– “… ويدعوالقوى السياسية إلى توحيد كلمتها في مواجهة الإرهاب وأن تكرِّس خطابها للتنديد بالجريمة وفضح من يقف وراءها.”
– ” … ويدعو المسئولين عن الملف الأمني إلى التواضع والإقرار بفشلهم.”
نقلتْ فضائية “الحرة” هذين الخبرين بعد سلسلة التفجيرات الإرهابية التي طالت بغداد والرمادي يوم الجمعة 23/4/2010 والتي أودت بحياة 54 شهيدا و180 جريحا في بغداد و6 شهداء وعدد من الجرحى في الرمادي.
الخبر الأول منقول عن بيان لرئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني. ومن تحليله تتضحُ الحقائق المذهلة التالية:
– إن القوى السياسية العراقية لم تُوحِّد كلمتها لمواجهة الإرهاب.
هذه الحقيقة مذهلة ولكنها واضحة للعيان. فالقوى السياسية تقع بخانتين وكل فريق له مشاغلُه: أحدها مشغول بهموم الشعب وبناء العراق الديمقراطي؛ والآخر طغموي* مشغول بكيفية تقويض البناء الديمقراطي وإستعادة السلطة المفقودة ذات الإغراءات المادية والمعنوية. وخير وسيلة للغش والإختباء هو التشويش وخلط الحابل بالنابل والعامي بالشامي وإغراق الأرض وتلويث الهواء بسيل من الأكاذيب والتهويل الديماغوجي.
– وهي، بعض القوى السياسية، لم تكرِّس خطابها للتنديد بالجريمة.
أعتقد أنَّ الرئيس قصدَ “الجرائم” بمجملها، أي الجرائم الإرهابية التي حدثت خلال السنين الماضية كلها حتى يومنا هذا. أما التخصيص بجريمة الجمعة الأخيرة فقد جاء مقصودا ومتعمَّدا، من جانبه، ليتنبهَ الجمهورُ إلى مَنْ كَرَّسَ خطابَه للتنديد الحقيقي، وإلى مَنْ أدان العمل الإرهابي لفظا، من باب رفع العتب أو الجَرْيِ مع التيّار، ومن ثم بَدَأََ الطعنَ بخنجر مسموم وهو بيت قصيده. وفي ذلك أراد الرئيس تقديم الدليل الملموس إلى إتهامه المُبَطَّن للبعض، والتبطين تقتضيه هيبة الدولة؛ تلك الدولة التي يريد ذلك البعض الطغموي، أن يتهشم نظامها الديمقراطي لتعود إليهم.
– إن هناك من يقف وراء جرائم الإرهاب.
تكاد تكون هذه المعلومة بديهية؛ لكنها لدى التَعَمُّق ليست كذلك. أعتقد أن الرئيس لا يقصد قادة التكفيريين وحلفائهم من قادة البعثيين. لأن هؤلاء مفضوحون بما فيه الكفاية سواءً لدى الذين صوَّتوا للأحزاب الديمقراطية أو لدى الذين صوَّتوا للمنشغلين بإلغاء قانون وهيئة المسائلة والعدالة وإلغاء المادة الدستورية الخاصة بحضر حزب البعث الطغموي ومعاقبة من يروِّج له ولممارساته ويتستر على جرائمه السابقة واللاحقة، ومشغول بمنع القوات الأمنية من ملاحقة الإرهابيين وإلقاء القبض على المشتبه بهم وتأليب الخارج على الإجراءات الوقائية.
نعم، هناك من يقف وراء جرائم الإرهاب وهم الذين تَحدَّثَ عنهم الرئيسُ عام 2005 قائلا: “هناك من يتغدّى معنا ويتعشّى مع الإرهابيين”. وأستطيع أن أجزم أن هؤلاء لم يتزحزحوا قيد أنملة عن هدفهم الرامي إلى إستعادة السلطة الطغموية ولكن بتكتيك إضافي جديد عبر صناديق الإقتراع، بعد أن إحتضن الشعب الديمقراطية إحتضانا، لحاجته الماسة إليها، ففرضها على الجميع فرضا.
– دعا الرئيس، أيضا وبعد أن نَبَّه إلى أن هناك من يقف وراء هذه الجريمة والجرائم عموما، القوى السياسية إلى تكريس خطابها لفضح هؤلاء الذين يقفون وراء الجريمة.
وهذا هو الأمر الأهم والأخطر في ما دعا إليه رئيس الجمهورية. في الحقيقة نَشَطَ كثيرون، داخل العراق وخارجه، في فضح من يقف وراء الجرائم الإرهابية فتبين أنهم من منتسبي الفريق الديمقراطي. وهذا الإتهام هو تعتيم على الجريمة وحرف الأنظار عن مرتكبيها الحقيقيين. يقع اللومُ، في إنطلاق هذا التشويه المُتَعَمَّد دون تردُّد، على الكتاب الديمقراطيين الذين لا ينهضون بواجبهم المقدس إن لم يكن للدفاع عمن يقع عليه الحيف فعلى الأقل للدفاع عن الديمقراطية المُهَدَّدَة بالإرهاب ومن يقف وراءه ومن يتستر عليه ويشوِّش الرؤيا. هذا إذا لم يكن هناك من جعل من نفسه معبراً، من حيث لا يدري، لتشويهات وتلفيقات ذلك الرهط المُصاغة بكل عناية وتكتيك محبك.
في ضوء هذه المهام الخطيرة التي شَخَّصَها رئيس الجمهورية بدقة، كيف نقرأ أفكار صاحب التصريح الثاني وهو نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي؟ … هل هو منزعج من أمر ما؟… ربما.
ولكنه إذا كان يَعتبرُ تَعَقُّبَ الإرهاب وإختراق شبكاته والإيقاع بأكبر رأسين إرهابيين (أبي عمر البغدادي وأبي أيوب المصري) وقتلهما وقتل القائد العسكري لثلاث محافظات شمالية بضمنها الموصل وكركوك، وقبل كل ذلك إلقاء القبض على عبد الرحمن الراوي “والي” بغداد في “دولة العراق الإسلامية” – أقول إذا كان كل ذلك وأكثر‘ فهم يحتمون بألف ألف ستار ومُتَسَتِّر وداعم داخل وخارج العراق بضمنهم حكومات ميسورة، لم يُنْجِ “المسئولين عن الملف الأمني” من إنزعاج السيد نائب رئيس الجمهورية، فهل لدى السيد النائب معلوماتٌ عَمَّنْ هم أخطر من أولئك؟ ولماذا لا يعمل وفق طلب رئيسه الشرعي، أي رئيس الجمهورية، ويسلِّم ما لديه من معلومات إلى السلطات الأمنية، بدلا من التمادي في حديث التشويش والتخريب وحرف الأنظار عن “الفشل”، وهو ما لا أراه إلا فيه؟
بصراحة يخامرني إحساس بأن السيد النائب قد إنزَعَجَ وصُعِقَ مِنْ قَصْمِ ظهر الإرهاب لضنِّه بأن هذا لن يحدث بعد (التفاهم – الصفقة) المعقودة بين الأمريكيين والإيرانيين والسعوديين والأتراك والسوريين القاضية بإقصاء “إئتلاف دولة القانون” عن تشكيل الحكومة وفَرْضِ “إئتلاف العراقية” لأن الإئتلاف الأول مارس على أرض الواقع شعار: “الصداقة مع الجميع والإستقلال عن الجميع والولاء للعراق وشعب العراق”؛ فأرادوا إزاحته وإزاحة رئيسه المالكي قبل أن يتصلَّب المُنْصَهَر العراقي المسكوب في القوالب العراقية بيده. أن يبقى العراق ضعيفا أمنية الكثيرين، للأسف.
قيل في بعض الفضائيات إن المعلومات الجمَّة التي ضُبطتْ بحوزة الراوي والبغدادي والمصري أشارت إلى تَوَرُّط بعض السياسيين العراقيين في الإرهاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.