بدءاً بـ /النصيص/ الذي تميل دلالته إلى التغيير واللا انشداد إذ انه فيزياويا يمتص كل شئ ولايعطي شيئاً ، هذا من الناحية التكوينية ، أما من الناحية اللونية ، فالسمة الغالبة تميل إلى الشفافية .
إن إضفاء البعد التكويني للرمل على المرأة يعتمد على التماسك الحاصل في بنية الرمل بعد تفاعله مع المواد الأخرى. أما النداوة التي يختص بها الرمل فهي خارجة عن كينونته ، إذ هي من فعل عامل خارجي ، بمعنى متأت من بنية خارجية ، وأظن إن -الشاعرة- أرادت بهذا الإلصاق الوصفي أن تقول لنا إن المرأة قادرة على امتصاص كل الصدمات الحياتية التي تواجهها حتى تظهر -في كثير من الأحيان-متراصة قوية بغض النظر عن التوصيفات العامية لبنية الرمل/ساسك من رمل/ بمعنى إن الأساس الذي يكون رملا لابد أن يكون واهناً.
في /حزمة ضوء/ يتصاعد النسيج لولبياً إذ تبدأ هذه المجموعة بـ /وحشة/ وتنتهي بـ /قلب/ وما بين الوحدة والقلب أكثر من وجع واسى. تتسم قصائد هذا الجزء يتغيب متقصد للزمن ، إذ يمثل المكان كل المساحة بل ويضيق على الزمن امتداداته بدليل القرينة الرئيسة – بؤرة النص /حزمة ضوء/ فهي لابد أن تتمثل مكانا كتبديد ظلمة ما. قد تكون هذه الظلمة روحية ، أو ظلمة مجتمع ، أو ظلمة قوى قهرية ، أو نزوعات نفس تواقة :
لا ضوء ………..
يجمع سري
فراشاتي
هي ظلمة خائفة
منذ الوهلة الأولى نلاحظ إن مقتنيات السارد مشتتة ، فعلى الرغم من التوصيف الحاصل للفراشات بأنه /سرب/ إلا إن هذا السرب لايحمل مكونات تكوينه كسرب بمعنى انه يبحث فيما يعينه على الوصول إلى مبتغاه. تتحرك كاميرا الشاعرة بنحو سريع ما بين لقطة سريعة لـ /فراشة/ وأخرى لـ /جندب/. أما عملية /العزف/ المتأتية من الصوت فهي التي بددت ظلمة الروح لان الفعل /يستجيب/ لايتحقق في روح قاحلة بل في روح ندية ، وبهذا تحقق الشاعرة براعتها في الدوران داخل البؤرة الرئيسة من دون أن تخسر شيئا من بريقها الشعري، أو انزياحاتها المطلوبة. إن كثرة الفراغات المنقوطة في المجموعة تدل على بنية القطع المبرمج للزمن والذي يحاول أن يجعلنا نتأمل كل سطر بدقة وعناية وهذا ما نلاحظه في القصيدة الجميلة والرائعة /مكابرة/ التي تؤكد على ذلك الحزن الشفيف الذي يتماهى في ذاكرة الحاضر لا كحضور تكويني بل كحضور خامل ومؤثر في نهوض الذات المنكسرة. بدأت القصيدة بـ /لن / وانتهت بـ /لن تراه/ هذا النفي غير التقني متأصل في ذات الشاعرة كما أظن، فبكاؤها مشروط لان دمعتها عزيزة. هي تعرف إن ذرف الدموع ليس هنيئاً ما لم تحقق الدموع شرطها المؤثر في الآخر. إن الدموع هي واسطة ، قنطرة عبور للآخر، فالدال اللساني /لن/ يحاول أن يجعل من الأنا الحاكية والآخر المخاطب الافتراضي واحداً لاينفصل. هذا التوحد الروحي خلق لنا تواشيحاً دراميا يصادر فعل الافتراق وان تحقق مادياً.
في /حضور الغائب/ يتداخل الزمن والمكان بنحو مختلف عن سابقه، إذ المكان ينفتح على أمكنة ثانوية، والزمن يزحف في أماكن مختلفة متخذاً صيغة هلامية رجراجة. في قصيدة /أنين الصدى/ يبلغنا العنوان إلى إضفاء ما هو حسي على ما هو غير حسي، وهنا يمتزج المكان مع الزمن إذ إن الأنين صادر من روح والصدى ترجيع ذاكرتي بمعنى مد زمني يحاول ابتلاع مكانه من اجل هزهزة بنية وخلق مناخ يتيح حركة بندولية تذهب يميناً وشمالا. تبدأ القصيدة بالدال اللساني /كل صباح/ المؤكد على زمن النهوض بعبارة جميلة جدا واختيار فعل غير لين وتطويعه من خلال السياق بنحو واق /قبل أن تعج العصافير/ لقد أمضت كلمة العصافير صلاحية الفعل /تعج/ كما أمضت /الغفلة/ قوة الشمس /في غفلة الشمس/. هذه الالتماعات اللغوية في القصيدة الحديثة لأنها غنج القصيدة الطراوة المطلوبة. لاحظ إن النص يلعب على التقابلات المتنادية ببراعة واشي /عالمين على الرغم من بطء الإيقاع ونقله، لأنه مستجلب من مناطق نائية في الزمن والذاكرة على الرغم من حرارة الموقف المستذكر.
أما في /لتقاسيم الليل والنهار/ يلعب الزمن لعبته منفرداً ويدخل المكان خجلاً بواسطة مجموعة من الكلمات كما تتخذ الألوان مساحة مهمة من هذا الجزء.
بنية الإشارة تفرض طوقا مهماً على النصوص، إذ لايقدم المتن تصريحاً مباشراً للنصيص بل إلى كلية تعبيرية عنه بواسطة مجموعة من الدلالات التي تعكس رغبة في إظهار النية العميقة خارج تكوينها المجازي. إن التجانسات الشعرية المطلوبة في القصيدة الحديثة في قصيدة /الأخضر والأبيض/ على سبيل المثال لا الحصر
بنحو واضح
للنهار: ضجيج اخضر
وحده النهار من يحيل همس الليل
صباحاً ابيض
إن التراكم الحاصل في الوصوفات -هنا- لايقتضي إلى مجموعة من الفوائض الشعرية ولايستنزف الدلالة المستعملة من رجله بل إن هذا التراكم يغيرنا بانفتاحه على محولات تناسب تلك اللاتجانسات والتضادات بين عنفوان النهار وبنية الضجيج واللون الأخضر.
لقد استمتعت بهذه المجموعة التي كشفت عن وثبة جادة في فضاء النص من دون حواجز ومصادرات واستمرت مستويات انزياحية مهمة ذات تركيز شعري تتجلى فيه طاقة تصويرية جميلة وفراغات محسوبة منحننا تنويعاُ شعرياً أبقى على انسيابية شعرية في محاولة لتفعيل الإيقاع الداخلي وبهذا امتلكت هذه المجموعة فعل الافتخار المحسوب في عالم الشعر الذي يصعب على الكثيرين اقتحامه .