الكتابات مرايا للروح، والحب في الكتابات سفرة مفتوحة لكل من هب ودب من الأرواح الجميلة.
فالعشاق هم من يغرقون في عقيق التأمل ليروا الأرواح الأخرى التي ترسمها لوحات الكتابات..
العشاق هم من يحبون الرقص على نغمات أحرف الكتب لتنهمل شطحات أعينهم حفاة عراة على الورق.
وهم من يتقنون تجميد وجوههم في تعبير مبتسم مفعم بحياة الكتب.
وهم من تتحنط خاصراتهم الذكر والأنثى منهم في مقدمات العشق على قداسة ألحان الروايات في الكتب.
وهم من يحترفون معاني الكف على الطبلة والقوس على الكمنجة ويضعون أياديهم على قلوبهم على أطلال الشوق للمعشوق.
وهم من ينامون على هزات نسائم الفجر ويصحون على تهفهف الستائر تحت شرفات حجراتهم البيضاء الصافية كصفاء قلوبهم.
وهم من لا تخيفهم فصول الدماء ولا صور سفاكي الدماء.
والعشق لا يختصر في حب أب أو صديق أو رفيق درب، العشق أبلغ من ذلك، العشق يكبر ابتداء من الوطن إلى حضرة الأرواح.
فتلك المدينة الخضراء البعيدة، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، عروس المغرب العربي، تونس، وحدها عشق أبدي في قلوب من يقدر حبها، ووحده الملهم في الحب والكتابات والنجاح.
تلك المدينة الوحيدة التي يشتد فيها وهج حبها في صدري كلما حملت حقائبي وعدت إلى دفئها.
تلك المدينة التي لا يضاهي ترابها جميع ثروات العالم، تلك التي شوارعها وآثارها ومتاحفها وجدرانها وطبيعتها وحضارتها وأحياءها وأمواتها هم أكسجين حياة أبناءها.
هو العشق يفعل بالعاشق المجهول والعشق عقيدة وعبادة.
تلك المدينة التي لا تتعب من مخاض الأوجاع وتزداد خضرة رغم ارهاب الدماء ولا تكبر ولا تظهر على وجهها تجاعيد الزمن مهما طال الألم.
وحده التونسي وكل من حط قدميه على أرضها يدرك مقدار عشقه لها وعشقها له.
ووحدهم التونسيون من تعلموا كيف يحملون أعباء العالم فوق رؤوسهم، ويمضون في صخب الحياة وبهوها.
ووحدهم من يغيرون مشهد أكفان الأصدقاء والأقرباء برايات بيضاء تبعث السلام ولا شيء غير السلام.
أرضنا خضراء ليست للدماء ولا يليق بها الحداد الأسود وليست مسئولة عن خيانة أعداء السلام لها، وليست مسئولة عن جهاد ولا نكاح.
وحدها تونس من تحب الربيع طوال العام، ومن أرسلت عطر ياسمينها لدول الجوار ومن أذهلت العالم بشعب ثائر مقدام وليست مسئولة عن طفيليات الارهاب، وأشباه الرجال، فالخونة في كل مكان ولكن شعبا بهذا الكم من الثورة والتحرر والسلام وهذا البلد بكل ما فيه من حياة وجمال لا يمكن أن يرسل مرسالا غير معنى السلام.
وحدهم التونسيون أغصان الياسمين العطر من رقصوا حرية رغم تراتيل مدامع الثكالى ووداع الشهداء.
وهم من قدسوا المقاومة في حضرة السلام.
التونسيون الذين لم يهربوا، حين اندلعت التفجيرات، ولم يعودوا إلى بيوتهم حين هب الرصاص، ولم يهابوا القنص ولا اللحي ولا النقاب المفخخ وآمنوا بحب الوطن أشد إيمان.
فخرجوا بالورود الحمراء لطمس فضاعة الدماء، وأطلوا بالابتسامات ردا على الطعنات.
وحدهم التونسيون لا يشبهون غيرهم ووحدها تونس تبقى أم الثورات وأرض الحضارات ومهد الياسمين وباعث السلام.
—