شكرًا لرابطة الكاتبات على دعوتها لي للمشاركة في ندوة “الثقافة وسؤال المناصفة في الدستور” على هامش أشغال مؤتمرها الدولي بالرباط أيام 11/10/9مارس 2016. أمام هذا النوع من الحضور لا يمكنني أن اجتر لغة القانون ولا السياسة. لأنني أشعر بخشبيتها تخنقني وترغمني على التكتم. في هاته اللمة الثقافية الدولية بطعم حرية الإبداع النسائي المكسر للأغلال والذي يمارس الشغب خارج سياقات الرقابة المكبلة. أهم شيء في هذا التجمع للمبدعات هو تجاوزه لحق المناصفة، ولو أنني أكفر بتجنيس الإبداع. فليس هناك إبداع نسائي وإبداع رجالي ولكن هناك كتابات تبرز الوجدان الأنثوي.
اسمحوا لي أن أتجاوز سياق النقاش السياسي حول المناصفة، الذي طلب منا المنضمون نقله إلى هذا الملتقى الثقافي، حيث جالست أديبات عربيات يحكين في كتاباتهن عن الحب والحياة، الكبرياء والتجبر، المعاناة والاعتقالات القسرية، التحكم و الإجبار، التحرش الجنسي و الاغتصاب، التهديد و التخويف و الترعيب والترويع… إنه عنف المجتمع الذي ترجمته مبدعات بلغة عارية بلون الجرح الغائر فيهن. صور و قاموس يندد بالحروب والصراعات حول السلطة، الهيمنة الذكورية وطابوهات المجتمعات التقليدية. يتجاوز القيود ويترجم القناعات والمشارب الاستتيقية و الفكرية ويحتفي بإنسانية الإنسانة.
الإنصاف وليس فقط المناصفة، ذلك الحق العالق الذي يخنق رقابنا كنساء مثل ربطة عنق أبدية تلبسنا. هم ثمل نحمله فوق أكتافها من مؤتمر لمؤتمر، لنناقش لنتعارك في رحى السياسة إلى أجل الخلاص الغير مسمى.
كما في كل المؤتمرات حديثكن سيداتي عن أوضاع النساء في سوريا، في العراق، في ليبيا وتونس واليمن ومصر ولبنان هو نزيف فرقة الشمل و أمن يحتضر. كتاباتكن صراخ أصوات ساخطة على وضع عربي ممزق وجريح، لم يفلح ربيعه العاصف في أن يزهر بورود العزة والكرامة لنسائه وأطفاله وشيوخه ورجاله، حيث أصبح القتل والرعب سيدا.
أعتذر لحضراتكن وحضراتكم أن أحدثكم من فوق هاته المنصة التي ربما لا استحق الجلوس عليها، أنا المقترفة لفعل السياسة والمهاجرة من الثقافة موطني الأصلي، لأعيش في كنف غربة الروح. أحاول ترويض قلمي الجموح ليتحدث لغة المؤسسات والخطوط الحمراء والخضراء. لأن جلوسي هنا لا يضاهي امتطاء ممثل صهوة المسرح ليجول عبر القضايا الإنسانية التي تخاطب فينا ما تبقى من الإنسان، ولا شاعر ينثر كلمات حق خالدة تنزلق من غفلة الرقابة.
كم من شاعر قاده شعره إلى حبل المشنقة، فالحكام العرب يرتجفون من الشعراء. يموت الحكام ويموت الشعراء ويبقى الشعر آبدا. فالشاعرة السعودية هند المطيري منعت من حضور جميع الملتقيات بعد نشرها لقصيدة “ويح القبيلة ” وشقيقاتها من وراء السدل ممنوعات من ارتداء الكعب العالي ومن لباس الألوان ووضع المساحيق والعطور ومن “فاحشة” السياقة، في مجتمع يسأل فيه الرجال هل هي إنسان ؟
السياسة علم و ثقافة، والثقافة تختلف على السياسة بالأخلاق والترفع عن القوانين والقيود. لكن من موقع مسؤوليتي السياسية كنائب برلمان ومسؤوليتي الأخلاقية ذات المرجعية الثقافية، أقول أنه من حسن الحظ أن الإبداع لا يحتاج إلى إذن ولا إلى ترخيص ولا إلى مناصفة.
المناصفة ثانية نعم، هذا المطلب الاجتماعي والحقوقي الذي نترافع عليه في المحافل الدولية و داخل مؤسساتنا التشريعية من منطلق قناعاتنا الحقوقية و الفكرية التي أحاول فيها غض الطرف عن ثوب سياسي يحاول أن يلبسني، لكنه لا يفلح معي، لأنني عاشقة التجرد ومولوعة بالتحليق في السماء إلى جانب الخلائق المجنحة.
لا ننسى كمشرعات طلب تفعيل الحقوق الثقافية السياسية والبيئية التي جاءت في مكنون أسمى قانون، مثلما نترافع عن حوار الأديان و نبذ خطاب الكراهية والرقي بثقافة التشارك كرافعة حضارية للأمم. نوجد اليوم هنا معكم لأننا نؤمن إيمانا راسخا بكل مشروع ثقافي يخاطب فينا الوجدان والإنسان. وانطلاقا من موقعنا السياسي الذي يؤهلنا إلى المرافعة السياسية في قضايا تهم الفكر و الثقافة كما تهم المناصفة والإنصاف ومحاربة العنف الفكري لتقليص الفجوة الجندرية.
لاشك سيداتي أن النضال من أجل الوصول إلى الثروة والموارد والكرامة والسلم الاجتماعي هو ما يجمعنا لتحقيق المواطنة الكاملة. أما التمثيلية العادلة للنساء، فهي قرارات تصنع داخل مؤسسات إنتاج الفعل السياسي. فعملنا الجماعي وتكتلنا من أجل إقرار قوانين منصفة هي مسؤوليتنا الدستورية كسياسيات مثقفات، لكن مسؤوليتكن ككاتبات هي مضاعفة. لأن حناجرنا يمكن أن تكل من الترافع، من تقديم تعديلات تجهض في المهد، لكن مدادكن لا يجف. اصعدوا للمنابر سيداتي الكاتبات العربيات، لإسماع صوت الحق و طلب العدل. لأن صمت الدولة على العنف تواطؤ والتمييز بين الرجل والمرأة عنف مكرر. وعنف الدولة اكبر وأخطر من عنف الرجل.
—
(*)الدكتورة فوزية البيض نائب بمجلس النواب المغربي. عضوة مجموعة العمل الموضوعاتية حول المساواة والمناصفة، عضوة لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بالبرلمان المغربي 2016/2011، عضوة لجنة الاسئلة القانونية وحقوق الانسان بمجلس اوربا 2014/2012 وبمكتب لجنة حقوق الانسان بالليبرالية الأممية 2017/2014 كممثلة لشمال افريقا والعالم العربي. حاصلة على دكتوراه في الانتربلوجيا الثقافية من جامعة محمد الخامس بالرباط 2006، على ماستر في علم الإجتماع السياسي 2014. اشتغلت ضمن شبكة برلمانيات وبرلمانيون ضد عقوبة الإعدام، على السياسة السجنية وتطوير منظومة العدالة الجنائية. تهيء حاليا كباحثة دكتوراه في العلوم السياسية حول” الحركية، الأمن الشامل وحقوق الإنسان”بكلية الحقوق أكدال بالرباط. اشتغلت كأستاذة التعليم العالي في مركز تكوين أطر وزارة التربية والتعليم، وكناقدة فنية في المعهد العالي للفنون الجميلة وفي معهد تكوين الصحفيين. عضوة رابطة كاتبات المغرب. صدر لها العديد من الدراسات والمقالات والتقارير حول ملفات حقوقية وتحليل السياسيات العمومية. لها اهتمام كبير بالأوضاع الانسانية في حالات النزاع المسلح و السلم وحوار الأديان والحضارات.
—