أطرح الحالة الإفتراضية التالية: لو أنيطت بالجماهير التي إنتخبت إئتلاف العراقية مهمة إنتخاب حكومة عراقية، وإنطلقت حملة إنتخابية تتنافس فيها مجموعتان: أياد علاوي ورفاقه مقابل عزت الدوري ويونس الأحمد ورفاقهما، فلمن ستكون الغلبة؟
أكاد أكون واثقاً أن أنصار إعادة عزت الدوري ويونس الأحمد للسلطة (بل حتى صدام لو أُعيدَ حياً!!) سيشكلون الأغلبية الساحقة، إذ سيقول لسان حال جماهير إئتلاف العراقية للدكتور أياد: إذا حضر الماء بطل التيمم، أيها الرفيق أياد!!!.
أليس كذلك؟ هل في هذا تجنٍّ على واقع حال جماهير إئتلاف العراقية؟ إليك المزيد:
أولاً: شكت السيدة ميسون الدملوجي، الناطقة الرسمية بإسم “إئتلاف العراقية”، في إحدى حلقات برنامج “بالعراقي” في فضائية “الحرة” قبل أسابيع معدودة، بأن “إئتلاف العراقية” خسر أصواتاً في جنوب ووسط العراق نتيجة صَبْغِهِ بالصبغة البعثية؛ فرد عليها مدير البرنامج السيد عمر محمد قائلا: “ولكنكم، بالمقابل، إستفدتم وكسبتم أصواتاً من هذه الصبغة البعثية في المناطق الغربية والموصل”. لم تستطع السيدة الرد لأن الحقيقة واضحة.
ثانياً: وبتأريخ 1/6/2010 أضطر السيد اياد علاوي إلى إطلاق الكلام اللامعقول وأصابه التلعثم عندما واجهه محاورُه صاحبُ برنامج “الحديث الصعب / هارد توك”، في فضائية البي بي سي البريطانية، بالكلام الصريح الذي يتجنبه العراقيون عادة لأسباب مختلفة تنقصها الشجاعة والأمانة. قال له: تتكلم عن حرب أهلية وهو أمر في غاية الخطورة، فهل تعني أن الذي سيقوم بها هم مؤيدوك من السنة؟ أجابه بتلعثم وحرج ولم يردد له نغمته الديماغوجية المعتادة من أنه يمثل الشعب العراقي كله ولا يمثل طائفة دون أخرى، قال: كلا . فصعقه محاوره بسؤال آخر: مَنْ، إذاً؟ أجابه بأشد تلعثماً: هم …… الطائفيون!!. هنا بدا صاحب “المشروع الوطني” سخيفاً للغاية لأن مصدر الإرهاب معروف للعالم أجمع وهم الطغمويون* وحلفاؤهم التكفيريون. لم يفت المُحاور أن يقول للسيد أياد أن إئتلافه يستمد قوته من البعثيين؛ وكانت أجوبته على العموم باهتة بائسة لأن مستمعي البي بي سي لا يُبهَرون بكلام اللف والدوران الذي تصطبغ به أحاديث السيد أياد ورفاقه في الفضائيات العربية. أما مجلة الإيكونومست البريطانية فلم تتهم السيد أياد علاوي بالطائفية ولكنها قالت إن العراقيين ينظرون إليه كبعثي لذا أوصت المجلة بإستبعاده من رآسة الوزارة.
ثالثاً: لم يطلق السيدان أياد علاوي وحسن العلوي صرختهما بوصف صدام يوم إعدامه ب “الشهيد” لدوافع نفسية. أعتقد أنهما كانا يتحسسان الشعور الحقيقي للجماهير التي يرمون الشباك لإصطيادها بهدف توسيع القاعدة الشعبية لحركة الوفاق الوطني والقائمة العراقية، رغم أن صرخة “الشهيد” التي أطلقاها قد كلفتهما نفور أبرز أطراف وشخصيات القائمة العراقية الذين أكسبوها نوعاً من الإحترام كالحزب الشيوعي العراقي وحركات قومية ووطنية وشخصيات ديمقراطية محترمة كالقاضي وائل عبد اللطيف والسيدة صفية السهيل والدكتور مهدي الحافظ والدكتور حاجم الحسني والسادة عزت الشابندر والدكتور مالك دوهان الحسن وأياد جمال الدين وغيرهم حيث إنضم معظمهم إلى إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني. بينما إنضم إلى إئتلاف العراقية حركات وأشخاص يقعون بين بعثي “قطمر” وبين ربع بعثي أمثال السادة: ظافر العاني وصالح المطلك وطارق الهاشمي وعبد الفتاح الشيخ وغيرهم.
أسأل: ماذا يعني أن تقود معلمة أو مديرة مدرسة في تكريت تلميذاتها لزيارة قبر صدام حسين الذي أدانته محكمة عراقية عادلة** وحكمت عليه بالإعدام لكونه المسئول الأول عن إقتراف مجزرة في الدجيل التي كانت قضيةً رمزية تؤشر لمسئوليته في أعمال التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية ونشر المقابر الجماعية في أرض العراق والجرائم ضد الإنسانية منها جريمة مهاجمة الأبرياء في حلبجة بالأسلحة الكيميائية والأنفال وقمع إنتفاضة ربيع 1991 الشعبانية؟
وماذا يعني أن يُعاد بناء قبر صدام بالمرمر والمواد الفاخرة المستوردة من الأردن أو عن طريقه ليُجعل منه مزاراً، لا خاصاً بل عاماً، للإحتفاء به؟
لا شأن لي بالقبر والمرمر إذا كانا يريحان أهله وأقاربه وأصدقاءه ومريديه ونحن في عراق ديمقراطي فيه الناس أحرار ويفعل كل إنسان ما يلائم ضميره وقيمه وأخلاقه وحياءه ووطنيته.
ولكن هل فكر هؤلاء بشعور ملايين العراقيين الذين أريقت دماء ذويهم وأزهقت أرواحهم وإنتهكت حرماتهم وإستبيحت مقدساتهم على يد هذا الرجل وأعوانه؟ وهذا، ثانيةً، أمرٌ خاص بالأهل والأقارب والأصدقاء والمريدين.
ولكن هل أقاموا إعتباراً لملايين العراقيين عندما أرادوا أن يجعلوا منه مزاراً عاماً للمدارس وهي مؤسسات رسمية يموّلها المجتمع المنكوب؟ وهل إحترموا العدل وحقوق الإنسان والدستور والقضاء العراقي؟
وهل كان هذا أول حدث يبجلون فيه صداماً؟ كلا، والجميع يتذكر المظاهرات واللافتات الإستفزازية، ويتذكر هتافات “شهيد الحج”!!
وهل نستغرب هذه التصرفات إذا كان زعماء إئتلاف العراقية يعلنون عن مواقف أقرب أو أشد من موقفي السيدين علاوي والعلوي بشأن “الشهيد” صدام.
الأهم، هل كانت تلك المدرّسة أو المديرة أو القائمون على تبجيل صدام تبجيلاً عاماً وليس خاصاً، يجرؤون على الإقدام على أفعالهم لو كان هناك في تكريت رأياً عاماً رادعاً يحترم الديمقراطية والآخر وحريصاً على الوحدة الوطنية؟ أليست هي حقيقة أن ضحايا صدام يعلنون ليل نهار بأن صدام وأعوانه هم طغمويون لا يمثلون أياً من قوميات أو أديان أو طوائف الشعب العراقي بل هم لملوم من جميع تلك الشرائح هيمنوا على السلطة قسراً لمنافعهم الذاتية، بينما ينبري لنا الرأي العام في تكريت ليقول لنا غير ذلك متحدياً شعور الغالبية العظمى من جماهير الشعب العراقي وكأنه يقول لهم “نحن نؤيد كل ما فعله صدام بكم”؟ أليست هذه صرخة تزكية وتمجيد لواحد من أبشع أنواع الإجرام التي عرفتها البشرية؟ كيف تتم الوحدة الوطنية على هذا الأساس؟ أليس هذا رفضاً للآخر ورفضاً قاطعاً للديمقراطية؟ هل يُلام من لا يكنُّ الإحترام لمثل من يقوم بمثل هذه الأعمال الداعية إلى الفرقة والتبعثر؟
والأكثر أهمية، أين دور إئتلاف العراقية ووطنيته ولاطائفيته من هذا الأمر؟ هل هو نائم أم هو منشغل في الإدعاء وإطلاق التهم والتخوين؟ ألا يعني هذا أن إدعاءاته بالوطنية العابرة للطائفية مجرد كلام دعاية لا أكثر؟
أعتقد أن هذا ينسف من الأساس تعكّزَ إئتلاف العراقية، بكونه عابراً للطائفية، على حصوله على مقاعد في هذه المحافظة وأمثالها بينما لم يحصل التحالف الوطني والتحالف الكردستاني على شيء فيها.
سيقول إئتلاف العراقية: هذه جماهير وهذه آراؤها. وسأقول: لقد رفضت أوربا والعالم الديمقراطي السيد (هايدر) النمساوي، الذي فاز بأغلبية الأصوات البرلمانية التي كانت تؤهله لتشكيل الحكومة مع حلفاءه؛ لكنه رضخ لذلك الضغط الرافض لأن الديمقراطية لا تعني السماح لمن يريد العودة إلى ممارسات النظم الفاشية التي نبذتها الشعوب، تحت هذه الواجهة أو هذا البرقع أو ذاك.
معيار اللاطائفية الحقيقي:
من جهة أخرى، فإن تنوّع قوميات وأديان ومذاهب المنتخِبين ومواقع تواجدهم الجغرافي ضمن البلد لا يعني، بالضرورة، أن المنتَخَبَ يحمل مشروعاً وطنياً إذا لم يكن برنامج عمله وطنياً فعلا. وبالعكس فإن صاحب المشروع الوطني اللاطائفي يبقى وطنياً ولاطائفياً حتى ولو صوَّتَتْ له شريحة واحدة فقط أو سكان بقعة جغرافية معينة. علماً أن التحالف الوطني قد فاز في 10 محافظات وفازت الأحزاب الكردية في أربع وفاز إئتلاف العراقية في 4 محافظات فقط.
أعتقد أن حال البرنامج الحقيقي (وليس البرنامج الورقي والإدعائي) لإئتلاف العراقية هو من النوع الطائفي واللاوطني، كما رأينا أعلاه فيما يخص مواقف قادته وسمات جماهيره.
بنفس الوقت فإن برامج عمل إئتلافي دولة القانون والوطني العراقي والأحزاب الكردية هي برامج وطنية وديمقراطية (على الورق وفي الإدعاء وفي الممارسة العملية) رغم إقتصار التواجد الجغرافي لمنتخِبيهم في مناطق محددة لكنها تشمل أغلبية المحافظات العراقية وليس جميعها.
جاءت، إذاً، نتائج الإنتخابات منطقية ومطابقة للواقع (وهذا لا يعني عدم حصول تزوير مدبَّر خارجياً بتقنية عالية بهذا القدر أو ذاك) . فمناطق نجاح إئتلاف العراقية هي المناطق التي قمعت الديمقراطيين من السنة العرب وإنطلق وينطلق منها الإرهاب فهناك من إنخرط في العمل الإرهابي وهناك من روّج له وهناك من دعمه وهناك من تستر عليه وهناك من سكت عنه وهناك إنبسط لنجاحه وإكتئب لخذلانه وهناك من بدّل تكتيكه وسلك طريق صناديق الإقتراع بهدف التخريب بدعم خارجي. نعم، هناك إرهابيون وخارجون على القانون في المناطق الأخرى ولكنهم معزولون وبأعداد ضئيلة جداً.
إنه، إذاً، ليس بالأمر المستغرَب أن لم يفز ولا نائب من إئتلافي دولة القانون والوطني العراقي في المناطق الغربية والموصل. فهذا يصب في صالح سلامة مواقف الإئتلافين وليس لصالح إئتلاف العراقية لإن التصويت لهذا الأخير تمَّ على أساس قبول طروحاته المنافية للديمقراطية كما ذكرتُ أعلاه؛ وحصل على دعم من شرائح متعصبة رافضة للآخر رفضاً تدينه لائحة حقوق الإنسان؛ بينما يوجد تبرير مُقْنِع لعدم إنتخاب إئتلاف العراقية في كثير من المناطق الوسطى والجنوبية والمناطق الكردستانية مع نجاح محدود في عدد صغير منها.
خلاصةً أقول: أن يكونَ الحزب أو الإئتلاف أو الجماعة، أو لا يكونَ، صاحبَ مشروعٍ طائفي أو عنصري أو وطني، لا يحددُه دينُ أو مذهبُ أو قوميةُ قادةِ ومنتسبي ومؤيدي ومُنتَخِبي ذلك الحزب أو الإئتلاف. المُحدِّدُ الحقيقي هو برنامج ذلك الحزب أو الكيان أو الجماعة بمحاوره المتعددة.
أما إئتلاف العراقية بمكوناته العديدة فهو في أحسن الإحتمال يريد إفراغ الديمقراطية من جوهرها وتشويهها إن لم يكن وأدها عن طريق تسفيهها. أرى أن كثيرين في هذا الإئتلاف، للأسف، مازالوا رافضين للديمقراطية الحقيقية ورافضين للآخر ورافضين لسواسية البشر أمام القانون وحقوق الإنسان ولم يتخلوا عن عزمهم على إستعادة السلطة والإحتفاظ بها. وهذه هي مشكلة العراق الحقيقية مهما ألبسها مفتعلوها، داخل أو خارج العملية السياسية، داخل العراق وخارجه، حللاً براقةً. وما إدعاء إئتلاف العراقية بكونه صاحب مشروع وطني لاطائفي، وما إتهامه الآخرين بكونهم أصحاب مشروع طائفي وعنصري، إلا إدعاء وإتهام فارغان ولغو ديماغوجي، والديماغوجية من سمات الطغمويين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
** نقلت فضائية “العراقية” بتأريخ 24/1/2010 عن السيد صالح المطلك، أحد أبرز قادة إئتلاف العراقية، قوله التالي (وكان يتحدث بصدد عدم السماح له بالمشاركة في الإنتخابات حسب قانون المسائلة والعدالة): “…. ولي ثقة كبيرة جداً بالقضاء العراقي”.