رشدي العامل..حضور شعري لم ينفصل عن الرواد منهجا..والذي اقترن بالرومانسية اتجاها فنيا ومضمونا شعريا واسلوبا تعبيريا..قدم له الناقد حاتم الصكر(شاعر ملتهب العاطفة مغرق في الشعور بالوحدة والتفرد يستعذب طقوس الالم ويعيش على امل لايسعى الى انجازه..)..ابتداء من همسات عشتروت1951 واغان بلا دموع 1958 وعين بغداد والمطر 1961 ومرورا بديوانه للكلمات ابواب واشرعة 1971وانتم اولا 1975وهجرة الالوان 1983 وانتهاء بحديقة علي1989و الطريق الحجري 1991..والتي تكشف مضموناتها بقوله الاعترافي(نعم انا شاعر رومانسي..فالقصيدة تتحكم بي الى درجة العذاب واحيانا تنعطف الي فاحبها في الحالتين..)..بالرغم من انتمائه الى الجيل الثاني في حركة التجديد الشعري متمثلا بـ (السياب ونازك الملائكة والبياتي..) وظهور حركة الشعر الحر الذي اتاح مقاربة مضامين تنسجم وحركة العصر..
الفانوس المتلأليء في الدرب
يظل وحيدا
حارس نصف الليل
يظل وحيدا
قاع النهر اذا جف الماء
يظل وحيدا
ــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــ
وانا ضوء الفانوس
وحارس الليل
وقاع النهر اليابس
فالشاعر بنصه المكتظ بلغته اليومية الموحية..المعبرة عن واقع مشبع بالصور والصياغات المتفاعلة مع المحيط وانعكاساته..يكشف عن الارتباط الجدلي بين الذات كتكوين يشغل حيزا يتأثر ويؤثر في المحيط الاجتماعي باشيائه.. وجودا يحتضن عناصر الصراع..فتتبدى صورة الوحدة العضوية ببعدها التجريدي الذهني/والحسي البصري..اضافة الى انه بعينه الانسانية الراصدة لتفاصيل الوجود يستنطق اللحظة الشعورية بنسق لغوي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية المتشكلة وفق تصميم ينم عن اشتغال عميق بتوظيف الجزئيات ونسجها نسجا رئيويا يرقى من المحسوس الى الذهني بمجمل تحركاته الدرامية ودلالاته اللفظية باسلوب دينامي حالم يتداخل والسياق الجمعي نتيجة امتلاكه قدرة تعبيرية مختزلة لتراكيبها المتجاوزة للقوالب الجاهزة,,فضلا عن اعتماده تقانات فنية كالتكرار الذي يشكل ظاهرة اسلوبية وصوتية مضافة للقافية الداخلية والخارجية التي تضفي نبرة مموسقة على النص وتسهم في شد المتلقي للكشف عن عوالم النص واستطاقه لتحقيق المتعة والمنفعة..
ياسيدي جاءتك من باريس
جاءتك الرسالة بالبريد
وانت ذاهل
أ حمامة النسيان جاءت بالرسائل
لم تلق اصحابي فعادت
أم أتانا طارش في الليل من طرف العيال
فالنص لحظة شعورية تنفذ الى الذاكرة وتستفزها لاتسامها بالقصدية والتركيز الدال بلغة متجاوزة بانزياحاتها التي تشكل علامة تفاعلية بين الذات والموضوع..اضافة الى ان شعريته تقوم على التقابل بين عالمين: اولهما المكان بصفته بؤرة ثقافية وكيان اجتماعي. وثانيهما الذاكرة..بلغة متجاوزة جامعة ما بين العامي القريب من الفصحى المتفردة بشروط لغوية وضرورات شعرية دالة..خاضعة لقواعد اللغة الاعرابية والايحائية والدلالية التي تختزنها تلك المفردات.. والفصحى.. تقوم بتصوير الواقع بمحطات باعثة لحقلها الدلالي الذي يقوم على سرد توصيفي مشهدي يكشف عن تجربة احتضنت بعدا موضوعيا وجماليا تمثل في تداخل الذات تكوينا وارتباطها بالعالم(الوجود)بتوظيف التعبير العامي(طارش) الدال على فصاحته بخضوعه لتطور صوتي واخر دلالي من اجل اغناء لغة الشعر بالعودة الى اليومي باعتباره من الظواهر اللافتة في الخطاب الشعري من خلال الافادة من معطياته واجوائه ومعانيه بغية اثراء الصور وخلق مزيد من التفاعل مع الوسط المجتمعي.. كون الشاعر من المتأثرين بدعوة ت.س.اليوت المنادية بـ (ضرورة اقتراب الشعر للغة الحياة اليومية لتجديد حيويته..لذا كانت نصوصه الشعرية تقترب من روح الحياة وحركة الواقع ليعيد خلقه فنيا..
حين وجدت طريقك للبحر يدنو
نسيت بان الضفاف رمال وملح
فأغمضتَ عينيك، يا للبلاهة
مازال بينك والضوء
ليل وشوك وصخر
وقبل المفازة جرف ونهرُ
وبينك والبحر يمتد قفرُ
وليس هو الصبحُ
ليست هي الشمسُ
لكنْ تلألأَ جرحُ
متى يا نزيل السراب الجميل
متى تستفيق وتصحو
فالشاعر يترجم احاسيسه وانفعالاته بابداع رؤيوي عميق بتوظيف تقنيات فنية محركة للنص كالرمز..السمة الاسلوبية التي تسهم في الارتقاء بشعرية النص وتعميق دلالاته للتعبير عن حمولة نفسية مؤثرة..لذا فهو ينتزع لفظة (البحر) من ارتباطها الجغرافي ويقرنها بذاته عبر حوار ذاتي.. والتكرار الذي يشكل ظاهرة اسلوبية وصوتية..فضلا عن احتضانه دلالة نفسية وعاطفية خارج الذات كاشفة عن الحالة القلقة التي يعانيها الشاعر الخالق لعالمه الشعري الذي يجمع بين الذات ببعدها الفكري المؤطر لسيرة حياته والواقع الموضوعي بكل موجوداته..اضافة الى ان بناء النص الشعري عنده يجمع ما بين موسيقى الشكل واللغة مع احساس بالتفرد وشعور بالغربة نتيجة اغتراب ابنه(علي) تاركا له وجودا تذكاريا (حديقته) التي مثلت اغترابا مضافا على ذات تعيش اغترابا مجتمعيا واقعيا.. لذا فهو يتخذ وسيلتين للقضاء على هذا الاحساس:
اولهما: اتخاذ الشعر وسيلة لادراك الوجود الكوني ومحاولته هدم جدار العزلة والاغتراب الموضوعي والاتصال بالعالم وتجاوز حدوده عبر الادراك الواعي للودجود..والتعبير عن احاسيسه المتصارعة..
وثانيهما: الركون الى الوحدة كونه يعاني من احباطات نفسية واغترابات داخلية ومجتمعية ظلت مرافقة له حتى تدوين اخر نص شعري له..
وبذلك قدم الشاعر تجربة تتسم بخصائص فنية ودلالية كان في مقدمتها حضور الذات والوجدان الانساني والطبيعة بابعادها الرامزة..الموحية وسط حقل زمكاني حكائي تشكل من تفاعل محورين فنيين متداخلين هما::النفس المطبوعة والتلقائية ومحور الصنعة والرغبة العقلانية والفكرية التجديدية..على حد تعبير الناقد فاضل ثامر..
—–
*الموجز لبحثي الذي شاركت فيه عبر فعاليات مهرجان المربد الثاني عشر..
—