحمرة الفاقع..
تجمع أوجاعها وتصنع منها قصص حب وأغانٍ ورديّة تنثرها في الثنايا.. هي التي قلبها سماء تمطر الحب وخيرها أرض تزهر في كل وقت، وروحها مدينة سعيدة تهوى السلام..
هي التي في كل مساء، تتحسس قطرات الحبر على نهد صفحات وتنصت لإيماءات الحروف بحذر، تتجسس قلبها وتحفر على الورق، تلك تنهيدات أنثى السلام اذا شاءت الرحيل سافرت نحو كومة الورق ..
وحدهُ الليلُ يغازلها، تلكَ الزنبقةُ الغجريةُ ، تائهةٌ هي بين ثنايا الحبر، تبحث عن ذاتها بين الصفحات .. تلكَ العطرةُ زهرُ البنفسجِ، صاحبة شفاهِ الكرزِ، سمراء بلونِ العسلِ، شهية بنكهةِ القهوةِ، بجمالها اليوسفيّ، تلكَ عنترةُ النساء ..
تلك التي لا تبحث بين الكتب، بين الأوراق، بين الحيطان سوى عن السلام.. تلك التي أتعبتها التنهيدات..
فوحدها التنهيدات ترتّب قامات الأقحوان، ووحدها التنهيدات تزفر عنبرا لتعطّر جوّ الغرفة، غرفة خنقتها رائحة السجائر القديمة..
ووحدها التنهيدات تحاكي تلك القهوة التي تثلجت نتيجة الإهمال، وتخاطب أجندة ذكريات ذبلت نتيجة الإهمال، وتلامس شفتاها التي جفت نتيجة الإهمال، والتنهيدات أيضا أتعبها الإهمال .. وحدها التنهيدات تبعث في الروح السلام ..
—-
تعطّري .. فالعطر عبادة
هي زهر الكولونيا وصوت الناي وخصر الكمنجة، هي التي تترنح في مشيتها كالطاووس، هي غصن من شجرة الحور، هي التي إنتقيتها أنتَ من بين آلاف النساء .. هي تلك الأنثى التي دغدغت فؤادك ..
هي موسم الكرز، هي قوافل السنونو، هي بساتين سنابل ذهبية تفوح غزوة بربرية، تقتلك بعطرها وتحييكَ بعطرها ..
هي زهر الليل تداعب النجوم بثغرها الباسم بالقبل،
تسدُلُ ظفائرها الذهبيةَ كنورِ سنابل القمحِ وقتَ إكتمالِ القمر،
تُوهِجُ حرَّ الليلِ بشطحاتِها وينجلي الليلُ على خصرِها حدَّ التّعَب،
والليلُ متعبٌ، والليلُ ينفخُ دخانَ التعبِ، نفسًا تِلوَ النفس،
والليل قد أدمن عطرها كإدمان العاشق على السهر،
أتعلم سيدي أن لكل إمرأة عطر ولكل عطر إمرأة ولكن قليلون من يفهمون فلسفة العطور ..
والعطر يتبجج بقلب المرأة وبمفاتنها صباحا ويزدادا توجّها بين تفاصيلها في المساء..
هي .. سفينة تبحر في منتصف المياه لوحدها، تحمل همومها لوحدها، وتتحمل همومكَ لوحدها..
من قال ان الهموم تقيد الانسان، إنما الهموم تصنع من اللاشيء عظماء..
هي سفينة تبحر لوحدها، هي شراع لنفسها تقودها كما تريد، لا سفن ترافقها، ولا جزر قريبة تحيطها ..
هي ذاكرتكَ الثرثارة وتاريخكَ المبعثر، هي أجندتكَ التي تخفيها وهي الوحيدة التي تركت آثار عِطرِها، هناك، في الجزء الأيسر على صدرك ..
——-
أنثى النيكتوفيليا
كانت بدل أن توقد شموعها تعلن الظلام، وتستتر بعنادِ الدّجى .. فلكل معجزة في الحياة عجائبها، وللظلام عجائبه أيضا، والسواد يزرع البطش والقوّة، وفي السواد ينبعث الحلم، وفي السواد تفتح الأبواب العصيّة في الذاكرة ..
هكذا هي تغفو طويلا وتستفيق آخر الليل.. الصباح لا يشبع روحها كما الليل.. هي في الليل تتبعثر مشاعرا من فوضى الأغاني وفي نور الشمس ترى الألحان تحترق.. روحها تلامس فقط نور القمر وهدوئها لا يتأقلم مع فوضى الصباح …
لذلك كانت تستسلم لجبروت الظلام، وتغلق أبواب أذنيها عن نباح الكلاب وعوي الذئاب، وتطرد أشباح الأنين، وتتخضّب بحناء الزيزفون بحثا عن بقعة ضوء ..
لا شيء يؤنس عتمتها بإستثناء صوت جوليا وصرير السرير وأجندة ترافقها ..
وهذا الليل المتوحّش بظلمته، الهادئ بنسماته، يشبه موسيقى السلام وفي أحيان كثيرة يشبه الخوف والحزن..
ظلام غريب كشوارع الغربة، وظلام صديق يؤنس وحدتها في الشوارع الفارغة، في المقاهي المهملة، وبين حيطان غرفتها المظلمة ..
والليل سيد الحلم، وسيد العاطفة وسلطان الذاكرة .. فلا ليل بلا ذكريات ولا ذكريات بلا ليل ..
وفي الليل تحلو مضاجعة دواوين الشعر، وتحلو المزاجيّة، وتحلو القهوة، وفي الليل يحلو الحبّ، ويحلو الوداع ..
تلك التي تؤمن بأن قبس الفجر لا يوقد دون عبور الليل، والظلام تذكرة عبور إلى النور، والظلام راحة لمضاجع النيام، والظلام دغدغة لجمود القلب، والظلام يشاكس سبات الحبّ، وفي الظلام تختفي الألوان وتسقط الأقنعة، وفي الظلام عوالم أخرى، وفي الظلام أيضا حياة ..
#نيكتوفيليا_(حالة_يعشق_فيها_الإنسان_الظلام)
—
لا تقترب من امرأة لا تكتب
إياك ان تدخل عالم امرأة لا تتقن التسلح بقلمها، إياك ان تقع في حب امرأة لا تعرف ثنايا الجنون، لا تقرأ في قين الليل، ولا تغوص في الصفحات فوق سطح القمر، ولا تبحث عن نور الكتب في وضح النهار.. إياك ان تعلق حلما بإمرأة لا تحلم .. تذكر “امرأة لا تكتب هي كائن لا يتقن قراءة سطور الحياة” .. فقط ابحث عن امرأة جميلة بما تكتب، بما تعرف، والكتابة دواء، والكتابة نبيذ الشعراء، والكتابة طريق لكل الأشياء ..
لا تقترب من امرأة تتجاهل السياسة والثقافة، لا تقترب منها اذا كانت لا تفهم خبايا المجتمع.. إياك ان تبحث عن القوة في كيان امرأة لا تعرف الانتقام، ضعيفة، مسلوبة من كيدها، لا تعرف كيف تطير بأفكارها، بأحلامها..
ولا تثق في امرأة لا تثق في خطواتها ..
فقط اندفع نحو امرأة كبيرة بعقلها، جبارة بقلبها، عظيمة في انوثتها، وكيدها اعظم..
وان احببت عظيمة فستكون عظيما لامحالة ..
—-
* صحفية تونسية، وباحثة في العلوم السياسية والعلاقات العامة. من مواليد 1990. متحصلة على شهادة في علوم الإعلام والاتصال وعلى الماجستير في العلوم السياسية. بدأت عملها الصحفي مراسلة لعدد من الصحف اليومية كجريدة الخبير التونسية وجريدة الموقف المعارضة وجريدة الأولى، ثم عملت بالإذاعات كراديو “كلمة” وراديو “أنا تونسي”، كما تعاونت مع بعض القنوات التونسية كالعالمية التونسية في برامج ثقافية (بانورما وحوس تفهم) ونشرات الأخبار وروبورتاجات سياسية والتلفزة الوطنية التونسية 1 في برنامج سياسي هزلي (بوليتيكس)، وكذلك مع عدد من المواقع كجدل.بالحبر التونسي وموقع مراسلون واليوم هي إحدى الصحفيات في وكالة الأنباء القطرية وموقع ميدان قطر الإلكتروني.
2 thoughts on “نصوص بقلم: مروى ذياب*”