2-2
تستقبلنا الرواية بمناصة عنوانها (توطئة ) من خلالها سيعرف القارىء أنّ السارد الضمني يشتغل على مخطوطة . من هذا الباب نسأل وبهدوء : لمن الأولية في تقنية المخطوطة ؟ لأمبرتو أيكو في روايته (اسم الوردة) أم للروائي البصري العراقي عبد الودود العيسى ؟ في روايته (مذكرات مسلول) الصادرة في 1953؟!..ترى لو كان توزيع الكتاب العراقي نشيطا..؟! لو كتبها المغفور له عبد الودود العيسى بالإنكليزية ..إلى أي مدى سيكون صعودها السردي ..؟! حين تحاورت سريعا على الواتساب بعد إطلاعه على بوستر الجلسة مع الصديق الروائي شاكر نوري أجابني (تعرف ياصديقي انها اللغة..مايكتب باللغات الأوربية والغربية يسطع في العالم أكثر ومشكلة اللغة هي العائق / بتوقيت 55/ 12 ظهيرة البصرة 4/ 12/ 2017)..
(*)
هكذا تبدأ التوطئة (هذه مذكرات المسلول، وقد سجل فيها بعض ذكرياته) ثم ينتقل السارد لشيء من التفاصيل (أبان القليل منها وأخفى اكثرها) (لم يخلف سوى هذه الوريقات بملف مستقل) والمحذوف من النص هو التالي( واحتفظ برسائله وما ارتبط بتلك الراسائل من احداث لنفسه) أما محتويات المذكرات فهي كالتالي بشهادة السارد الضمني :
*وان ما اودعه مذكراته هذه للهو في حياة لا لهو لها .
*وأخفى احاديث قلبه، ووقائع حبه ليسجل منها تأريخ قلبه على الا يقرأ ذلك التاريخ سواهما.
*يكره أن يسجل لسواه ما تضطرب له نفسه الا ما يسجله لها من رسائل يودعها للبريد كل يوم
*وماكان احراه الا يسجل من حياته الامظاهرها التي لاتتعدى ساعات النوم ومائدة الطعام
نلاحظ نحن هنا أن الكاتب الضمني يلّخص وجهة نظره بالمكتوب من قبل صاحب المخطوطة
ثم يتدخل لإطلاق عنونة خاصة بقراءته هو (وماقرأته حتى تراءى لي ان اعنونه( الحرمان) لولا انه قد عنون الصفحات الاولى(مذكرات مسلول)..
(*)
يمفصل صاحب المخطوطة روايته بالعنوانات الفرعية التالية : الخطوة الأولى،الصوت الأبح، الأعتراف،أيفون الحب المحروم،صوت من الاعماق، الياس،في الملهى، بثينة،المرآة،ابتسامة البؤس،أرام يختنق، الدم،الأم،البعث . وتنويعات العنونة الفرعية تتوائم مع تنويعات تراتبيات نزلاء المصح (مشاركي في غرفتي موظف من حلب، جارنا مهاجر لبناني من المكسيك،وهذا عامل من بيروت وذاك فلاح عراقي، وذلك تاجر، وجاره صحافي وهذا سياسي وذاك راهب ./ 134) ولايتطوق السرد بالفضاء المغلق الموبوء، فثمة سرد يمرح أيضا مع جمال الطبيعة / 119
(*)
المصح : مكان مغلق وعال على جبل ، في العلو إنتباذ قسري بذريعة صحية عن حركية الميداني الاجتماعي . والعلو شبكة لأصطياد هواءً غير مستعمل للرئات التي يتنامى فيها عطل التبادل الغازي بين هواء يدخل الرئتين والغازات المحمولة بالدم ..وفي هذا العزل يشعر المريض بمثنوي الألم : جسديا ومعنويا وبشهادة السارد المشارك في صياغة الحدث الروائي
(ايعلق قلب المسلول حب، يستشعر معه الحياة، ويستشعر معه الحياة حرمانه نعمها، يضاعف ذلك من آلامه ويزيد في تعذيبه ؟! ../ 129) والأمر لايقف عند هذا الصليب الساخن بل هناك قسوة التابو المقدس (فما بالك به،وهو النجس، وقد حرم اللمس، وحرم القرب، ولن يطمع بالقبلة والعناق )..ثم ينتقل من التعاليم الشرسة ..إلى المحسوس الذاتي بالنسبة للسارد(تطمع شفتاي بالقبلة،وتلوح ذراعاي بالعناق، ويخفق قلبي للآلتصاق، ولكني النجس ولكني المحروم، ولكني الطريد..فاغمض عيني،واعود الى شرفتي كسير النفس ،اتمنى رحمة الموت،لتنقذني من قسوة المرض./ 129)..لكن المحبة لاترتجف أو تتراجع أمام القساوات أو المصدات، تحاول منفذا لتسريب نقاءها المعطّر ..(ترفع راحتيها تمس بها رقبتي وجبيني، او تناولني اياهما لاضغط بهما على خدي،فاخفف من لواعجي واستبرد من هذه النار التي تكاد تلهبني)
(*)
يستوقني المدوّن تحت عنوان (المرآة ) فالسرد هنا ضمن الفضاء المغلق/ المصح الخاص بهذا يتفكر عميقا في علاماتية : المرآة ومؤثريتها على المتري العابر الذي سرعان ما يتحول إلى متر ٍ مدمن .. ويصبح التراسل المرآوي وحدة قياس التشافي أو اليأس ..
(مالي وللمرآة، ومالك والمرآة، وماموقع المرآة الصفيق من لوثات الدم والبلغم. ام تراهما يتجاوران تجاور المتناقضات في هذه الحياة؟ وماحديث المرآة هذا أحشره بين هذه الصفحات،أحديث للمرأة والمرآة؟ أم وهم من اوهام المرض؟/ 181)
ثم ينتقل لتوضيح أهمية وجود المرآة فيما تبقى لك من وجود شخصي في هذا الوجود
(وانت اذ تستلم عدة اقامتك، بعد ان تلزم بالاقامة هنا، لاتلبث ان تضيف اليها المرآة بعد ايام قلائل. لان المرآة ضرورية لازمة، تلازمك شئت ام ابيت ) ثم ينتقل السارد نقلة أكبر في هذا السياق ..(تدفعك حاجتك اليها) ثم يضع احتمال ثان (وقد تمتد اليها يدك بدون شعور منك بالحاجة اليها) ثم ينتقل من قصدية التعامل مع المرآة إلى تماه يومي لافكاك منه ضمن اتصالية التراسل المرآوي الدائم بين المريض والمرآة التي تكتشف له المتغير الجهوي : التشافي / التدهور..(بحكم العادة او لدوافع تجلها نفسك، او بحكم الضرورة التي يفرضها المرض عليك ،واذا بك والمرآة سواء، لاتمر بمرآة الا وتحدق بها، وقد تطيل التحديق، تضغط بسبابتك على جبينك،لترى هل ينفرج تحت الجلد دم لعله ان يكون دم الصحة والشفاء،وقد تتلمس اناملك اجفانك وزوايا عينيك، كما تمر على فمك وماخط حوله من خطوط وتجاعيد،وقد تفتح فمك وتنظر الى اسنانك والى بلعومك وحنجرتك ../ 181) هنا المرآة لها كاشفة ألغام المرض
وهي كذلك البوصلة التي تشير إلى أحد النجدين : الصحة / السقم وهكذا تدخل حياة المريض
كفقرة يومية رئيسة في حياته ويحاول المريض انسنتها لتسهم في طمأنيته ، وهي قبل كل شيء يمكن تنضيدها من أدوات الشر (فيا للتعذيب مادامت المرآة جزءا من حياتنا اليومية وفقرة من منهج هذه الحياة لايمكن حذفها ونسألها كما نسأل الطبيب ونتوسل اليها ان تصدقنا كما نتوسل الطبيب والدواء../ 182) ثم ينتقل السارد للنبش فيماوراء سطح المرآة (فوراء هذه الصور الزائلة صور غيرها، تطل عليك دوما من صفحة المرآة، تتحداك وتستثير فيك من ماضيك اكثره البائس منه والمنعم، اليائس منه والمستبشر،وكل حالة من تلك الحالات تلقي لها مايوائمها أو تصطدم بما يعارضها، فتسبشر النفس لكل شيء او تتنكر لكل شيء / 183)..هنا نمسك ذاكرة للمرآة ومسبارا لهذه الذاكرة المرآوية التي توغلت في الرائي وحولت زئببقها شاشة خاصة تعرض فيها للرائي من كان عليه سابقا ..هذه الذاكرة المرآوية يبدو مصنعّة في البصرة تحديدا فمع بداية الألفية الجديدة كان شيخنا البصري المطوب ثلاثا محمود عبد الوهاب قد امتلك مثل هذه المرآة في روايتيه (رغوة السحاب) و(رواية بحجم الكف ) وقد تناولت المرآتين في مقالتينن : مجلة الأسبوعية / طريق الشعب .. ثم ينتقل السارد بتفرد جهوي جديد في استعماله للمرآة ..(لست انظر، اذ انظر الى المرآة، الى وجهي كما تتراءى لي ملامحه حين انظر، ولو كان هذا هو الذي تدعوني اليه المرآة، لمللت النظر الى وجهي ولسئمت المرآة ولكني انظر الى ماوراء وجهي من آثار الامس، وماسيجد من معالم الغد ../183)..
(*)
الفعل الاستباقي لما سيحدث في نهاية الرواية، يصل لي كقارىء من خلال كلام أزهار مع السارد الضمني والفعل الاستباقي يأتي علاماتيا ويكون تفكيك شفرته بمفل كلام أزهار
(قلت : أتومنين بالرب ومشيئته
قالت : آمنت به، وآمنت بالعذراءوسانت تريز، وقد اشتد ايماني منذ قدومك، وانا اشعل هذه الذبالة المغمورة في اناء الزيت امام صورة العذراء، فتتقد، وتتوهج، وتدوم الليل كله مشتعلة، مما أغاظ أمي،لانها تزعم ان اتقادها وتوهجها يشتد عند تنذر لك .
قلت : لست افهم لهذا التأويل
قالت : انت حي، ستشفى، وتحيا../ 93)
*عبد الودود العيسى / مذكرات مسلول/ مطابع الحسني/ بيروت/ 1953
—