بجلابيته الفستقية اللون سأل والده ببراءة، ما قصة تلك الأرض البور يا والديظ!
اجاب الأب: أممم حسناً يا ولدي.. ساقصها عليك، وبدأ…..
كان يمتطي ظهر والده وهو يرقب الأرض البور التي تحولت الى بقعة خضراء تسر مبصرها، كثيراً ما كان يسرح وهو يستمع لدندنة والده بلكنة صعيدية تشبه النغم الذي تصدره الربابة الخشبية في زغاليل المساء!
نشأ عبده وهو يعلم جيداً الفارق بينه وبين الباشوات، ولكن حلماً صغيراً كان يكبر معه كحلم الشاطر حسن بالعروس الحسناء! لم يكن موضوع حلمه ثرثة أو ابنة غفير، بل امتلاك بقعة خضراء صغيرة قريبة من بيته، اصغر بكثير من الأرض الممتدة التي يرقبها ووالده!
ورث الفلاحة من والده جبراً في الأرض ذاتها، كانت علاقته بها كالفولاذ، فقد سقاها والده سابقاً بماء عرقه وها هو اليوم يراها دانيةً ويانعة كشبابه. تزوج بشابة طيبة ورزقهما الواهب طفلاً جميلاً، ومكث اثر ذلك اياماً طويلة يصنع قوالب الطوب الأحمر ويرصها بعناية ليكون منها سوراً يحيط بالبيت الذي يقيم فيه.. لكن أمراً مريباً خنق بهجته في ذلك الصباح! حيث لاحظ ازدراء أصحابه اليه وتجنبهم الحديث معه! لم يستطع أن يداري ارتباكاته واستياءه فسحب ذراع أحدهم وسأله عن السبب:
– لماذا تعاملني هكذا، أنت وبقية الفلاحين؟
ارتعش الفلاح وأجاب برعشة:
– ألم يرسل الباشا عبد الحميد لاستدعائك؟
أجاب عبده:
– نعم، أظنه يريد سؤالي عن أحوال الزراعة ولكن ما شأن ذلك في تجنبكم الحديث معي؟!!
تملص الفلاح وابتعد وفي الوقت عينه دخل الباشا عبد الحميد فبادر عبده:
– محصولنا من القصب في هذه الفترة مذهل سيدي!
تنحنح الباشا بغضب:
– هل سألتك شيئاً؟
اخفض عبده راسه:
– لا يا باشا .
صرخ الباشا في وجهه:
– اذن احتفظ بلسانك النتن داخل فمك الى ان أطلب منك الكلام!
سادت وهلة صمت استند فيها عبده على الحائط فقال له الباشا في نبرة غضب:
– قف معتدلاً، هل زرعت شيئاً من القصب في الأرض القريبة من دارك؟
– نعم يا باشا.
– وهل تربي زوجتك الفراخ الصغيرة؟
– نعم يا باشا ، اشتريت ذلك من مخزن المزرعة بمدخرات…
(وقبل أن يتم جملته) رد الباشا بغضب:
– من سمح لك بذلك؟ لا أحب الفراخ والقصب لي فقط…
تمتم عبده تمتمة ارتياع وخوف فسأله الباشا أن يخلع جلابيته ويجثو على ركبتيه!
قال عبد باستكانة:
– ماذا ستصنع يا باشا؟
قال الباشا:
– سأريك ماذا اصنع!
مضى وقت طويل في مقاومة عنيدة من عبده واستلاب قاهر من الباشا لكن جثة عبده هوت على الأرض وضرجتها الدماء!
هرب الفلاحون من الأرض.. وذبل اللون الخضر لتعود أرضاً بوراً.