عسير للإنتقال من الوعي الجمعي المدّجن إلى أساس جديد تحقق فيها الذات التونسية إنسانيتها الحقّة إقترن ببعض الظواهر أبرزها العنف فإنّه من الملّح إحالة رؤية حداثية تأسيسية جديدة للمناخ الإبداعي في ظل جمهورية ديمقراطية شعبية. لقد غابت الفعاليات المجتمعية و غاب معها الفكر النقدي الإبداعي وهو نتاج طبيعي لحياة مفروضة،حياة القسر والطاعة في خضوع…خضوع لسلطة خارج الذات و ليست حيلة الإختيار و الإلتزام النابعين من داخل ذات حرة مستنيرة ومن تفاعل الذات مجتمعيا نحو هدف التكافل ووحدة المسار. يقول ألبير كامي في مستهل قناعته أن الحرية تتأسس بالثقافة الت بدورها لا تصقل إلاّ في مناخ إبداعي أصيل « من دون ثقافة و ما تعنيه و يقترن بها من حريات يغدو المجتمع غابة،حتى وإن بدت صورته كاملة لذلك فالإبداع الأصيل هبة المستقبل » فالمراجعة النقدية إبداع فكري و الإبداع الأصل كما أسس لذلك كامي،فقيمة الإبداع يقاس تأثيرها في الفرد و المجتمع بمدى تطور المناخ الإبداعي حين تكون -قيمة الإبداع- إختيارا مسؤولا قرين إلتزام بفعل داخل إطار جمعي. إن الإبداع هو الوحدة المتكاملة لمجموعة من العوامل الذاتية و الموضوعية التي تقود إلى تحقيق إنتاج جديد و أصيل ذي قيمة من الفرد و المجتمع يقتضي إيجاد حلول جديدة للأفكار و المشكلات و المناهج.فيبقى الإبداع شكلا راقيا للنشاط الإنساني متطلبا ضرورة توفر « مناخ إبداعي » كالوسط المباشر والتأثيرات الإجتماعية و النفسية و الإقصادية والثقافية و التربوية فالمناخ الإبداعي كل ما يحيط بالفرد من أمور إجتماعية و تأثير العمل والثقافة حيث يمكن لها أن »تسهل » أو « تحبط » التفكير و الأفعال الإبداعية.فالإبداع لا يظهر من أدمغة معزولة عن سياق الأوضاع العامة للفرد و المجتمع فقد بيّن « أنجلز » في رسالة وجّهها إلى « بورجيوس » كيف أن العامل و المناخ الإجتماعيين ضروريين في حياة الإنسان المبدع في أي مرحلة تاريخية و ظروف عيانية معطاة و تتنزل في هذا السياق إظافة « جيرارد »: »إن تصوراتنا المبدعة بكاملها ليست نتاجا لدماغ إنسان معزول بل لدماغ كان مرتبطا بالتفاعل مع الناس الآخرين ». إن المناخ الإبداعي المؤسس لروح العقلانية و التجديد الفكري و إمتداد لفلك الإنسانيات يقتضي أساسا عدم الإكراه عبر تطوير روح البحث و الإستقلالية يؤدي إلى إيجاد الأفكار الحسنة والحث على المناقشة و الجدل و النقد البناء بالتالي على قوى التقدم سواء كانت فكرية،أكادمية،سياسية أن تعمل على تفتح القدرات الإبداعية و خلق سيادة الإنعتاق من القيود المتصفة بعدم الإكراه و إبعاد العوامل التي تقود إلى الصراع و تشجيع الإتصال و المخاطرة و إختيار الصعب في الحدود المقبولة سينمي و يطور الشخصية المبدعة. إن لتطوير المناخ الإبداعي في بلادنا وإثراء المعارف لهو واجب وطني لبناء مجتمع حداثي تقدمي تقود مساره و صراعه المرير ضد قوى الردة طليعة المفكرين و السياسيين،إن العهد القادم بحق عليه أن يكون عهد القطع مع الصنمية،التشيؤ الذي حول الصفات الإنسانية إلى أشياء جامدة،مع الهيمنة المكبلة لإرادة الشعوب عبر فرض نسق معين عليهم،مع العقل الأداتي الذي أصبح اليوم منطق التفكير و أسلوب في رؤية العالم والمعرفة.
—