الــبـــلاغ:
نشير بالقول هاهنا؛ بأن المسرح المغربي؛ يعيش جفافا حتى على مستوى الكتابة في المنابر والصحف وحتى الصحف الالكترونية؛ طبعا سيتساءل المرء: كيف تتحقق السيولة القلمية والتعبير عبر الكتابة والمكتوب تحليليا أو انطباعيا أو وصفيا للمشهد الثقافي والمسرحي؛ وهو أساسا يعيش انتكاسة و جفافا في العطاء والممارسة الإبداعية الخلاقة ؟ إنه لمبرر مغلوط وتغليطي؛ لأن هناك عوامل مساهمة في هــذا التردي[ !] أبرزها جفاف الفكر ويبوسة الحبر؛ ولم تعد هنالك مواكبة لكل ما يتحرك في المشهد الفني سلبا/ إيجابا/ تصريحات / بيانات / بلاغات/ …./ لتوثق وتؤرخ في سياق الإعلام الابداعي والثقافي كتابة وتجسيدا. وبالتالي فهذا الوضع أفرز زعيقا وكلاما على عواهنه ؛ وأنشطة مسفة للذوق الفني والمواكبة التحولية والتطورية؛ فأمسى كل يغني على لياله؛ وينتـظر ظهور شهرزاد خارج ستائر شهريار؛ لتعم التصريحات والأقوال والبلاغات الطنانة والنارية بدون متابعة نقدية ؛ كاشفة عن زعيـق وأصحابه ساهموا في الجفاف المسرحي؛ منذ ما يقارب العقدين؛ مثل البلاغ الذي توقفنا عنده سابقا ومفاده : نعم باسم المسرح والمسرحيين، أعتبر عدم تنفيذ ما جاء في الرسالتين الملكيتين الساميتين مؤامرة على المسـرح والمسرحيين والثقافة المسرحية بشكل عام عبر منابرها. وإني أدعو بهذه المناسبة إلى محاسبة الذين كانوا السبب الخفي في السكوت عن تطبيقهما، مثل هؤلاء وغيرهم من المندسيـن، الذين ساهموا في إقصاء دور المسرح في توعية وتنمية وتطوير الإنسان المغربي والاعتزاز بفنه وفنانيه وثقافته .. نعم ، ترى من يستطيع إضافة شيء يلغي ما سبق …؟(1) فالبلاغ – نقابي – هـكذا يبدو؛ ولكن حينما أشار إلى [ الرسالتين الملكيتين الساميتين] هـنا نستشف ؛ بأن الوضع النقابي في أدبيته وتصوراته مهزوز إلى حد الارتجاج الفكري/ الخطابي:
كــيف ذلـــك ؟؟؟
مبدئيا كيف انقلب السحر على الساحر والساحر على السحر؟ بمعنى كل المسرحيين أعلنوا [ الاحتراف] وانخرطوا في مكاتب الفروع ؛ والفروع في الجذوع ؛ وبعضهم في المجلس الوطني، وبعضهم منسقا عاما للفروع دون الجذوع ؛ بحيث تمظهرت لخطبة قانونية ومفاهيمية وتنظيمية ؛ أفرزت سوقا بدون رقيب؛ وفي جوانيته – أوهام السوق- “وكلها أوهام ينبغي التخلي عنها وشجبها، وتطهير العقل وتحريره منها، حتى لا يبقى ثمة إلا مدخل واحد إلى مملكة الإنسان، المدخل القائم على العلوم؛ مثلما أنه لا مدخل إلى مملكة السماء إلا عبر طهارة الطفولة (2) لا يمكن أن يتم تطهير العقل وتحريره ؛ كطهارة الطفولة؛ لأن العديد مستفيد من الوضع القائم؛ ليبني مجده التاريخي؛ وثانيا يستفيد من الريع الثقافي ومن الهبات المقدمة مقابل خدمات تساهم في تجفيف منابع الفعل الإبداعي الحقيقي؛ وبناء عليه؛ فنقابة المسرحيين المغاربة؛ خرجت من عباءة (النقابة المغربية لمحترفي المسرح) هنا فقانون الحريات العامة يبيح إنشاء وتأسيس جمعيات ونقابات؛ ولكن على أساس مقتضيات تفرض التأسيس للحفاظ على شرف المهنة والارتقاء بمستواها ؛ كتنظيم قانوني، يتكون من أشخاص يعملون أو يمتهنون مهنة واحدة أو مهن متقاربة أو صناعة أو حرفة مرتبطة بعضها ببعض،لكن المثير فالمشرع المغربي لم يعرف النقابة المهنية( إطلاقا) و إنما اكتفى بتحديد وظائفها في محاولة لتميزها عن باقي المؤسسات الجمعوية، وكذا ليتمكن من رسم حدود لممارسة نشاطها. و هكذا كلما حاولنا الحديث عن تحديد لمفهوم النقابة المهنية نجد أنفسنا أمام تحديد لوظائفها؛ ليس إلا و على هذا المستوى نلاحظ تغييرا كثيرا بين ظهير 16 يوليوز1957 و مقتضيات مدونة الشغل. حيث ينص في فصله الأول على: ” أن القصد الوحيد من النقابات المهنية هو الدرس و الدفاع عن المصالح الاقتصادية و الصناعية و التجارية والفلاحية الخاصة بالمنخرطين فيها”. في حين أن المادة 396 من مدونة الشغل تقول:” تهدف النقابات المهنية بالإضافة إلى ما تنص عليه مقتضيات الفصل الثالث من الدستور إلى الدفاع عن المصالح الاقتصادية و الاجتماعية و المعنوية و المهنية الفردية منها و الجماعية للفئات التي تؤطرها و إلى دراسة و تنمية هذه المصالح و تطوير المستوى الثقافي للمنخرطين بها. كما تساهم في التحضير للسياسة الوطنية في الميدانين الاقتصادي و الاجتماعي و تستشار في جميع الخلافات و القضايا التي لها ارتباط بمجال تخصصها. إذن ففي غياب قانون مهنة التمثيل؛ فما دور النقابات مسرح[ المحترفين] علما أنه : يصعب وضع ملامح واضحة لمفهوم الاحتراف في غياب ترسانة من القوانين والتشريعات والبنيات المادية وكذا في غياب توحيد الأجهزة المفاهيمية…. نحن نعتبر الخطة الوطنية لتأهيل القطاع المسرحي الاحترافي ببلادنا مدخلا أساسيا وأرضية صالحة وملائمة لتحديد حدود التوافق والاختلاف معا(3) فنلاحظ بأن ما يسمى بالمسرح( الاحترافي) لا زال يتخبط في المفاهيم فبالأحرى المقتضيات القانونية؛ وبالتالي فالبلاغ المذكور أعـلاه؛ يثير مسألة الرسالتين؛ بحيث لا زالت عقلية ( الهواية ) ومنظور( الهواة) حاضرا في الخطاب؛ ولو أنه كان راقيا وفي مستوى التفاعل الاجتماعي والسياسي؛ ولكن حينما انتقل للضفة ( الانتهازية والمصلحية) أمسى خطاب – أضحوكة- وتهكما؛ لأن من انخرط في نقابة المحترفين؛ ساهم بشكل مباشر في إقصاء دور المسرح ؛ وفي توعية وتنمية وتطوير الإنسان المغربي؛ وبالتالي فالهواة هم – المندسين – في شق الاحتراف؟؟؟
مـكـــاشــــفــة:
نتمنى أن يفند أحدهم ما نخطه؛ ونصرح به ؛ لأنه من العيب أن يتكلم المرء على الحق المسرحي؛ وملفه شاهد وشهيد على ممارسته في الحقل الإبداعي؛ من مؤامرات ودسائس ونرجسية مفرطة؛ أدت بشكل مباشر إلى تمظهر جفاف وجفاف قاتل للفن والإبداع المغربي؛ بحيث قاعات دور الشباب في أغلب المدن شبه فـارغة وأمسـت شبه مقـرات للخطابات الحـزبية والتأسيسية، والتجـمعات الـكروية؛ وغيرها كتنظيم الأعراس( قاعة الحفلات ) يعني. وبالتالي فحتى التنويع المسرحي الذي يحقق اختلاف؛ من أجل الخصوبة ؛ لم يعد هنالك تنويع وعطاء كالمسرح – الجامعي – بمعناه العملي وبعطائه الأكاديمي وعروضه المستنيرة والمنبثقة من رحاب الجامعة وليس من خارجها؛ كاختيار جمعية من فضاء شبابي أو هاوي وتـقحم علانية وبتواطؤ العديد من الممارسين؛ في بعض المهرجانات الجامعية المتبقية لحد الآن ؛ وهاته الممارسة الجانحة عن الإطار الحقيقي للفعل الأكاديمي؛ فجرت سلوكي ومسلكيات خطيرة جدا؛ بحيث أمسى المهرجان مـزارا للـتسييح وبطاقة فـلكلورية للعباد وسوقا للانتهازية وتبادل المصالح خارج المنظومة التعليمية؟ مما انفضح الجو والوضع الأكاديمي من داخله ؛ وانمحت خصوصيته وهويته ؛ التي تـختلف جذريا عن طبيعة ـ المسرح الهاوي والاحترافي والشبابي – لكن في سياق الرداءة وتمييع المشهد وتجفيف عطائه؛ فالخصوصية والهوية والنوعية اختلط أمرها؛ باختلاط عملية الارتزاق وجمع فتات الموائد؛ إذ كيف يمكن تفسير – أستاذ جامعي- يكشف عن هويته الارتزاقية والاستغلالية والانبطاحية من أجل دريهمات أو سفر/ رحلة لبعض الدول؟ مقابل هـذا أين المسرح المدرسي بأسلاكه ثلاثة ؟ رغم أن هنالك محاولة لإحيائه في السلك الأساسي؛ لكن لا أحـد من النيابات التعليمية يقبل احتضانه واستقباله ؛ فلولا مبادرة نيابة فاس في 2014 ونيابة الداخلة في 2015 لما كان ؛ ورغم هـذا الإحياء المبتور؛ فلم يكن من صميم خصوصية المسرح المدرسي ؛ بل انطلاقا من استـدعاء مؤطـرين وفاعلين في المسرح خارج المؤسسات التعليمية [ ! ] ففي ظل هــذا التلاعب وإقحام ما لا يمكن أن يقحم؛ في جميع مستويات العملية المسرحية، خاصة أن هذا المسرح ينظم من طرف المؤسسة التعليمية؛ والمسرح الجامعي يؤطر من داخل هذه المؤسسة نفسها . فكيف لا ينهار تعليمنا وثقافتنا وإبداعنا ؟ والأخطر من كل هـذا اندحار المهرجانات والأيـام والملتقـيات الـمسرحية والـكل طواه النسيان؛ حتى أغلب الصحف الوطنية والجهوية صفحاتها شبه فارغة من شيء {اسمه} المسرح؛ بحيث : لقد وصلت العلاقة بين الثقافة والصحافة إلى الطلاق . انتهى الأمر وهذه هي الحقيقة التي جعلت الصحافة تتراجع في مبيعاتها لأن ثمانين في المائة من قراء الصحافة في ذلك الوقت كانوا يشترون الجريدة؛ من أجل الثقافة وليس من أجل السياسة(4)هاته هي الحقيقة التي يمكن أن يتمركز عليها أي حوار فكري ثقافي؛ لماذا هـذا الجـفاف في شتى المجالات ذات الارتباط بروح الثقافة والإبداع ؟ إذ السؤال الأسمى؛ لماذا تخلى الأغلب الأعم عن مهامه التاريخية؛ وظل متشبثا بوهم الاحتراف؛ والانغماس في عوالم النقابات؛ وليست هنالك نقابات مهنية؛ فلو كانت فعلا فلما أضحى الزعق والزعيق وإصدار البلاغات والبيانات . فنلاحظ في الفصل 404 من المدونة يعطي للنقابات المهنية حقوقا من بينها :تتمتع النقابات المهنية بالأهلية المدنية و بالحق في التقاضي و يمكن لها أن تمارس ضمن الشروط و الإجراءات المنصوص عليها قانونا جميع الحقوق التي يتمتع بها المطالب بالحق المدني لدى المحاكم في كل ما له علاقة بالأعمال التي تلحق ضررا مباشرا أو غير مباشر بالمصالح الفردية أو الجماعية للأشخاص الذين تعمل على تأطيرهم، أو بالمصلحة الجماعية للمهنة أو الحرفة التي تتولى تمثيلها. ولكن حينما نجد ويجد المسؤولين تصريحات تعطي واقعا مخالفا عما هـو كائن في الممارسة اليومية؛ وهو أحد الفاعلين والمؤسسين للنقابتين( الأولى) في زمن التهافت و( الثانية) في زمن الإقصاء ورد الاعتبار يقول بقوله: المسرح المغربي بكل تأكيد قطع أشواطا متعددة،،،، راهنا نعيش فترة جديدة تتسم بتوسع فضاءات العرض، شيد مؤخرا مسرح كبير بوجدة، وهناك مسارح في طور التشييد بكل من الدار البيضاء والرباط ومجموعة أخرى من المدن المغربية، هناك معهد عالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، هناك خريجون جدد كل سنة، وهناك مجال لدعم الإنتاج والتكوين والمسرحي وغير ذلك من المبادرات الداعمة للمسرح، بذلك يمكن القول إن المسرح المغربي بعد مائة سنة استطاع أن يقف على قدميه وأن يعيش كما ينبغي(5) فبقوله؛ هنالك عالم حالم ووردي؛ وليس هناك أزمة تنظيم ولا أزمة هيكلة ولا أزمة إبداع ؛ ومن حق مثل هؤلاء يقولون لتلميع سبل مواقع القرار؛ ولكن ليس ببعيد؛ أن مثل هؤلاء مؤمنين بأن المسرحيين لا يقرؤون؛ ومن خلال ما أوتينا من هالة وقداسة تقول ما ينبغي أن يقال في مجمع الحكماء؛ وما يمكن أن يقال في مجمع الأغبياء؛ فقبل هـذا التصريح نجد بيانا ناريا تحت غطاء( كلمة) يصدر باسم نقابة المسرحيين المغاربة يقول القائل فيه : أن الكائن المسرحي، في هذا الوطن، هو اليوم ـ وحتى إشعار آخر ـ معتقل ومعطل، أما أبواب المسارح فهي مقفلة، وأغلب تلك البنايات التي كانت مسارح، في زمن من الأزمان، فقد هدمت، وما بقي منها هو اليوم مجرد خراب وأطلال،،،، إن هذا المسرح اليوم غائب أو مغيب، والحاضر فيه لا يمارس وظيفته الحقيقية، وهو لا يفسر ولا يغير، ولا يشرح ولا يعالج، ولا يعلم ولا يربي، ولا ينذر ولا يحذر، ولا يحلل ولا يركب، وهو لا يضحك على حمق الواقع والوقائع، ولا يرصد المفارقات الغريبة والعجيبة في حياتنا اليومية، والتي هي اليوم حياة بلا معنى، وهي وجود خارج المعنى الحقيقي للوجود، وهو لا يكشف عن الأمراض الاجتماعية، ولا يضع يده على الأعطاب السياسية الهيكلية، ولا يقدم أي تصور لواقع اجتماعي وسياسي آخر؛ واقع يكون أكثر إنسانية وحيوية(6) إذن فهل المكاتب النقابية وأعضائها وفروعها يناقشون بجدية ؛ عما يصدر من تصريحات وبيانات وبلاغات؛ بعضها يتناقض مع البعض ؛ ويعضها ينسخ ما قيل بعد سنوات؛ فمن باب المكاشفة؛ ربما لا يطلعون عما يصدر؛ لأننا نحن أمام وضع سوريالي؛ يتحكم فيه الوضع الانتهازي والمصلحي أم الغبائي أم الطلاسيمي؟ لآن دافع هــذاالسؤال؛ ليس ما قيل بعد الكلمة بل من خلال ماسجلته نقابة المسرحيين المغاربة؛ بأن وزارة الثقافة تعمل بنهجها تقسيم المسرحيين المغاربة إلى معسكرين متناقضين، بل الأصح إلى معسكرات وثكنات؛ وبالتالي فالنقابة ترفض الدعم البئيس جملة وتفصيلا. وتشير في رسالتها….. في سابقة تعد الأخطر من نوعها في تاريخ الحركة المسرحية في المغرب ،أعلنت وزارة الثقافة من خلال نتائج دعمها المخصص للجمعيات والهيئات الثقافية والذي بموجبه تم تفويت المال العام لفرق وجمعيات وهيئات على حساب أخرى ، ليس من باب الشفافية والديموقراطية ، وليس من باب الفاعلية والتشاركية ، وليس من باب الحضور الرمزي والفعلي ، ولكن فوت هذا المال العام من باب الزبونية والحزبية الضيقة ، مما خلف لدى الكثير من الفاعلين الثقافيين والفنيين فرقا وجمعيات ، أطرا ونقابات ، كثيرا من التساؤلات التي عادت بنا إلى أزمنة غابرة من التخلف ، وخلقت صراعا بين كثلة ضد أخرى ، وأدخلت المغرب الثقافي والفني في زحمة من المناوشات والمضايقات(7)
——
إحـــــــالات :
1) كلمة نقابة المسرحيين المغاربة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح: بقلم الكاتب المسرحي المسكيني
الصغير :جريدة الصحراء المغربية بتاريخ 24/ مارس/ 2011
2) الأورجانون الجديد :لفرنسيس بيكون: ترجمة عادل مصطفى ص23 منشورات رؤية 2013
3) حوار اكسبريس مع حسن هموش – رئيس الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة- جريدة بيان اليوم في 22 – 07 – 2012
4) محمد أديب السلاوي ل”جديد بريس” : لقد وصلت العلاقة بين الثقافة والصحافة إلى الطلاق – أجرت الحوار شهرزاد عجرودي بتاريخ 29/01/2016
5) حوار اكسبريس مع رئيس لجنة التحكيم عبد الكريم برشيد : جريدة بيان اليوم في1/12/2015
6) كلمة نقابة المسرحيين المغاربة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح بتاريخ28/03/2013
7) الرسالة منشورة في بعض الصحف الوطنية بتاريخ 08/09/2014
—