الدكتور أياد علاوي “قلق” جدا. لقد ناشد العالم للتدخل لرفض “الإملاءات التي تحاول الإلتفاف على العملية السياسية ونتائجها من أجل مصادرة إرادة الشعب العراقي” (1). وكعادته، بَرَّرَ تَوَجَّهَه للعالم للتدخل في الشأن العراقي من منطلق أن العراق مازال تحت الفصل السابع أي أنه مُسْتَباحٌ والكلُ منهمكٌُ بنهشه، حتى من قِبَلِ بعض أبناءه الذين يُفتَرَضُ فيهم بعضُ الوفاء له.
ولكنْ، إذا كانت الكويتُ، مدفوعةً من قبل الجار الكاره للديمقراطية والشيعة، والشريكِ في مجلس التعاون الخليجي، تُطاردُ طائرةَ الخطوط الجوية العراقية التي قامت بأول رحلة من بغداد إلى لندن منذ عشرين عاماً وحاولتْ إحتجازَها في ذلك المطار لولا أن الطائرة مملوكة من قبل شركة سويدية، فحُجزَ بََدَلَها مديرُ عام الخطوط الجوية العراقية السيد كفاح حسن في لندن بناءً على طلب محامي الكويت. وتمَّ كلُ ذلك تحت غطاء الفصل السابع.
وإذا قَطَعَتْ إيران وتركيا الماءَ عن العراق وإحتلت إيران البئر رقم (4) من حقل فكة البترولي، وإذا أرسلت السعودية وسوريا البهائم البشرية للعراق وموَّلت بعض الإئتلافات – لا تحت غطاء الفصل السابع بل تحت غطاء “فصل العفترة” التي يُقصد بها إحراج وإضعاف وإفشال حكومة السيد نوري المالكي لأنها مدَّت للجميع يدَ الصداقة الحقيقية، ولكنْ جنباً إلى جنب الإستقلال عن الجميع والولاءِ كل الولاء للعراق وشعب العراق.
أقول إذا إستباحت الكويت الحق العراقي ونهشته بدفع سعودي، وإذا إستباح الأخرون الحق العراقي ونهشوه بدافع مصالحهم الخاصة، فما هو الدافع لزعيم “إئتلاف العراقية” الدكتور أياد علاوي وأصحابه لهذه الإستباحة والنهش الأقذر والأوقح ؟ إنها أقذر وأوقح إستباحة ونهش لأن علاوي ورفيقه النجيفي طالبا المجتمع الدولي بطرد الحكومة العراقية المنتخبة منذ أربع سنوات، وبتشكيل حكومة “تصريف أعمال” تُشرف على عقد إنتخابات جديدة بدلاً من الإنتخابات التي جرت في 7/3/2010 والتي مازال السيد أياد يشيد بها ويشيد بدعم مجلس الأمن لها (كما أشادت وتشيد بها كافة الأطراف السياسية العراقية). فما هذا التناقض؟
ببساطة، يبدو واضحاً أن السيد اياد علاوي ورفاقه مدفوعون من قبل جميع هذه الجهات المستبيحة للحق العراقي ولا يريدون أقل من قضم السيادة العراقية وإعادة العراق إلى خانة الدولة المحتلة، عسى أن تفلحَ جهودُهم لإنجاح إنقلاب أبيض (فضحه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي) (2) لتسليم أياد علاوي ورهطه مقاليدَ السلطة مقابلَ تطمين مصالحٍ غيرِ مشروعةٍ لتلك الجهات (3). نعم، تسليمه مقاليد السلطة دون إنتخابات أي إعادة عهد النظام الطغموي(4) المرفوض شعبيا. وحلمُ إعادة النظام الطغموي والإصرار عليه هو الجذر الأعمق لكافة مشاكل العراق وعلى رأسها الإرهاب وإستخدامه للأغراض السياسية.
يتكلم السيد أياد علاوي عن “إلتفاف” على العملية السياسية. ولكنْ، في الواقع هناك إلتفافان: أحدهما من جانبه وإئتلاف العراقية، والأخر من جانب رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وإئتلاف دولة القانون.
عَلِمَ السيد أياد ورفاقه و”داعموهم” في المحيط وخارج المحيط بأن إئتلاف العراقية سوف لا يحصل على مقاعد في الانتخابات تؤهله من تشكيل حكومة بمفرده. لذا أرادوا الإلتفاف على هذا الواقع “المرِّ” عن طريق “تبادل المصالح” بمعنى أن يضغط “الداعمون” على “حلفائهم” في الداخل العراقي لتأييد إئتلاف العراقية في تشكيل الحكومة مقابل تطمين مصالح أولئك الداعمين حتى ولو تناقضت مع المصالح الوطنية العراقية.
وهذا ببساطة يعني الإلتفاف على العملية السياسية، لأنَّ تأييد الأطراف الأخرى وهي الإئتلاف الوطني العراقي والتحالف الكردستاني، لو حصل، فسوف لا يكون بإرادتهما التي زوَّدهم بها ناخبوهم وإنما بإرادة الضاغط الأجنبي الذي نظر إلى مصالحه الخاصة ولم ينظر إلى مصالح العراق الوطنية. من هذا فإن الأغلبية التي قد يحققها إئتلاف العراقية تحت هكذا ظروف ويشكل حكومة بالإستناد إليها هي غير شرعية ومرفوضة وناتجة عن عملية إبتزازية محضة. عندئذ يمكننا الحديث عن “مصادرة إرادة الشعب العراقي”.
أما “الإلتفاف” الثاني فقد تمثَّل بإجراءاتِ ردعٍ قام بها إئتلاف دولة القانون وزعيمه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي لرد الإلتفاف الأول على أعقابه وصَوْنِ المصالح العراقية وفي مقدمها صيانة سيادة العراق والديمقراطية. طالبَ إئتلاف دولة القانون بإعادة العد والفرز يدويا في عدة محافظات وخرجت بعض المظاهرات الشعبية المؤيدة هنا وهناك، وحذَّر السيد المالكي من جهود إقليمية ودولية لإحداث إنقلاب أبيض في العراق عن طريق صناديق الإقتراع (5).
أعتقد أن إئتلاف دولة القانون لم يتوقع الكثير من عملية إعادة العد والفرز اليدوي لمهارة التزوير الذي حصل. ولكن الإئتلاف قد قصد، بتقديري، ما يلي:
أولاً: تنبيه الأطراف المساهمة في محاولة الإنقلاب الأبيض إلى يقظة الشعب العراقي وإستعداده للتحرك، لأن القضية مصيرية تتعلق بالحياة أو الموت. ولا تنفع الشعب العراقي ضمانات الأطراف الحاضنة للإنقلابيين، فقد سبق وإستحصلت وكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.أي.) ضمانات من البعثيين الطغمويين في إنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 بعدم القتل العشوائي بل إجراء محاكمات عاجلة. غير أن المتعطشين لدماء الأبرياء داسوا على وعودهم وإنهالوا على الناس قتلاً وهتكاً وسلبا حتى صرخ الأحرار والديمقراطيون والإشتراكيون والشيوعيون في أنحاء العالم وخاصة في أوربا بوجه البعث وبوجه وكالة الإستخبارات المركزية وأمريكا اللتين قدمتا قصة الضمانات الخائبة. ولكنْ، مالفائدة؟ …. واليوم يقول الشعب العراقي أيضا، مالفائدة من البكاء إذا وقعوا بالشعب قتلاً وذبحاً وهتكاً وسلباً؟ تعلَّم الناس أن يتحركوا هم أولا قبل أن يتعشى الطغمويون بهم.
ثانياً: تنبيه وتحذير الأطراف السياسية العراقية الوطنية الديمقراطية التي سُلِّطَت عليها الضغوط الإبتزازية، إلى وجوب تحمُّل مسئولياتها حيال هذا الخطر الذي يتهدد السيادة والديمقراطية والمصالح الوطنية برمتها، وعلى راسها سلامة الشعب من المجازر المنتظرة.
ثالثاً: تنبيه جماهير هذه الأطراف الديمقراطية الوطنية إلى المخاطر المحدقة بها كي تُوَجِّهَ الضغوط على ممثليها المنتَخَبين للوقوف الموقف الصحيح في هذه المعركة الخطيرة والمصيرية، وإذا لن تلقى الإستجابة اللازمة فعليها تدبير أمرها قبل أن يقع الفأس في الرأس، ولات ساعة ندم.
إن ما يقصده السيد أياد علاوي من كلامه “الإلتفاف على العملية السياسية” هو لا يمت بصلة للإلتفاف لا من قريب ولا من بعيد. إنه يعني التحالف المرتقب بين إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي الذي يبدو أن الجماهير تنتظره بفارغ الصبر، بينما نَعَتَهُ السيد علاوي بنعوتٍ عديدة بعيدة كل البعد عن الواقع كتوجيه تهمة “الطائفية” له (6). لا يمكن أن يشكل هكذا تحالف أي إلتفافٍ على العملية السياسية لأن التحالف الحر من دون ضغوط وإبتزاز (عدا الضغط الشعبي) هو أمر مشروع؛ وإلا فما الذي جمع السادة: علاوي والمطلك والهاشمي والنجيفي والعاني والعلوي في إئتلاف واحد؟ أليست هي الرغبة في التوحد على أهداف معينة بمحض إرادتهم؟ (إذا أغمضنا أعيننا عن الضغط السعودي). فلماذا يُنكرون هذا الحق على الآخرين خاصة وأن الآخرين لهم أهداف ديمقراطية شريفة من وراء تحالفهم وتشكيل الحكومة وإعطاء كل ذي حق حقه دون النظر إلى النفخ الزائف؟
خلاصةً، هناك إلتفاف على العملية السياسية في العراق وهناك إلتفاف على الإلتفاف لإفساده وطرحه أرضاً تحت أقدام الجماهير. والإلتفاف على الإلتفاف ليس إلتفافاً على العملية السياسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): نقلت تصريح الدكتور علاوي فضائية “الحرة” بتأريخ 30/4/2010 .
(2): كرّر السيد نوري المالكي رئيس الوزراء ، وهو كقائد عام للقوات المسلحة مطَّلع على التحركات المريبة الكثيرة الخافية عن الجمهور، عن وجود محاولة إقليمية وعالمية للقيام بإنقلاب عبر صناديق الإقتراع وحذر من أن الديمقراطية في خطر. أوضح هذا عدة مرات وكان آخرها في كربلاء يوم 30/4/2010 حيث ألقى خطاباً تضمن معلومات خطيرة منها تلقيه عرضاً مغرياً مقابل صرف النظر عن عملية العد والفرز اليدوي. كما تلقى تهديدا بقصف المنطقة الخضراء بالصواريخ إذا ما مضت عملية العد والفرز دون توقف.
(3): نقل موقع فضائية الفيحاء يوم 30/4/2010 عن السيد حسن العلوي القيادي في إئتلاف العراقية قوله “المحيط العربي ومعظم دول الجوار العراقي كانت ومازالت ترغب بشدة أن تشهد إئتلافاً بين القائمة العراقية والإئتلاف الوطني ممثلا بالمجلس الإسلامي الأعلى”.
أسألُ على عجل: ألمْ تُقِمْ القائمة العراقية وحلفائها والمحيط ومعظم دول الجوار، الدنيا ولم تقعدها على أن المجلس الأعلى هو الطائفي والديني المتزمت وهو العميل لإيران؟ فما الذي جعل هذا الرهط يتمنى أن يتحالف معه الآن؟
هل هناك من شك في أنهم إرتعبوا من نهج حزب الدعوة ويرتعبون من إئتلاف دولة القانون لئلا تتصلب سياسته وتنبت في الأرض العراقية وتضع حداً لتدخلاتهم وأطماعهم، لذا فهم يسعون إلى تمزيق الديمقراطيين جزءً جزءً كما دأب صدام على ذات النهج؟
(4): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
(5): (راجع الهامش رقم (2) أعلاه رجاءً).
(6): هذا هو مفهوم السيد أياد علاوي للطائفية، أي أن يلتقي إئتلافان إسلاميان على برنامج ديمقراطي بعيد عن الطائفية، يطمح هو أن يتحالف مع أحدهما أو كليهما… ولكن… تحت زعامته.
ولكنْ، إذا كانت الكويتُ، مدفوعةً من قبل الجار الكاره للديمقراطية والشيعة، والشريكِ في مجلس التعاون الخليجي، تُطاردُ طائرةَ الخطوط الجوية العراقية التي قامت بأول رحلة من بغداد إلى لندن منذ عشرين عاماً وحاولتْ إحتجازَها في ذلك المطار لولا أن الطائرة مملوكة من قبل شركة سويدية، فحُجزَ بََدَلَها مديرُ عام الخطوط الجوية العراقية السيد كفاح حسن في لندن بناءً على طلب محامي الكويت. وتمَّ كلُ ذلك تحت غطاء الفصل السابع.
وإذا قَطَعَتْ إيران وتركيا الماءَ عن العراق وإحتلت إيران البئر رقم (4) من حقل فكة البترولي، وإذا أرسلت السعودية وسوريا البهائم البشرية للعراق وموَّلت بعض الإئتلافات – لا تحت غطاء الفصل السابع بل تحت غطاء “فصل العفترة” التي يُقصد بها إحراج وإضعاف وإفشال حكومة السيد نوري المالكي لأنها مدَّت للجميع يدَ الصداقة الحقيقية، ولكنْ جنباً إلى جنب الإستقلال عن الجميع والولاءِ كل الولاء للعراق وشعب العراق.
أقول إذا إستباحت الكويت الحق العراقي ونهشته بدفع سعودي، وإذا إستباح الأخرون الحق العراقي ونهشوه بدافع مصالحهم الخاصة، فما هو الدافع لزعيم “إئتلاف العراقية” الدكتور أياد علاوي وأصحابه لهذه الإستباحة والنهش الأقذر والأوقح ؟ إنها أقذر وأوقح إستباحة ونهش لأن علاوي ورفيقه النجيفي طالبا المجتمع الدولي بطرد الحكومة العراقية المنتخبة منذ أربع سنوات، وبتشكيل حكومة “تصريف أعمال” تُشرف على عقد إنتخابات جديدة بدلاً من الإنتخابات التي جرت في 7/3/2010 والتي مازال السيد أياد يشيد بها ويشيد بدعم مجلس الأمن لها (كما أشادت وتشيد بها كافة الأطراف السياسية العراقية). فما هذا التناقض؟
ببساطة، يبدو واضحاً أن السيد اياد علاوي ورفاقه مدفوعون من قبل جميع هذه الجهات المستبيحة للحق العراقي ولا يريدون أقل من قضم السيادة العراقية وإعادة العراق إلى خانة الدولة المحتلة، عسى أن تفلحَ جهودُهم لإنجاح إنقلاب أبيض (فضحه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي) (2) لتسليم أياد علاوي ورهطه مقاليدَ السلطة مقابلَ تطمين مصالحٍ غيرِ مشروعةٍ لتلك الجهات (3). نعم، تسليمه مقاليد السلطة دون إنتخابات أي إعادة عهد النظام الطغموي(4) المرفوض شعبيا. وحلمُ إعادة النظام الطغموي والإصرار عليه هو الجذر الأعمق لكافة مشاكل العراق وعلى رأسها الإرهاب وإستخدامه للأغراض السياسية.
يتكلم السيد أياد علاوي عن “إلتفاف” على العملية السياسية. ولكنْ، في الواقع هناك إلتفافان: أحدهما من جانبه وإئتلاف العراقية، والأخر من جانب رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وإئتلاف دولة القانون.
عَلِمَ السيد أياد ورفاقه و”داعموهم” في المحيط وخارج المحيط بأن إئتلاف العراقية سوف لا يحصل على مقاعد في الانتخابات تؤهله من تشكيل حكومة بمفرده. لذا أرادوا الإلتفاف على هذا الواقع “المرِّ” عن طريق “تبادل المصالح” بمعنى أن يضغط “الداعمون” على “حلفائهم” في الداخل العراقي لتأييد إئتلاف العراقية في تشكيل الحكومة مقابل تطمين مصالح أولئك الداعمين حتى ولو تناقضت مع المصالح الوطنية العراقية.
وهذا ببساطة يعني الإلتفاف على العملية السياسية، لأنَّ تأييد الأطراف الأخرى وهي الإئتلاف الوطني العراقي والتحالف الكردستاني، لو حصل، فسوف لا يكون بإرادتهما التي زوَّدهم بها ناخبوهم وإنما بإرادة الضاغط الأجنبي الذي نظر إلى مصالحه الخاصة ولم ينظر إلى مصالح العراق الوطنية. من هذا فإن الأغلبية التي قد يحققها إئتلاف العراقية تحت هكذا ظروف ويشكل حكومة بالإستناد إليها هي غير شرعية ومرفوضة وناتجة عن عملية إبتزازية محضة. عندئذ يمكننا الحديث عن “مصادرة إرادة الشعب العراقي”.
أما “الإلتفاف” الثاني فقد تمثَّل بإجراءاتِ ردعٍ قام بها إئتلاف دولة القانون وزعيمه رئيس الوزراء السيد نوري المالكي لرد الإلتفاف الأول على أعقابه وصَوْنِ المصالح العراقية وفي مقدمها صيانة سيادة العراق والديمقراطية. طالبَ إئتلاف دولة القانون بإعادة العد والفرز يدويا في عدة محافظات وخرجت بعض المظاهرات الشعبية المؤيدة هنا وهناك، وحذَّر السيد المالكي من جهود إقليمية ودولية لإحداث إنقلاب أبيض في العراق عن طريق صناديق الإقتراع (5).
أعتقد أن إئتلاف دولة القانون لم يتوقع الكثير من عملية إعادة العد والفرز اليدوي لمهارة التزوير الذي حصل. ولكن الإئتلاف قد قصد، بتقديري، ما يلي:
أولاً: تنبيه الأطراف المساهمة في محاولة الإنقلاب الأبيض إلى يقظة الشعب العراقي وإستعداده للتحرك، لأن القضية مصيرية تتعلق بالحياة أو الموت. ولا تنفع الشعب العراقي ضمانات الأطراف الحاضنة للإنقلابيين، فقد سبق وإستحصلت وكالة الإستخبارات المركزية (سي.آي.أي.) ضمانات من البعثيين الطغمويين في إنقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 بعدم القتل العشوائي بل إجراء محاكمات عاجلة. غير أن المتعطشين لدماء الأبرياء داسوا على وعودهم وإنهالوا على الناس قتلاً وهتكاً وسلبا حتى صرخ الأحرار والديمقراطيون والإشتراكيون والشيوعيون في أنحاء العالم وخاصة في أوربا بوجه البعث وبوجه وكالة الإستخبارات المركزية وأمريكا اللتين قدمتا قصة الضمانات الخائبة. ولكنْ، مالفائدة؟ …. واليوم يقول الشعب العراقي أيضا، مالفائدة من البكاء إذا وقعوا بالشعب قتلاً وذبحاً وهتكاً وسلباً؟ تعلَّم الناس أن يتحركوا هم أولا قبل أن يتعشى الطغمويون بهم.
ثانياً: تنبيه وتحذير الأطراف السياسية العراقية الوطنية الديمقراطية التي سُلِّطَت عليها الضغوط الإبتزازية، إلى وجوب تحمُّل مسئولياتها حيال هذا الخطر الذي يتهدد السيادة والديمقراطية والمصالح الوطنية برمتها، وعلى راسها سلامة الشعب من المجازر المنتظرة.
ثالثاً: تنبيه جماهير هذه الأطراف الديمقراطية الوطنية إلى المخاطر المحدقة بها كي تُوَجِّهَ الضغوط على ممثليها المنتَخَبين للوقوف الموقف الصحيح في هذه المعركة الخطيرة والمصيرية، وإذا لن تلقى الإستجابة اللازمة فعليها تدبير أمرها قبل أن يقع الفأس في الرأس، ولات ساعة ندم.
إن ما يقصده السيد أياد علاوي من كلامه “الإلتفاف على العملية السياسية” هو لا يمت بصلة للإلتفاف لا من قريب ولا من بعيد. إنه يعني التحالف المرتقب بين إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي الذي يبدو أن الجماهير تنتظره بفارغ الصبر، بينما نَعَتَهُ السيد علاوي بنعوتٍ عديدة بعيدة كل البعد عن الواقع كتوجيه تهمة “الطائفية” له (6). لا يمكن أن يشكل هكذا تحالف أي إلتفافٍ على العملية السياسية لأن التحالف الحر من دون ضغوط وإبتزاز (عدا الضغط الشعبي) هو أمر مشروع؛ وإلا فما الذي جمع السادة: علاوي والمطلك والهاشمي والنجيفي والعاني والعلوي في إئتلاف واحد؟ أليست هي الرغبة في التوحد على أهداف معينة بمحض إرادتهم؟ (إذا أغمضنا أعيننا عن الضغط السعودي). فلماذا يُنكرون هذا الحق على الآخرين خاصة وأن الآخرين لهم أهداف ديمقراطية شريفة من وراء تحالفهم وتشكيل الحكومة وإعطاء كل ذي حق حقه دون النظر إلى النفخ الزائف؟
خلاصةً، هناك إلتفاف على العملية السياسية في العراق وهناك إلتفاف على الإلتفاف لإفساده وطرحه أرضاً تحت أقدام الجماهير. والإلتفاف على الإلتفاف ليس إلتفافاً على العملية السياسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): نقلت تصريح الدكتور علاوي فضائية “الحرة” بتأريخ 30/4/2010 .
(2): كرّر السيد نوري المالكي رئيس الوزراء ، وهو كقائد عام للقوات المسلحة مطَّلع على التحركات المريبة الكثيرة الخافية عن الجمهور، عن وجود محاولة إقليمية وعالمية للقيام بإنقلاب عبر صناديق الإقتراع وحذر من أن الديمقراطية في خطر. أوضح هذا عدة مرات وكان آخرها في كربلاء يوم 30/4/2010 حيث ألقى خطاباً تضمن معلومات خطيرة منها تلقيه عرضاً مغرياً مقابل صرف النظر عن عملية العد والفرز اليدوي. كما تلقى تهديدا بقصف المنطقة الخضراء بالصواريخ إذا ما مضت عملية العد والفرز دون توقف.
(3): نقل موقع فضائية الفيحاء يوم 30/4/2010 عن السيد حسن العلوي القيادي في إئتلاف العراقية قوله “المحيط العربي ومعظم دول الجوار العراقي كانت ومازالت ترغب بشدة أن تشهد إئتلافاً بين القائمة العراقية والإئتلاف الوطني ممثلا بالمجلس الإسلامي الأعلى”.
أسألُ على عجل: ألمْ تُقِمْ القائمة العراقية وحلفائها والمحيط ومعظم دول الجوار، الدنيا ولم تقعدها على أن المجلس الأعلى هو الطائفي والديني المتزمت وهو العميل لإيران؟ فما الذي جعل هذا الرهط يتمنى أن يتحالف معه الآن؟
هل هناك من شك في أنهم إرتعبوا من نهج حزب الدعوة ويرتعبون من إئتلاف دولة القانون لئلا تتصلب سياسته وتنبت في الأرض العراقية وتضع حداً لتدخلاتهم وأطماعهم، لذا فهم يسعون إلى تمزيق الديمقراطيين جزءً جزءً كما دأب صدام على ذات النهج؟
(4): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
(5): (راجع الهامش رقم (2) أعلاه رجاءً).
(6): هذا هو مفهوم السيد أياد علاوي للطائفية، أي أن يلتقي إئتلافان إسلاميان على برنامج ديمقراطي بعيد عن الطائفية، يطمح هو أن يتحالف مع أحدهما أو كليهما… ولكن… تحت زعامته.