تسامى الشاعر الراحل “محمود البريكان” نحو آفاق الإبداع والتحضر، بنتاجه وشخصه، إذ مثّلا روح التطلع الحداثوي المتمدن في النسيج الثقافي العراقي، من خلال تنقيبه في صبوات الروح العراقية وتراثها الإنساني ، و بحثه في الوجه المغيب للواقع والتاريخ محتفياً بعظمة الكائن الإنساني ، متمسكا بإرادته الحرة التي لم يسمح لأحد أن ينازعه عليها ، متجاوزاً الإطناب والبهرجة والتزويق ، متحصنا بعزلته الخلاقة ضد تزوير الحقيقة ، وتأبيد المهانة والذل والتزييف، مؤثثا حياته بالمثل الإنسانية المشروعة العظيمة- البسيطة ، محلقاً بالشعر نحو الكوني من اجل خلاص الإنسان و نزوعه للحرية والحياة اللائقة ، وبإعلاء دور الشاعر الخلاق بنصوصه المشعة التي تجعل منه، رسول الحضارة ومستشرف المستقبل والمتحكم بالرؤى والمنادي بقصيدة الفكر الشعري الخلاق . و يؤسس البريكان شعره ،كما أرى، على فرضية (التواصل المعرفي-الإنساني) لا ثيمة الصوفية المغلقة أو توجهاتها الميتافيزيقية، كما تنحو قصيدة البريكان لـ (الإدراك المعرفي) و خلاله تؤكد على الذات الإنسانية وتجلياتها، وتَمسك بالواقع و المصير الإنساني الفاجع ، و بالتاريخ وأساطيره لأن البريكان ينتمي لأُلئك “الطالبين غمار الأفق” في كل مكان وزمان . يتساءل الشاعر “عبد الكريم كاصد” في مقاله “الصوت الناصع”:” أكان يدرك البريكان الشاعر الذي نأى بنفسه عن السقوط الجماعي، أنه سيصبح يوماً ضحية هذا السقوط؟ وسواء أكان السقوط سياسياً أم غير سياسي، تمثّله سلطة تحترف القتل، أم لصوص عاديون، فإن مقتله دليل على افتقاد أمنٍ، وموتٍ غير مبرّر سيظل باعثاً على الرجفة أبداً، وعلى التفكير طويلاً”. ويضيف:” لعلّ الحدث الكبير في حياته هو مقتله الذي سيهب مجرى حياة البريكان توتّراً لن ينتهي صداه أمداً طويلاً، مضيفاً إلى شعره وحياته غموضاً وتطابقاً آخر بعد أن تطابقا من قبل”. كما يؤكد الشاعر كاصد إن البريكان كان:” في شعره وفي شخصه، واحداً من شعراء معدودين يؤثرون الصمت على الضجيج، والوحدة على الاحتشاد، والصداقة المتفرّدة على المجموع، وهو إذا كان استثناء في المشهد العام، فإنه ليس استثناء في المشهد الخاص الذي ألفته البصرة. فإلى جانب البريكان هناك محمود عبد الوهاب ومحمد خضيّر المسكونان بهاجس الكتابة وانشغالها بواقع استطاع هؤلاء الثلاثة اختراقه إلى طبقاته الأعمق ليكتشفوا ما هو كامن فيه من جذر أسطوري أو من جوهر عصيّ على الاكتشاف، جوهر يربطهم بماض عريق ومستقبل أبعد، في زمن واحد هو زمن الكتابة الذي ينأى بصاحبه عن زمن الآخرين. ويضيف:”البريكان ومحمود عبد الوهاب ومحمد خضير نماذج البصرة البارزة، وخفاءها الملغز، وعبقريّتها التي لا تستنفد، وإدراكها الحصيف و ليس بمقدور أية سلطة عابرة أن تجرّدهم منها، أو تجرّدها منهم، وثمة طاقة خلاّقة تحملهم بعيداً إلى مستقبل يتجاوز ما هو آني إلى ما هو جوهري، دون أن تهمل هذا الآني و تفصيلاته، ففي هذه التفصيلات يتجلى الجوهر، ولعل عنايتهم الفائقة بهذا الجوهر المتجسّد في التفصيلات هو ما جعل فنهم ثورة بحدّ ذاتها.. ثورة ليست في الشكل، كما يظن البعض، بل في صميم التعبير الإنساني عن الوجود، لأن التأكيد على الفن في ظرف ما، هو تأكيد على الإنسان وحماية أعزّ ما لديه: حريته، بعيداً عما يراد له من تحقيق منفعة عابرة “.
في ذكرى رحيل البريكان، التاسعة، والتي صادفت في الثامن والعشرين من شباط الماضي، نقدم قراءة لكتاب (البذرة والفأس)* للناقد “رياض عبد الواحد” وهو مجموعة مقالات نشرها بين الأعوام 1999/ 2001 في جريدة العراق،و حسب ما يرد في العنوان الفرعي ” قراءات حرة في شعر محمود البريكان / قصائد ( عوالم متداخلة) إنموذجا” وقدم له” د. حسين عبود الهلالي” أستاذ النقد الأدبي في كلية التربية / جامعة البصرة/ مؤكداً في مقدمته ان الكتاب قراءات حرة لا تلتزم منهجا محددا من مناهج النقد الأدبي، وربما يمكن وضعها ضمن ما سمي بـ”النقد الانطباعي”. ويضيف د. الهلالي :”هذا النوع من النقد عُرف به أستاذنا المرحوم الدكتور على جواد الطاهر، والناقد الغائب الحاضر المرحوم عبد الجبار عباس”. وفي تمهيده للكتاب يذكر الناقد عبد الواحد: ان قراءة الشاعر البريكان تستدعي وقفة تأملية بسبب من تجربته التي يحيطها الغموض من جوانبها جميعا ، وان الماهية التي يتوخاها الشاعر من خلال قصائده ليست واضحة المعالم و ان المنعة شديدة فيها والعزلة ممتدة على مساحة واسعة ، والافتتان بما تحمله النفس في الداخل أعلى واكبر من الافتتان بالعالم الخارجي، والبزوغ كثيرا ما يشع في ظلمات الروح دون تدخل قسري من الشاعر (ص 11). ويضيف: إن شعر البريكان أشبه بالبذرة الموضوعة في إحدى قصائده ،التي منها استقى عنوان كتابه ، وهذه البذرة وهي تعيش في الداخل فأنها تأخذ منه كل شيء وتندفع بقوة إرادتها مخترقة تربتها لتكبر و تثمر وتكون ذات لحظة ما خاضعة لفأس الحطاب التي هي صلة التواصل والتقاطع في العيش بعجائبه المتعددة مرئية أو مخفية ومنها صلة الشعر بالشاعر ، وبالآخر لكونها محصلة الحياة النهائية. يحتوي الكتاب على (13 ) دراسة عن قصائد(عوالم متداخلة) للبريكان وتتضمن بداية كل دراسة نصوص قصائد / المأخوذ /دراسات في عالم الصخور / رحلة القرد /نوافذ /متاهة الفراشة/ مدينة خالية /مصائر /ارتسام /الطارق /الغرفة خلف المسرح /الكهف العميق/بلورات. ويعمد الناقد رياض عبد الواحد لدراسة كل قصيدة على حدة ضمن مهيمنات عدة ، ومنها تجربة (الاعتزال) التي يعمد اليها البريكان إذ يتداخل فيها وفي مركزها بالذات أكثر من وشيجة لتشكيل نقطة التقاء المعقول باللامعقول. ويرى الناقد عبد والواحد أن تجربة (الاعتزال) فرضت على شعر البريكان صورا يغلفها انفعال ذاتي ، مما جعل الزمن في بعض قصائده غير موحد ولم تتضح أي صلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، فكانت بعض قصائده غامضة وهي تجوب في غياهب المجهول ، ومع انه جنح لاستنطاقها لكنه لم يستطع ذلك بسبب عدم تخلصه من عزلته الروحية فأسقطها في العزلة من ناحية المبتدأ والمنتهى(ص 96 ). و في دراسته لقصيدة البريكان” دراسات في عالم الصخور”(ص29 ) يتساءل عن الوشائج بين الشعر والعلم؟ . وهل يصح أن يلج الشاعر الذي يمنحنا مدركات حياتنا اليومية المتنوعة وبما يوصلنا إلى حسٍ راقٍ وقيماً أخلاقية تتجسد في حقائق السلوك الإنساني ولكل ذلك وغيره هل يستطيع الشاعر الدخول إلى منطقة اشتغال العالِم دون السقوط بالنثرية؟. ومن خلال تحليله لهذه القصيدة فأنه يؤكد إنها “قصيدة معرفية”(ص 29 ) و بسب قدرة البريكان على الكشف في القصيدة فأنها هي التي تقود لتقبل هذه الموضوعة الجيولوجية شعرياً ،إذ أن هذه القصيدة لا تفضي إلى ان تقدم أو تعلمنا حقائق جيولوجية كما أنها لا تفسر لنا الجزئيات المتكونة منها الصخرة كما يفضي بذلك عنوانها الخادع بل هي قصيدة إيحائية تكشف لنا ما يمكن ان نتلقاه من الصخرة بالشعور والإحساس ، لا ما يفرزه العقل المجرد عن الصخرة الصماء والتي يكّمن سرها في داخلها، ومن المعروف ان الولوج والتغني بعالم الطبيعة ليس مستحدثا في الشعر عامة ولكن أهمية ذلك تكمن في طريقة التعامل الشعري معهما، ولكن البريكان استطاع من خلال عالم الصخور الجامد ، دفع الحقائق الطبيعية إلى وقائع شعرية ، عمقت الإحساس بالصور المحسوسة للصخور عبر التقاط بعض الصفات في ما هو محسوس والانطلاق منه إلى ما يريد توصله إلينا من رؤى أفكار وتجسيديات صوره الشعرية في المحسوس ذاته، والبريكان غالباً ما يسحب صوره الشعرية من الخارج المتلاطم بالحركة والاندفاعات إلى داخل نصه ، وهو بهذه الطريقة يضيف بعداً رمزياً لصوره الشعرية التي قد تبدو غامضة بشكل منفرد، وفيما إذا أخذنا قصيدة البريكان ككل تبدو موحية متماسكة. وأن الثيمة التي عبرها تتحدد خصوصيات الشخصيات الغائبة في قصائده ، والتي يخفيها الشاعر ، هي( الحرية) المستندة إلى الوعي والاختيار وهي تعيه يقينيا.كما يلاحظ الناقد إن البريكان قد تخلى عن معجمه الشعري القديم، مستثمرا مفردات الطبيعة كما في قصيدة (الفراشة) وهو يواجهنا بمرئيات المخالفة، وتعتمد كذلك قصائده تغييب الزمن في البداية ثم الكشف عنه لاحقا ،كما يذهب الناقد الى إن البريكان يكشف عن قدرة قصصية في بعض قصائده من خلال استخدامه الأسلوب السردي ومتلازماته إلا انه سريعا ما يعود الى عالمه الشعري في بحثه عما يكمن خلف عالم المرئيات من خلال ما يصفه بـ”اللحظة الشعورية الفريدة”. وعبرها ينفرد البريكان بعمق الفكرة وجلائها و التعبير عنها بالصورة الشعرية التي جعلت شعره يتألف من طبقات عدة، كما استطاع من خلال مهيمنة الفكرة في قصائد”عوالم متداخلة”، وعمله فيها على تحديد شكلها، وأسلوبها معتمدا بقصدية واضحة، على المزج بين الظلال وعمق الأفكار ووضوحها، دون أن يبتعد فيها عن الإيحاء بما هي عليه الفكرة ذاتها ووضوح دلالاتها ومَسكَ كل الخيوط في “عوالمه المتداخلة” بقصيدته متعددة الأصوات والمشاهد والرؤى والتي يعكس فيها بالأساس من خلالها وعيه الفردي الحاد و الباطن(ص109 )، غير المنعزل عن حراك الواقع الخارج المُعطى. كتاب الناقد الأستاذ رياض عبد الواحد مع انه، دراسات بعضها قصيرة ،كتبت ضمن مساحة محددة لصفحة ثقافية يومية ، إلا انه يكشف فيه عن بحث و جهد في ألأساهم بإجلاء بعض سمات العالم الشعري الذي يغمر قصائد (عوالم متداخلة) ،واستطاع الناقد عبد الواحد ، بحدود ما جاء في مقالاته ، العمل على فك بعض مغاليقها وتكويناتها ، من خلال لغته النقدية الواضحة ومرجعياته الثقافية الحديثة. ——————————————————————
*رياض عبد الواحد/البذرة والفأس/الغلاف للفنان/ رينيه مارجريت
في ذكرى رحيل البريكان، التاسعة، والتي صادفت في الثامن والعشرين من شباط الماضي، نقدم قراءة لكتاب (البذرة والفأس)* للناقد “رياض عبد الواحد” وهو مجموعة مقالات نشرها بين الأعوام 1999/ 2001 في جريدة العراق،و حسب ما يرد في العنوان الفرعي ” قراءات حرة في شعر محمود البريكان / قصائد ( عوالم متداخلة) إنموذجا” وقدم له” د. حسين عبود الهلالي” أستاذ النقد الأدبي في كلية التربية / جامعة البصرة/ مؤكداً في مقدمته ان الكتاب قراءات حرة لا تلتزم منهجا محددا من مناهج النقد الأدبي، وربما يمكن وضعها ضمن ما سمي بـ”النقد الانطباعي”. ويضيف د. الهلالي :”هذا النوع من النقد عُرف به أستاذنا المرحوم الدكتور على جواد الطاهر، والناقد الغائب الحاضر المرحوم عبد الجبار عباس”. وفي تمهيده للكتاب يذكر الناقد عبد الواحد: ان قراءة الشاعر البريكان تستدعي وقفة تأملية بسبب من تجربته التي يحيطها الغموض من جوانبها جميعا ، وان الماهية التي يتوخاها الشاعر من خلال قصائده ليست واضحة المعالم و ان المنعة شديدة فيها والعزلة ممتدة على مساحة واسعة ، والافتتان بما تحمله النفس في الداخل أعلى واكبر من الافتتان بالعالم الخارجي، والبزوغ كثيرا ما يشع في ظلمات الروح دون تدخل قسري من الشاعر (ص 11). ويضيف: إن شعر البريكان أشبه بالبذرة الموضوعة في إحدى قصائده ،التي منها استقى عنوان كتابه ، وهذه البذرة وهي تعيش في الداخل فأنها تأخذ منه كل شيء وتندفع بقوة إرادتها مخترقة تربتها لتكبر و تثمر وتكون ذات لحظة ما خاضعة لفأس الحطاب التي هي صلة التواصل والتقاطع في العيش بعجائبه المتعددة مرئية أو مخفية ومنها صلة الشعر بالشاعر ، وبالآخر لكونها محصلة الحياة النهائية. يحتوي الكتاب على (13 ) دراسة عن قصائد(عوالم متداخلة) للبريكان وتتضمن بداية كل دراسة نصوص قصائد / المأخوذ /دراسات في عالم الصخور / رحلة القرد /نوافذ /متاهة الفراشة/ مدينة خالية /مصائر /ارتسام /الطارق /الغرفة خلف المسرح /الكهف العميق/بلورات. ويعمد الناقد رياض عبد الواحد لدراسة كل قصيدة على حدة ضمن مهيمنات عدة ، ومنها تجربة (الاعتزال) التي يعمد اليها البريكان إذ يتداخل فيها وفي مركزها بالذات أكثر من وشيجة لتشكيل نقطة التقاء المعقول باللامعقول. ويرى الناقد عبد والواحد أن تجربة (الاعتزال) فرضت على شعر البريكان صورا يغلفها انفعال ذاتي ، مما جعل الزمن في بعض قصائده غير موحد ولم تتضح أي صلة بين الماضي والحاضر والمستقبل، فكانت بعض قصائده غامضة وهي تجوب في غياهب المجهول ، ومع انه جنح لاستنطاقها لكنه لم يستطع ذلك بسبب عدم تخلصه من عزلته الروحية فأسقطها في العزلة من ناحية المبتدأ والمنتهى(ص 96 ). و في دراسته لقصيدة البريكان” دراسات في عالم الصخور”(ص29 ) يتساءل عن الوشائج بين الشعر والعلم؟ . وهل يصح أن يلج الشاعر الذي يمنحنا مدركات حياتنا اليومية المتنوعة وبما يوصلنا إلى حسٍ راقٍ وقيماً أخلاقية تتجسد في حقائق السلوك الإنساني ولكل ذلك وغيره هل يستطيع الشاعر الدخول إلى منطقة اشتغال العالِم دون السقوط بالنثرية؟. ومن خلال تحليله لهذه القصيدة فأنه يؤكد إنها “قصيدة معرفية”(ص 29 ) و بسب قدرة البريكان على الكشف في القصيدة فأنها هي التي تقود لتقبل هذه الموضوعة الجيولوجية شعرياً ،إذ أن هذه القصيدة لا تفضي إلى ان تقدم أو تعلمنا حقائق جيولوجية كما أنها لا تفسر لنا الجزئيات المتكونة منها الصخرة كما يفضي بذلك عنوانها الخادع بل هي قصيدة إيحائية تكشف لنا ما يمكن ان نتلقاه من الصخرة بالشعور والإحساس ، لا ما يفرزه العقل المجرد عن الصخرة الصماء والتي يكّمن سرها في داخلها، ومن المعروف ان الولوج والتغني بعالم الطبيعة ليس مستحدثا في الشعر عامة ولكن أهمية ذلك تكمن في طريقة التعامل الشعري معهما، ولكن البريكان استطاع من خلال عالم الصخور الجامد ، دفع الحقائق الطبيعية إلى وقائع شعرية ، عمقت الإحساس بالصور المحسوسة للصخور عبر التقاط بعض الصفات في ما هو محسوس والانطلاق منه إلى ما يريد توصله إلينا من رؤى أفكار وتجسيديات صوره الشعرية في المحسوس ذاته، والبريكان غالباً ما يسحب صوره الشعرية من الخارج المتلاطم بالحركة والاندفاعات إلى داخل نصه ، وهو بهذه الطريقة يضيف بعداً رمزياً لصوره الشعرية التي قد تبدو غامضة بشكل منفرد، وفيما إذا أخذنا قصيدة البريكان ككل تبدو موحية متماسكة. وأن الثيمة التي عبرها تتحدد خصوصيات الشخصيات الغائبة في قصائده ، والتي يخفيها الشاعر ، هي( الحرية) المستندة إلى الوعي والاختيار وهي تعيه يقينيا.كما يلاحظ الناقد إن البريكان قد تخلى عن معجمه الشعري القديم، مستثمرا مفردات الطبيعة كما في قصيدة (الفراشة) وهو يواجهنا بمرئيات المخالفة، وتعتمد كذلك قصائده تغييب الزمن في البداية ثم الكشف عنه لاحقا ،كما يذهب الناقد الى إن البريكان يكشف عن قدرة قصصية في بعض قصائده من خلال استخدامه الأسلوب السردي ومتلازماته إلا انه سريعا ما يعود الى عالمه الشعري في بحثه عما يكمن خلف عالم المرئيات من خلال ما يصفه بـ”اللحظة الشعورية الفريدة”. وعبرها ينفرد البريكان بعمق الفكرة وجلائها و التعبير عنها بالصورة الشعرية التي جعلت شعره يتألف من طبقات عدة، كما استطاع من خلال مهيمنة الفكرة في قصائد”عوالم متداخلة”، وعمله فيها على تحديد شكلها، وأسلوبها معتمدا بقصدية واضحة، على المزج بين الظلال وعمق الأفكار ووضوحها، دون أن يبتعد فيها عن الإيحاء بما هي عليه الفكرة ذاتها ووضوح دلالاتها ومَسكَ كل الخيوط في “عوالمه المتداخلة” بقصيدته متعددة الأصوات والمشاهد والرؤى والتي يعكس فيها بالأساس من خلالها وعيه الفردي الحاد و الباطن(ص109 )، غير المنعزل عن حراك الواقع الخارج المُعطى. كتاب الناقد الأستاذ رياض عبد الواحد مع انه، دراسات بعضها قصيرة ،كتبت ضمن مساحة محددة لصفحة ثقافية يومية ، إلا انه يكشف فيه عن بحث و جهد في ألأساهم بإجلاء بعض سمات العالم الشعري الذي يغمر قصائد (عوالم متداخلة) ،واستطاع الناقد عبد الواحد ، بحدود ما جاء في مقالاته ، العمل على فك بعض مغاليقها وتكويناتها ، من خلال لغته النقدية الواضحة ومرجعياته الثقافية الحديثة. ——————————————————————
*رياض عبد الواحد/البذرة والفأس/الغلاف للفنان/ رينيه مارجريت