طرح الدكتور طاهر البكاء القراءة التالية في سؤال موجه لنا:
حول إتفاقية الجزائر 1975؟ عندما وقع العراق اتفاقية الجزائر 19755 مع شاه ايران، قال إنه اضطر اليها لوقف الدعم الذي يقدمه الشاه للحركة الكردية العراقية .
السؤال:
ايهما كان الافضل للعراق عقد اتفاقية الجزائر، التي تنازل العراق بموجبها عن نصف مياه شط العرب طولاً، واعادة ترسيم الحدود البرية أم اعطاء حكم ذاتي حقيقي للشعب الكوردي العراقي ؟
………………………………
فكان تعليقي :
الدكتور الفاضل :
تحية طيبة ..
ان الواقعية السياسية في مكانها وزمانها تجعل من الصعب تقبل القرارات في أمكنة وأزمنة أخرى ..
ولكن ما ان نفكر بالعدالة كمضمون لتنمية البلدان وحرية الشعوب وقرارها السياسي للمستقل، فربما يكون الأمر جدا صعبا في تقبل قراراتها الخارجية مثلما تسهل قراراتها الداخلية الاجتماعية مثلا ..
اذن هناك ازدواجية القناعات والأوصاف، لتقبل ملكٍ غير عراقيّ مجرد كونه هاشميا في بدء تأسيس الدولة العراقية، وتعتبر الفترة مثالية لتجربة لبرالية عند اللبراليين ورجعية عند الاشتراكيين والقوميين، لتنتج صراع الأراء والارادات وتحالفاتها الخارجية والداخلية المعروفة لمذبحة العائلة المالكة والسحل بالشوارع …
وتبدء مرحلة الجمهورية التي اعتبرت عند البعض دون تحديد فرصة لعودة العراق الى الاشتراكية أو الشيوعية أو الاسلامية او القومية وغيرها، وشهدت اعدام هذا الزعيم واغتيال ذلك الزعيم، ومشاهد لتداول الصراعات الحزبية والارادات مرّة أخرى بين مادح وبين ذام،وكلّ له حلفائه الداخليين والخارجيين، وهذه المرّة كثرت المحاور حتى موعد الحرب العراقية الايرانية الأولى التي انتهت بمعاهدة 1975م، وبين رؤية وطنية من أجل استقرار البلد وتداعيات الانهيار وبين رؤية الخيانة للثوابت الوطنية والاستسلام الى الأجنبي عند البعض الآخر ..
جاءت الحرب العراقية الايرانية الثانية الطويلة الدموية، والتي انتهت بمعاهدة السلام عام 1988م وبنفس المواقف والهواجس من الآراء ..
واذا بها تليها الحرب الكويتية العراقية لأشهر، والمؤدية لصلح خيمة صفوان وأسرارها، وما تبعها من انهيار لمبادئ التضامن العربي والثوابت القومية المعروفة، ومن ثم الحصار الموجع المؤلم لسنوات طوال حتى الحرب العراقية الامريكية لأيام معدودة عام 2003 ..
ويكفي أن اقول اضافة لتشابه أوصاف الآراء لما فات من حروب واغتيالات وصراع ارادات، أن يضاف لها وصف ما يسمى بتحرير بغداد وآخر يقول سقوط بغداد، حيث تجذر الغموض حتى في المعسكر السياسي الواحد لمثل هذه المسميات.. ومازال الآمر سجالا وينذر بكارثة بسبب تداخل هذه الارادات فعلا ومسميات وأوصافا، وكلّ له تحالفاته المغذية لمصالح اقليمية آكثر مما هي دولية ووطنية ومستندة على أرضية من المراهقة السياسية وعدم الخبرة والعلمية والدراية والمعرفة والادارة ووو .. فضلا عن تنازل لسترتيجيات وثوابت لدى الأحزاب المشاركة في العملية السياسية والتي اوقعتها في ازدواجية بين شعارات الثوابت بين ما قيل عن ضرورات المتغيرات للعبة السياسية ومصالح الوطن في المرحلة الحالية، ونالت تأييدا محببا من لدن البعض، وما بين كان هناك رفضا مقيتا لدى البعض الآخر وصل لحد المواجهة الدموية، لتكون أجيال العراق ومازالت هي الضحية، وان فسرت بالمبررات المعروفة تاريخيا عند حدوث الصراعات وسيادة المتناقضات للمواقف السياسية، وبالآخص بين ثوابت المبادئ ومتغيرات المكان والزمان ..
ولا أريد أن أقول أنه جهل سياسي مطبق، حيث تنعدم فيه المصلحة الوطنية في أقل درجاتها من الادارة والحكمة .. ومشابهة الى حد الغرابة لكل ما مرّ به العراق منذ تأسيسه على مستوى المسؤولين من مراهقة بالموقف ومن انتفاخ بالسلوك ..
لربما هذا الوصف رأي من الآراء يعارضه رأي آخر يرى بالعكس منه ، وهكذا ..
ولكن أبسط ما يمكن أن يبرر هو هناك عملية نشأ لجيل سياسي وكذلك عملية تربية وتعليم لتأسيس قاعدة من القادة السياسيين لمراحل مستقبلية لقيادة العراق، مع وجود ستراتيجيات اقليمية لعرقلة هذا المنهج من التأسيس ..
لنرى أن المبدئية والنضالية والجهادية والوطنية وغيرها تداخلت بشكل مخيف في العلمانية والاسلامية واللبرالية والرجعية والتبعية وغيرها في تحالف وأخوة، وان كانت الارادات متصارعة او يصفها البعض بالنفاق على حساب الشعب كنتائج، كما كانت دوما عبر حقب مراحل تأسيس الدولة العراقية على الأقل ..
والمدهش أن تجد شعبا بهذا النضج والوعي والانضباط بالسلوك، رغم مواجهة التحديات والارهاب بقوة وارادة وشكيمة، تتسيده رجالات أقل منه مستوى في كل شيء، واِن كانت تمثله بسبب الانتخابات، وهذه من غرائب هذا الشعب في المرحلة الحالية ..
ولهذا أتساءل ان حدث استفتاء ترعاه الأمم المتحدة والدستور العراقي للشعب الكردي، وقرر الأكراد الاستقلال، ماذا سيكون الموقف؟ هل يتم وصف الشعب الكردي بالخيانة ومثله القادة العراقيين الذي احترموا الاستفتاء بالخيانة .. ام ماذا؟
حيث بالمقابل سيكون هناك من دعم الاستفتاء أو شارك فيه ومن سعى له، سيوصفون بالأبطال ..
وأعود وأقول انّ كل المواقف والقرارات والمشاهد، كما علمتنا فلسفة أحداث التاريخ بأسسها المتغيرة، عكست تجذر شعوب وبلدان كانت هامشية واضمحلال شعوب وبلدان كانت عظمى، فانها بذلك تؤكد هذه الحقيقة المرة للبعض والحلوة للبعض الآخر ..
ليبقى سؤال أين العدالة من كل ذلك؟ وهل تتعارض أوصافها مع آراء جبهات الارادات المتصارعة؟ آم آن العدالة أمر لا يمكن الاجتهاد به او تتدخل فيه الارادات ؟
وأخيرا شكرا لك ايها الدكتور العزيز واعتذر عن الاطالة، ولكن موضوعك بسبب جاذبيته الفكرية سحبني لذلك
وكل عام وانتم بخير
بهاء الدين الخاقاني
1438 – 2017
—