قصيدة: “يا مدّعي الإسلام”
دمـعي عـلى حـال الـعروبة يُسكبُ قـتـلٌ وسـفكُ باسم ديـني يُـنسبُ
يـا مُـدعي الإسـلام حـسبُك كـذبةً إذ كــيـف بــالإرهـاب جــنّـة تـطـلبُ
يــا مُـدّعي الإسـلام حـسبُك لـعبةً إذ كــيـف بـالـعـدوان أجـــراً تــرغـبُ
يـا مـدّعي الإسـلام حسبُك سكرةً غــاب الـرشـادُ وأنــت بــاقٍ تـشربُ
تالله مــــا كــــان الــصــلاح بـلـحـيةٍ كــــلا ولا كــــان الـجـبـيـنُ يُـقـطّـبُ
يــا مُـدّعـي الإســلام كـيف تـروعُنا وتـعيثُ تـسفكُ فـي الـدماء وتصلبُ
حـسـبـي عـلـيـك الله جــلّ جـلالـه مـن فـوق ذاك الـعرش فـعلك يرقُبُ
كم مسجدٍ في الأرض شقّ صفوفهُ بــــاغٍ بــزعــمٍ لـلـشـهادةِ يـكـسـبُ
أزهـــقــت أرواحــــاً تــوحــد ربــهــا وبــنــوه حــزنــاً بــالأسـى تـتـعـذبُ
وتــركـت صـهـيـون الـلـعـين وقـومـه فـرحـاً عـلـى حــال الـعـروبة يـطربُ
نــســوا بـفـعـلك يـالـئـيم وأولــمـوا ورمـــوا لـــك الـبـاقي وأنــت تـقـرّبُ
فاركض بعقلك حيث شئت ففي غدٍ يـــــومٌ عــسـيـرٌ لا تــفــرُّ وتــهــربُ
الشّاعرة “نجاة الماجد” شاعرة سعوديّة الجنسيّة، عربيّة الهوّية والانتماء، مرهفة الحسّ، ذوّاقة للإبداع، حمل قلمها مهمّة الدّفاع عن قضايا أمتها العربيّة الإسلاميّة، في هذه القصيدة “يا مدّعي الإسلام” تتطرّق إلى قضيّة هامّة جدَّا وهي “الإرهاب” هذه القضيّة التي لازالت تنخر جسد مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة، وتنفذّ دائمًا تحت شرعيّة الدّين.
ولقد اعتمدنا في تحليل هذه القصيدة على آليات المنهج البنيوي الذّي يعدّ أحد المناهج النّقديّة الحداثيّة التي تهتّم بالتّركيز على بنية النّص بعيدًا عن السّياقات الخارجيّة للمبدع.
* المقدّمة
تنتمي قصيدة “يا مدّعي الإسلام” إلى الشّعر المعاصر، حيث تتناول موضوعًا سياسيًّا خطيرًا جدّا وهو ظاهرة الإرهاب وتأثيراتها على المجتمعات الإنسانيّة، إضافةً إلى كشف أسباب هذه الظّاهرة التي تمارس من قبل جماعات وأفراد وفئات باسم الدّين الإسلامي، فالشّاعرة تقدّم صورة سوداويّة مقيتة عن الرّاهن العربي المحترق، كما تحاول أن تثور على هذه الأوضاع وتحاكم الأشخاص الذّين تسبّبوا في استفحال هذه الظّاهرة التي نجم عنها تفاقم العدوان والمظالم، القهر والاحتراق، العار والخزي، وتصاعد الحملات المندّدة للدّين الإسلامي والمسلمين من قبل الغرب.
فكيف تمظهرت ظاهرة الإرهاب في القصيدة؟ وكيف تجلّت أبعادها؟ وهل وفقّت الكاتبة في معالجة هذه القضيّة؟
العرض:
1- مرحلة ملاحظة النّص الشّعري:
– تشكّل النّص وهندسته:
الملاحظ على القصيدة اعتماد الشّاعرة على البناء التّقليدي الكلاسيكي للقصيدة العربيّة التّقليديّة أي بناء القصيدة على نظام الشّطرين ( صدر، عجز)، كما جاءت الأسطر متوسّطة، كما حافظت الشّاعرة على وحدة البحر والقافيّة والرّوي.
– عنوان النّص:
تعدّ عتبة العنوان من أبرز العتبات فهي أهم العناصر الدلائليّة في كتابة أي نص أدبيّ، فالعنوان يحمل بين دفتيه مضامين النّص ودلالاته التي هي رهن الغياب.
الظّاهر على عنوان القصيدة “يا مدّعي الإسلام” أنّه يتكرّر كثيرًا في المتن، ويمكن دراسة العنوان من نواحيه المختلفة نحويًّا، تركيبيًّا، معجميًّا، دلاليًّا.
فمن النّاحيّة النّحوّية نلحظ أنّ العنوان جاء ( أداة نداء – منادى – مضاف) وهي تعدّ ملحقة بالجملة الفعليّة لأنّ تأويل الجملة يا مدّعي الإسلام أي أنا أدعو مدّعي الإسلام، ودلالات الجملة الفعلية هي: هي الاستمرار والحدوث، أي استمرار مسلسل القتل وسفك دماء الأبرياء في وطننا العربي باسم الدّين. واستمرار مأساة العالم العربي الذّي لا يزال يقذف دماء العار والتواطؤ مع إسرائيل. وقد جاء من النّاحية التّركيبيّة مركّب إضافي.
أمّا من النّاحية المعجميّة فالعنوان ينتمي إلى المعجم الدّيني (الإسلام)، أمّا دلالات العنوان هي: (يا مدّعي) توحي بإدّعاء الانتساب للدّين دون الالتزام به. أمّا الإسلام فيوحي لدين السّلم والسّلام والطّهر والنّقاء، والظّاهر أنّ هناك علاقة وطيدة بين المركبين (يا مدّعي) و(الإسلام) فذلك الشّخص يدّعي الإصلاح والالتزام بمبادئ الإسلام في حين أنّه يأتي بأفعالٍ مسيئة له.
– تحديد القضيّة
لقد حاولت الشّاعرة “نجاة الماجد” عبر قصيدتها “يا مدّعي الإسلام” معالجة قضيّة استفحال ظاهرة الإرهاب في مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة، حيث وضعت يدها على الجرح، وعكفت على رصد النّتائج الوخيمة المترتّبة عن هذه الظّاهرة التي تؤّثر سلبًا على الأفراد والمجتمعات، فالشّاعرة تعاتب المسؤولين على حالة العتمة والسّوداويّة التي وصل إليها راهننا العربي الذّي ألف الحروب والأزمات والاحتراق، فهي تفضح إيديولوجيّة الإرهابيين وخططهم الشرّيرة باسم الدّين، حيث يدّعون الجهاد في سبيل اللّه، وإصلاح المجتمع، وقد عرضت الشّاعر صفاتهم الشّكليّة من خلال تطويل اللّحية كملمح إسلامي يدّعون من خلاله الالتزام بالدّين الإسلامي، كما قامت أيضًا بعرض مخلّفات العدوان الإرهابي من خلال قيام الإرهابيون بأعمال منافيّة للفطرة السّليمة هدفها نشر الرّعب والرّهبة والخوف في أواسط النّاس.
2- مرحلة الفهم:
– بناء النّص إلى وحدات وأفكار أساسة:
– الفكرة الأولى: [ دمعي – ينسب] تحسّر الشّاعرة على حال العرب المأساويّة التي آلت إليها جرّاء استفحال ظاهرة الإرهاب.
– الفكرة الثّانيّة [ يا مدّعي الإسلام – تصلب] معاتبة الشّاعرة أعداء الإسلام الذّين يدّعون الانتماء له وهم في الحقيقة يمارسون أفعال منافيّة للشّريعة والأخلاق.
– الفكرة الثّالثة [حسبي عليك– تقرّبُ] كشف الشّاعرة للمخطّطات الإرهابيّة التي تمارس في حقّ الأبرياء من النّاس، ومعاتبتها للإرهابيين لأنّهم زادوا في ترسيخ الصّورة الذّهنيّة السّيئة عن الإسلام والمسلمين في العالم الغربي خاصّة إسرائيل.
– الفكرة الرّابعة [فاركض – تهربُ] تذكير الشّاعرة لمدّعي الإسلام بيوم العقاب والحساب يوم لا يهرب فيه من مصيره ويجازى على أعماله السّيئة.
عرض الأفكار
تبدأ القصيدة بعرض الشّاعرة لصور حزينة تفوح بالمأساة وروائح القتل من جهة ومن جهة أخرى تتأسّف على راهن العرب الدّموي الذّي استعمرته حماقات البغي والظّلم بفعل جماعات إرهابيّة إجراميّة بثّت الرّعب والخوف والهلع، وترصّدت حياة الأبرياء، واستباحت دمائهم الطّاهرة بغيرِ حقٍّ، وقد دلّت الشّاعرة على حالتها النّفسيّة السّيئة من خلال توظيف معجم حزين يعكس ضيقها وقلقها وتوترها، وصعوبة تقبّل الوضع (دمعي، يسكبُ، قتلٌ، سفكٌ) تقول الشّاعرة:
دمـعي عـلى حـال الـعروبة يُسكبُ قـتـلٌ وسـفكُ باسم ديـني يُـنسبُ
غير أنّ النّص يزداد قتامةً ومأساةً، وتتدفّق صور الظّلم والبغي تغتسل ضفاف القصيدة، حين تبدأ الشّاعرة خطاب اللّوم والعتاب، فهي تخاطب ذلك الشّخص المجرم الذّي يدّعي الإسلام والتّمسك بمقوّمات الدّين، غير أنّه في حقيقة الأمر يرتكب أفعال محظورة تمسّ المقدّس وذات الوطن والمجتمع، حيث أنّه بسببه وبسبب أمثاله انتشر العدوان وانتهكت الأرواح واغتصبت الحقوق، فغاب السّلم والأمن وحلّ الفساد والأسى يرسمان الحاضر العربي المنهوك والموسوم بالخراب والقتل، تقول الشّاعرة بنبرة قاسيّة وحادّة:
يـا مُـدعي الإسـلام حـسبُك كـذبةً ، إذ كــيـف بــالإرهـاب جــنّـة تـطـلبُ
يــا مُـدّعي الإسـلام حـسبُك لـعبةً إذ كــيـف بـالـعـدوان أجـــراً تــرغـبُ
يـا مـدّعي الإسـلام حسبُك سكرةً غــاب الـرشـادُ وأنــت بــاقٍ تـشربُ
تالله مــــا كــــان الــصــلاح بـلـحـيةٍ كــــلا ولا كــــان الـجـبـيـنُ يُـقـطّـبُ
يــا مُـدّعـي الإســلام كـيف تـروعُنا وتـعيثُ تـسفكُ فـي الـدماء وتصلبُ
غير أنّ خطاب العتاب واللّوم يقلّ لما تبدأ الشّاعرة خطاب التّوجيه والإصلاح رغبةً منها في دعوته إلى العودة إلى الطّريق السّليم، من خلال تذكيره بأنّ اللّه سبحانه وتعالى يراه ويراقب أفعاله، وبأنّ تلك الأفعال السّيئة شوّهت صورة المسلمين في العالم، وفسحت المجال لأعداء المسلمين للشّماتة بهم والنّيل منهم؛ لأنّ العدّو يجد غبطته وبهجته في تفرّق جمع المسلمين وتشتّتهم وتناحرهم.
حـسـبـي عـلـيـك الله جــلّ جـلالـه مـن فـوق ذاك الـعرش فـعلك يرقُبُ
كم مسجدٍ في الأرض شقّ صفوفهُ بــــاغٍ بــزعــمٍ لـلـشـهادةِ يـكـسـبُ
أزهـــقــت أرواحــــاً تــوحــد ربــهــا وبــنــوه حــزنــاً بــالأسـى تـتـعـذبُ
وتــركـت صـهـيـون الـلـعـين وقـومـه فـرحـاً عـلـى حــال الـعـروبة يـطربُ
نــســوا بـفـعـلك يـالـئـيم وأولــمـوا ورمـــوا لـــك الـبـاقي وأنــت تـقـرّبُ
وتختتم الشّاعرة القصيدة بتذكير ذلك الشّخص المسيء للإسلام بيوم الحساب والعقاب، يوم يحاسب على أعماله وسيئاته، ولا يستطيع الهروب من العذاب ونار جهنّم
فاركض بعقلك حيث شئت ففي غدٍ يـــــومٌ عــسـيـرٌ لا تــفــرُّ وتــهــربُ
3- مرحلة التّحليل:
أ- المعجم والحقول:
– استقت الشّاعرة ألفاظ قصيدتها من معجم حديث، وقد جاءت الألفاظ سهلة، بسيطة غير معقّدة، واضحة غير غامضة، وهذا راجع لطبيعة القضيّة التي عالجتها والتي اقتضت توظيف هذه الألفاظ، فالشّاعرة لا توجّه خطابها إلى نخبة معيّنة؛ بل إلى كلّ النّاس، لأنّ قضيّة الإرهاب قضيّة إنسانيّة تمسّ أفراد الأمّة العربيّة الإسلاميّة، وذلك للنّتائج الوخيمة المترتبّة عنها سياسيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا وتأثيراتها السّلبية على بنية الوطن والمجتمع والفرد.
الحقول الدّلاليّة:
من أبرز الحقول المهيمنة في القصيدة نجد:
حقل الإسلام: ومن الألفاظ الدّالة عليه نذكر ( دين، الإسلام، جنّة، أجرًا، مسجد…)
حقل الحزن: من الألفاظ الدّالة عليه نجد ( دمع، أسى، تعذّب، حزن…)
حقل العنف: من الألفاظ الدّالة عليه نذكر ( الإرهاب، قتل، سفك، العدوان، تروع، أزهقت…)
الظّاهر أنّ الحقل المهيمن على القصيدة هو حقل “العنف” وهذا راجعٌ لطبيعة لقضيّة المطروحة وهي “الإرهاب” والتي تستخدم القوّة والقسوة والقمع والتّرهيب وتوجّهها ضدّ الأشخاص والجماعات.
الواضح من خلال هذه الحقول أنّ الشّاعرة قد وظّفت ألفاظ من حقول متعدّدة، وقد وفّقت في الرّبط بين هذه الحقول، وهذا ينمّ عن غنى مرجعياتها الثّقافيّة المختلفة، وقدرتها الفائقة على معالجة هذه الظّاهرة معالجة فنيّة دقيقة، حيث قدّمت رؤيتها الإيديولوجيّة الرّافضة والنّاقدة لكلّ الأشخاص والسّياسات التي تسّببت في توليد مظاهر البغي والعدوان والقتل في بلداننا العربيّة الإسلاميّة.
2- الإيقاع الموسيقي
أ- الإيقاع الخارجي:
اعتمدت الشّاعرة في بناء قصيدتها على البحر الكامل وتفعيلاته الأصلية هي ( مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ)
دمـعي عـلى حـال الـعروبة يُسكبُ قـتـلٌ وسـفكُ باسم ديـني يُـنسبُ
دَمْـعِيْ عَـلَىْ حَـاْلِ لـْعُرُوْبَةِ يُسْكَبُوْ قـَتـْلٌنٌ وَسَـفْكُنْ بِسْمِ دِيـْنِيْ يُـنْسَبُوْ
/0/0//0/0/0//0///0//0 /0/0//0/0/0//0/0/0//0
مُتْفَاْعِلُنْ مُتْفَاْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُنْ مُتْفَاْعِلُنْ مُتْفَاْعِلُنْ مُتْفَاْعِلُنْ
مضمرة مضمرة صحيحة مضمرة مضمرة مضمرة
الظّاهر أنّ تفعيلات بحر الكامل قد أصابها ضرب الإضمار من خلال تسكين الحرف الثّاني فأصبحت مُتْفَاْعِلُنْ)
أمّا القافيّة فهي (/0//0) يُـنْسَبُوْ، فآخر ساكن هنا هو حرف الواو المتولّد عن إشباع حرف الباء، وأقرب ساكن هو النون، والمتحرّك الذّي قبله هو (الياء)، أمّا الرّوي فهو حرف (ب) الذّي بنيت عليه القصيدة.
فتوظيف بحر الكامل مُرتبط بالحالة النّفسيّة للشّاعرة الحزينة، فالشّاعرة تتأسف للوضع السّوداويّ الذّي آلت إليها المجتمعات العربيّة، كما أسهم هذا البحر في إبراز رؤية الشّاعرة الرّافضة والموّجهة في آنٍ واحدٍ، فهي من جهة ترفض رفضًا كلّيًا هذا الشّكل العنيف (الإرهاب)، ومن جهة أخرى تدعو ممارسو هذا الفعل إلى العودة إلى رشدهم والتّوبة والتزامهم الصّحيح بمبادئ الدّين الإسلامي الصّحيحة، لأنّ إدّعاءاتهم غير صحيحة وغير مؤسّسة؛ بل مخالفة للدّين الإسلامي، ولحقوق الإنسان.
ب- الإيقاع الدّاخلي
يتولّد الإيقاع الدّاخلي عادةً من تماس الأصوات وتجاورها وتضامّها. وتتجلّى الموسيقى الدّاخلية في القصيدة في عدّة ظواهر فنيّة ساعدت في توليد رنات موسيقيّة جماليّة، وتشكيل نغم موسيقي دافئ، ومن أبرز هذه الظّواهر نجد:
أ- التّكرار
من أبرز البنى التي تمظهرت في قصيدة “يا مدّعي الإسلام” والتي أسهمت في إعطاء رنّة إيقاعيّة جماليّة، ودفء موسيقي جيّاش نلحظ ظاهرة التّكرار.
نلاحظ تكرار حرف الرّاء وهو يعدّ من الأصوات المجهورة والذّي تمظهر في كلمات عديدة (العروبة – الإرهاب- أجرًا- سكرةً- الرّشاد- تشرب- تروعنا- العرش- يرقبُ- أرواحًا- ربّها- تركت- العرش- فرحًا- تشرب- ترغب- يطرب- رموا- تقرّبُ- فاركض- عسير- تفرّ، تهرب…)، فحرف الرّاء يدلّ على التّكرار والحركة، والظّاهر أنّ الحركة الدّلالية لهذا الحرف في القصيدة ترواحت بين الانحراف والتّوبة وهذا ما دلّ عليه الألفاظ الموظّفة.
والأمر عينه مع حرف الباء والذّي يعدّ من الأصوات المجهورة، وقد تمظهر كثيرًا في القصيدة ( يسكبُ، ينسبُ، تطلبُ، ترغبُ، تشربُ، يقطّبُ، تشربُ، يرقبُ، يكسبُ، تتعذّبُ، يطربُ، تقرّبُ، يهربُ…) والواضح أنّ حرف الباء قد أضفى على القصيدة رنّة موسيقيّة جميلة جدًّا، وقد أسهم في تعميق الحالة النّفسيّة للشّاعرة وتقويّة موقفها الذّي تدافع عنه وترغب في إيصاله لجمهور القرّاء.
وظّفت الشّاعرة حروف المد (الألف- الياء- اللّام) وعيًا منها بالقيمة الجماليّة التي تؤدّيها حروف المدّ كونها تمثّل ظاهرة صوتية جماليّة تضفي نغمة موسيقيّة راقية، ومن أمثلة ذلك ( يا – تا – العروبة – مدّعي) وتكرارها خاصّة الأبيات الأولى وبالضّبط تكرار حرف المدّ الألف المقرون ب “يا” النّداء والذّي أسهم في تكثيف وتعميق الإيقاع الدّاخلي الذّي يتّسم بالعنف والشّدة.
لقد أسهمت حروف المدّ في إطالة النّفس الموسيقي وإحداث انفعال شديد داخل الأبيات، كما أحدثت رنات موسيقية متناغمة ومتجانسة تؤثّر في ذهن وخوالج القارئ وتدفعه إلى التّفاعل مع القضيّة المطروحة.
ب- التّصريع
يعدّ التّصريع من المحسّنات اللّفظية، ويكون عادةً في مستهلّ القصيدة، وهذا ما لاحظناه في مطلع قصيدة “يا مدّعي الإسلام”، تقول الشّاعرة:
دمـعي عـلى حـال الـعروبة يُسكبُ قـتـلٌ وسـفكُ باسم ديـني يُـنسبُ
ج- التّقطيع الموسيقي
من الظّواهر الجماليّة التي تسهم في تقويّة النغم الموسيقي الدّاخلي، ويتجسّد من خلال تجزئة الأبيات، بحيث يتوقف الوزن والصّوت، وهذا ما نلاحظه في أبيات عديدة مثل:
يـا مـدّعي الإسـلام حسبُك سكرةً غــاب الـرشـادُ وأنــت بــاقٍ تـشربُ
هذا البيت يقسّم إلى أربعة أجزاء الجزء الأوّل ينقطع الصّوت عند (يا مدّعي الإسلام) لأخذ نفس ثم بداية الجزء الثّاني (حسبك سكرةً)، ثمّ يليه الجزء الثّالث (غاب الرّشاد) ثمّ ينقطع الصّوت لأخذ نفس موسيقي ثمّ إكمال الجزء الرّابع.
خاتمة
حاولت الشّاعرة “نجاة الماجد” عبر قصيدتها “يا مدّعي الإسلام” الاقتراب من الرّاهن العربي المتناحر الذّي أثقلته الأزمات والفتن، حيث عالجت ظاهرة خطيرة جدًّا استفحلت أكثر في عصرنا الحالي في المجتمعات العربيّة الإسلاميّة وهي “ظاهرة الإرهاب”، والواضح أنّ الشّاعرة وفّقت كثيرًا في معالجتها بحيث لامست مواضع الخلل وشرّحت الواقع الإنساني، وكشفت عن مخلّفات هذه الظّاهرة وتأثيراتها السّلبيّة على بنية الوطن والمجتمع، كما نقلت أيضًا عديدَ الصّور المأساوية السّوداويّة، إلّا أنّنا نلمس تفاؤلها ونظرتها الاستشرافية في تحسّن الحالة المزريّة وعودة الأمن والصّفاء والسّلام إلى مجتمعاتنا الإسلاميّة.
—