نص: ريتشارد بروتيغان
ترجمة: سوران محمد
كل ما راقبتها آلات محبة نعمة
………..
أود أن أفكر (و
كلما كان عاجلا كان أفضل!)
في مرج سبراني
حيث الثدييات وأجهزة الحاسوب
تعيشان معا بشكل متبادل
تبرمج الوئام
كماء نقي
يلمس سماء صافية
.
أود أن أفكر
(الآن، رجاء)
في غابة سبرانية
مليئة بالصنوبر والألكترونيات
حيث تمشي الغزلان بسلام
متجاوزا الكمبيوتر
كما لو كانت زهورا
تغزل أزهارا .
.
أود أن أفكر
(يجب أن يكون !)
في علم البيئة السبراني
حيث نتحرر من أعمالنا
وننضم إلي الطبيعة،
نعود إلي ثديتنا
الأخوة والأخوات،
و كل مراقب
بآلات محبة نعمة
………………………..
* دلالات النص:
كتب بروتيغان هذه القصيدة والمجموعة التي تحمل نفس الاسم بين 17 و 26 يناير 1967، عندما كان شاعرًا مقيمًا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا. تصف القصيدة المدينة الفاضلة التكنولوجية التي يعمل فيها البشر والتكنولوجيا معًا من أجل الصالح العام. يكتب عن “الثدييات وأجهزة الكمبيوتر تعيش معًا في انسجام برمجي متبادل”، حيث تعمل التكنولوجيا كقائم على الرعاية العامة، بينما “نتحرر من عملنا ونعود إلى الطبيعة.” يختلف النقاد حول ما إذا كان هكذا في الواقع يعتبر الامر شيئا جديا أم انها سخرية و لا تمت بصلة الی الجد.
يعتبر معظم النقاد القصيدة كثقافة مضادة، وتبنيًا مجتمعيًا للرؤى التكنولوجية لحقبة الحرب الباردة. قال ناشر بروتيغان (كلود هايوارد) إنه “لفت انتباهي بإشاراته السحرية للآلات الحميدة التي تحافظ على النظام … [والتي] تتناسب تمامًا مع تفاؤلنا بشأن وعد الكمبيوتر”. إنها طفولية جدًا وبريئة جدًا، غير ان هذه التنبٶات لاحقا و في عصرنا الرقمي صارت جزءا من حياتنا اليومية، أي-تدخل الحاسوب في ادارة الامور-
وقد فسره آخرون على أنه نقد ساخر لليوتوبيا الممكّنة تقنيًا التي تدعي أنها تتوق إليها. وفقًا لكارلوس سيليجو من جامعة ستانفورد هناك مفارقة في القصيدة “دقيقة ومعقدة مثل استعاراته المختلطة”، والتي يقول سيليجو إنها “تقوم دائمًا علی ثلاثة أشياء على الأقل – وغالبًا ما تكون أربعة أو خمسة أو ستة أشياء في وقت واحد.” لاحظ روبرت ج. جرانجوير كيف أنه من غير المعتاد أن يأخذ الشعراء الأمريكيون نظرة إيجابية لعلاقتنا بالتكنولوجيا، ولكن إذا نظرنا إليها على أنها من المفارقات، فإنها “تنضم إلى التيار الرئيسي للشعر الأمريكي المضاد للتكنولوجيا.
* من هو الشاعر والروائي ريتشارد غاري بروتيغان؟
* ولد الشاعر في 30 يناير 1935 في مدينة تاكوما، واشنطن، الولايات المتحدة.. بدأ مشواره الادبي في أواسط الخمسينيات للقرن الماضي، كان متأثرا بكتاب كالـ: جاك كيروك، تشارلز بوكوفسكي، إرنست همينغوي، كارلوس وليم كارلوس، له العديد من المؤلفات مابين الشعر والقصة والرواية، من أهم رواياته (صيد سمك سلمون المرقط في أمريكا) 1967.
وقد تميز بأسلوبه الخاص والنادر في الكتابة، حيث كان يمتزج بين الفكاهة والجد لرسم واقع خيالي أو بالاحري كي ينسى بهذه الطريقة مآسي حياته الشخصية و ينتقد من خلالها الواقع الاليم في نفس الوقت.
كان للبؤس والحرمان و التهميش حضورا دائما في حياته و داخل نتاجاته الادبية، ففي عام 1956 على سبيل المثال قام بكسر زجاجة شباك لمركز للشرطة كي يسجنونه حيث سيكون بوسعه الحصول علي الاكل اللكافي في السجن، لكنه سرعان ما خاب ظنه عندما تم تحويله الي المستشفي النفسي لتلقي علاج الشيزوفرينيا والبارانوي – العلاج بالصدمات الكهربائية آنذاك-
انتهي مشواره الادبي عندما انتحر في بولنيسا، كاليفورنيا في 16 سبتمبر 1984 عن عمر ناهز ٤٩ عاما..
* أما بالنسبة لأسلوب کتابة قصائده فهي وليدة اللحظة، حيث تمتاز أكثر القصائد بالقصر والاختصار، لكن يستعمل مضامينها الساخرة كوسيلة للتعامل مع مجريات الامور و ما يدور في محيط الشاعر، خاصة أثناء تداوله مواضيع حساسة و مهمة، فهو لم يكن يأخذ في الحسبان أي قيود يمنعه من كتابة ما يشاء، لذا نراه احيانا يقفز علي المعني و يعبر عن ما في داخله بشكل اعتباطي ..
صحيح اننا كقراء لم نتعود علي هذا الاسلوب، لكنه عالميا يحظي بشعبية واسعة من بين القراء -خاصة من الجيل الصاعد، و له سمعة لا نظير لها مقارنة بكتاب جيله بسبب أسلوبه المتميز في الكتابة، في حين يعتبر بعض النقاد اعماله بالشطحات و يرونه انه لا يلتزم في نصوصه بأي قيود أدبية و لغوية و يستعمل مصطلحات غريبة وصور عجيبة نوعا ما..
ولم أجد وصفا أدق لأسلوبه في الكتابة غير الذي كتب عنه في جريدة الحياة ذات مرة: (أن قصائد بروتيغان هي من بين النصوص الأكثر ابتكاراً في الأدب الأميركي الحديث، سواء بالدعابة المسيَّرة داخلها أو باستعاراتها الغريبة أو بالتلاعب الفريد في صياغتها. ولا عجب في ذلك، فبروتيغان كان يعتبر الشعر أرضية مثالية لإعادة ابتكار الذات. وهذا ما يفسّر الأشكال المتنوّعة التي تحضر فيها هذه النصوص: قصائد هايكو عرجاء، سونيتات مخرَّبة عمداً، عناوين صحف، إعلانات ذات فائدة عامة، أفكار تتداعى بطريقة آلية، نشرات جوية سورّيالية، شذرات سير ذاتية، مزامير، أوراق نعي، شتائم، قصائد تقتصر على عنوانها أو يتجاوز هذا الأخير بحجمه نصّها، من دون أن ننسى التجليات على طريقة جايمس جويس أو النكات الماركسية أو اليوميات المقطّعة).
* المصادر/
٢- en.wikipedia
النص بالانجليزية:
All Watched Over By Machines Of Loving Grace
………………………………………
I like to think (and
the sooner the better!)
of a cybernetic meadow
where mammals and computers
live together in mutually
programming harmony
like pure water
touching clear sky.
I like to think
(right now, please!)
of a cybernetic forest
filled with pines and electronics
where deer stroll peacefully
past computers
as if they were flowers
with spinning blossoms.
I like to think
(it has to be!)
of a cybernetic ecology
where we are free of our labours
and joined back to nature,
returned to our mammal
brothers and sisters,
and all watched over
by machines of loving grace.