شعرتُ.. ثمة شعرية عالية في الكتلة الصماء، اثناء عملي.. سنوات الحصار مع احد المقاولين في ترميم سقف كاتدرائية (المحبول بها بلا دنس) في منطقة الخندق..استوقفتني عميقا هذه الكاتدرائية من خلال عملي فيها لمدة ليست بالقصيرة ..يومها شعرت ان للمكان وظيفة يعلنها من داخله بشكل أعمق وهذه الكاتدرائية من أقدم كنائس المنطقة الجنوبية في العراق قاطبة ..أوحت لي هذه الكاتدرائية انها تختزن ازمنة البصرة المؤتلفة ليس من خلال الوثائق العتيقة التي اطلعتُ عليها ولامن خلال القبور القليلة التي تشير الى تواريخ شخصية او ثقافية أو وطنية ، أو في قوس قبتها العالية..أليس الزمان تركيبتنا الانسانية ذاتها، بل هو رحم كوني، قبل ان يكون روزنامتنا ؟ ..شعرية الهندسة المعمارية يتفنن في سردها المعمار العراقي العظيم رفعت الجادرجي ،فهو لايكترث للداخل فقط ،بل هو أول مَن فكّر وأهتم بمعالجة الشكل الخارجي للواجهات – حسب صبحي قحاوش- وايجاد كاسرات الشمس بطريقة ابداعية ،على ممر خارجي يحيط بالمبنى لتوفير الظل، من أجل تقليل الحرارة أولا وثانياً لتكسير شدة الضوء وتخفيف حدتها وانتقالها الى الداخل بعيدا عن الزغللة للعين المجردة ..انه رفعت الجادرجي ابن الشخصية الوطنية كامل الجادرجي الحاصل مؤخرا على جائزة التميّز والى الابد من جامعة كوفتري البريطانية..فقد أعلن البروفيسور مايكل فيتزيترك عام 2015 أختيار لجنة تحكيم لجائزة تميّز : المعماري رفعت الجادرجي لنيل تميز للأنجاز المعماري مدى الحياة، وسلّم الجائزة أحمد الملاّك مؤسس الجائزة للمعماري رفعت الجادرجي في منزله في لندن ..
نقول رفعت الجادرجي ونعني نصب الجندي المجهول 1958..قاعدة نصب الحرية 1958..بناية البريد المركزي في السنك 1970..مبنى اتحاد الصناعات الوطنية 1966 ومبنى المجمّع العلمي العراقي في السنة نفسها..مبنى مجلس الوزراء 1975..مجمعات مبارك الحساوي في حوللي والسالمية فيلا عائلة الحمد. والعديد من سرود الهندسة المعمارية.. وبالسياق نفسه .يرى رفعت الجادرجي : حينما هدم القسم الأعلى من باب جامع مرجان فقد أدى الهدم الى زوال قسم من الذاكرة العراقية…تُرى ماذا قال رفعت الجادرجي حين ازيحت ساعة سورين من البصرة، أو ماجرى للبصرة بعد 2003، حيث اختفى من على الارض صرح بهو الادارة المحلية ؟ ..كما اختفت صالات السينما من البصرة كلها..؟!
*عمود صحفي اسبوعي/ صحيفة طريق الشعب /26/ آب/ 2015
—