شهدتْ جامعة المستنصرية في العراق في قسم علم النّفس ندوة متخصّصة عن رواية “أُعْشَقُني” للرّوائية الأردنية د.سناء الشّعلان،وقد قدّم النّدوة أ.م د. حسنين غازي لطيف من قسم اللّغة العربية في الجامعة ذاتها،وقد حملت النّدوة عنوان تقنية (المشاهد الجنسية والرّسائل في رواية ُعْشَقُني).
وقد قال د.حسنين غازي لطيف في مستهلّ الندوة :” إنّ كلّ نصّ يفرض نفسه بما يمتلكه من معطيات واكتنازه بآليات سردية، تفرض على الناقد تتبعه ،ومحاولة سبر أغواره ،ورواية “أُعْشَقُني” للروائية المبدعة الدكتورة سناء الشّعلان يمكن أن تُعدّ من أهم النّصوص التي تثير إشكاليات كثيرة ،ودراستي تناولت جانبين من النص السردي في الرواية إذ تناولنا تقنية “المشاهد الجنسية والرسائل” لأننا وجدنا في هاتين التقنيتين الشيء الأبرز في الرواية ،وكأن الروائية أدركت مسبقا حاجة المجتمعات العربية لاستعادة لغة الحب والعاطفة وعصر الرومانسية الذي افتقده المتلقي العربي، في عصر الحروب الذي نعيش فيه ،والرواية تمتلك مساحة عريضة في الاشتغال السردي جعلت من النص، يقترب الى لغة الشعر أكثر من اقترابه الى لغة السرد ،وقد عرجنا على أكثر الظواهر الملفتة للانتباه كخلق العوالم المتناقضة ،والقضاء على الزمن البطولي فلا بطولة في ظل تحكم الآلات والروبوتات والحكومات الظالمة، الرقمية وغير الرقمية، لقد اعتمدت الدراسة النص حصرا ولم نلتفت إلى أمور خارجية بعيدة عن ما تمنحه اللغة السردية للدارس من شفرات يتمكن من خلالها التعامل مع نص إبداعي ثري بكل ما تعنيه كلمة الثراء، فقسمنا الدراسة على مبحثين الأوّل تناولنا فيه تقنية المشاهد الجنسية وما يتوافق معها من بيئة ولقاء وتواصل وتهيئة ملامح الشخصيات عبر التشخيص، وعرجنا على لغة المشاهد الجنسية وما تحمله من إصرار على تحدي الحكومات والكون بكل مظالمه لبني البشر، والمبحث الثاني تناولنا فيه تقنية الرسائل التي تستحق أن تكون رسائل محبين فهي لغة منتقاة بدقة متناهية ،كل كلمة في هذه الرسائل تحمل أكثر من معنى من معاني الحب ،كل عبارة في هذه الرسائل هي جمل شعرية ،وكل قصة هي قصة حب كاملة ،ومن أبرز ملامحها العاطفة الجياشة، والجميل في الأمر أن الروائية منحت (خالد)و(شمس)أبطال الرواية المساحة الكاملة للتعبير عن كل ما في داخلهم من مشاعر فلم تكن الرسائل الخالدية الوحيدة في الرواية بل وجدنا رسائل (الجمرات )و(الصلوات)التي صدرت من شمس لخالد، وكل نوع من هذه الرسائل، يفسر احتياج طرف الى الطرف الآخر واشتياقه وإحساسه بالحب تجاهه، وإن كل ما قدمناه في هذه الدراسة هو محاولة لتفتيت الماسة (أُعْشَقُني)ومعرفة موادها الأولية، أو الرجوع الى مرجعيات نصها وموضع الروائية في عملية السرد وأين كانت تراقب نصها أم تشارك فيه ،أم تتفرج على أبطالها وهم يذوبون عشقا، وهلاكا. ومن المؤكد ان رواية (أُعْشَقُني )نص يستحق دراسات وليس مقالات سطحية لا تدل على التعمق ومعايشة النص أو العيش فيه.
كما أضاف عطفاً على النّقاش الذي دار مع الجمهور إثر الأفكار التي طرحها في ورقته : ” ان أهمية رواية “أُعْشَقُني” تكمن في أنّنا في الوضع الراهن نهرب من الواقع الى العالم الخيالي محاولة للتملص من الألم والضغط النفسي، وما نعنيه بالخيال العلمي هو سرد خيالي مثير ممزوج بحقائق علمية ونظرات تنبؤية بعيدة،لكن استباق الروائية وتعايشها مع عالم روايتها المتخيل جعل من هروبها معكوسا من العالم المتخيل الرقمي المتحجر الذي تنعدم فيه لغة الحب والمشاعر والتسامح والوفاء، إلى العالم الواقعي الذي تجد فيه الملاذ الحقيقي لها ولأبطالها ويمكن أن أعد هذا الأمر من أهمّ الابتكارات الإبداعية لدى الروائية الدكتورة سناء الشّعلان.
كما أضاف في حديثه عن أهم ثيمات الرّواية وطروحاتها :” إنّ رواية (أُعْشَقُني) ليست رواية إنّها ثورة و”الثورة” التي أعنيها هي محاولة الروائيين الجدد تناول الوجود فنيا وفكريا بشكل مغاير، مغامرة تتسم بالجرأة ومحاولة الخروج على استقرار التقنيات والرؤى الفكرية السابقة ،كأنهم ينزعون عن عالم الإبداع الروائي، ومن ثم يعبرون عن رؤاهم الجديدة في إهاب غير نمطي يتحرى عالما أكثر تعبيرا عن توق الإنسان للحرية
وقد خلص الدكتور حسنين غازي لطيف في نهاية النّدوة إلى أنّ التتبع الدقيق والقراءة المستفيضة لرواية (أُعْشَقُني)يمكن أن يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي أنّ الرّوائية تمتلك الملكة والخبرة والحرفية الكاملة التي يحتاجها الروائي، فقد سخرت الروائية جميع التقنيات التي يمكن أن تخدم النص الروائي وتدعمه بطاقات تعبيريّة وإيحائية، وما تناولناه في هذا البحث من مشاهد جنسية ورسائل هو محاولة متواضعة لفك رموز وشفرات النص الروائي ،ليكون نصا غير محصن أمام سلطة النقد والبحث العلمي والأدبي على حد سواء، لكنه يبقى نصا روائيا ينأى بنفسه عن أن يستسلم بسهولة لناقد أو قارئ أو متلق، وفي الوقت الذي جسدت فيه المشاهد والرسائل وحكايات النوم مثلثا سرديا يستقطب تعاطف المتلقي وعلى الأخص حكايات النوم، لأنها تتعامل مع الطفولة وكل ما فيها من براءة وجمال وألق، فالروائية أعدت مهدا للطفولة في روايتها قبل أن تولد (ورد) من خلال ما تحكيه بطلتها شمس عبر حكايات النوم لورد ،فقد كانت الروائية تبث أنوثتها عبر شمس وأمومتها من خلال العلاقة بين شمس وابنتها ورد، اللغة كانت العلامة الفارقة في تمكن السرد الروائي من شحنها بكل الطاقات التعبيرية للمفردة ،فكانت الرواية ملأى بنصوص شعرية تعلو على درجات الصفر في الكتابة عند رولان بارت بدرجات كبيرة، شعرية سردية في رسائل خالد لشمس، بما تعنيه كلمة الشعرية وليس بالمعنى البلاغي الضّيق ،إنّ الرواية تمتلك خطوطا واضحة عبر الأبعاد الثمانية التي أعدتها الروائية وكان الأقرب لها هو البعد الخامس لان الحياة بلا عاطفة تشبه العيش بلا روح، هكذا يفترض أن يكتب النص الروائي انزياح عن الانزياح وعدول عن العدول ،نهنيء الأدب العربي بمولد روائية مبدعة مثل الدكتورة سناء الشّعلان.
—