د. سامية غشير :
و جبت المدينة السّمراء
أفتّش عن تعاويذ البهاء
فراودتني قناديلها
وقفت أمام مدارات الهروب
فبانت مواسم الوصل الموشّح
بدماء قناديل الحناء
و لاح الخفّاش التّعيس
يكلّمني عن دفاتر الرّحيل
و عن غرباء اكتسحوا الفتوحات
و معابد روضتها الغاويات
و خواء نسل في تضاريس المدى
قصائد ممزقة الشّفاه
و قوافي امتطت المأساة
كان يعبر فراغات اللّيل يختلس منه بعض النّظرات الجارفة، و خطواته المتناثرة على سفوح ذاكرته الثّكلى مرّ على شوارع مدينته التي استسلمت لضوضاء مواويل القناديل، وقف على أطلال رماد تهجيّ نهاراته يناجي تلك الأشباح التي تلونّت بمرج السّفور، انهض أيّها السّندباد، أيّها المغامر الجسور، كلّ الفتوحات بعد تبدّدت على نزيف الذّاكرة، انهض و افتق جفون العهر التي تبسّمت و ارتمت على تواشيح زماناتنا انهض فعطر النبوءة و القداسة جفّ في مراعي صبابتنا، و دفء الزّهور غادر مرتع الفراشات، فعلى شرفات الصّمت المخصّب بالأنين صرنا أكثر اختمالا.
كانت عيون شيخ المدينة تترصّد خطوات الشّاب و هو يشهر سيف غضبه في أعداء مدينته، كانت حروفه المتهجدّة تصرخ من شدّة العياء: يا ابني، يا شهريار، أعدت لتنقذ مدينة الأشباح.
– أيّها الشّيخ الجكيم، لقد تفتحت خيوط الظّلام تنسج خرائط هذه المدينة، لم يبق من العبق الملكي الشّهرياري ما يعيد لهذه المدينة عذريتها و حلّتها.
– يا بني، أنظر إلى هذه المدينة التي أضحى السّراب يفتل حاضرها ملحا مبتلّا، و جرحا على أنامل الشّوق مستلّا، و لجج الصّهيل تفتق في أهازيج صبواتها وحل الظّلال.
التفت الفتى إلى الشّيخ و هو يحتلب من تلك القناديل صيحات ضياء، و زهر حرائق الغيم لعلّه ينثرها على أعتاب أهداب تلك المدينة التي دفنت الحلم و هو يلقي صداع نواحه و يقاوم هشاشته.
أيّها الشّيخ الجليل، لم تعد حكايات شهرزاد تغري مفاتن طلوع الصّبحات، منذ أن كفت شهرزاد عن نشر رذاذ فرح و رماد فوضى تلك العيون التي قبست بمتاع المستحيل، مصباح علاء الدّين تعثّر على سلالم الخطوات، و دروب الفجوات، فعلى شرفات العمر صلبت تواشيح براءتنا، لم تعد الملائكة تغرّد في صفوتنا فاللّيل قد أشرع ندوب الوقت على زبد الفتوّة.
نظر إليّ الشّيخ الحكيم قائلا: اشرع يا شهريار، و أشرق من عتمة التجلّي قصصا من جنح الفتوحات، فشهرزاد لا زالت تنتظر قصص زهر الرّغد أمام أغادير غيداء.
فجأة، تلاشى مرق اللّحظة، نظرت إلى وجه الشّخص فلم أبصر إلّا شبحا توسدّ من بهو السّراب، نظرت خلفي أفتّش عن ظّله المسكون بالشّهب فراودتني أشباح، أخذت تلهث ورائي في حبور أنقذني يا شهريار…
—