أعود إلى إدعاء ومعيارَي إئتلاف العراقية بشأن الوطنية واللاطائفية.
إذا تعمقنا في هذا الإدعاء ومعياريه، سنجده كلاماً سطحياً تغلبُ عليه السمة الدعائية، ويفتقرُ إلى الفهم العلمي للطائفية (1). فكون السيد أياد شيعياً بالولادة لا يجعل، بالضرورة، منه ولا من إئتلافه غير طائفيين؛ لأن الدكتور أياد ببساطة طائفي، أو لنقل إرتضى لنفسه أن يعمل ضمن بيئة حزبية طغموية طائفية (2). وليس هو الأول ولا الأخير في هذا الموقف. لقد إنتمى في شبابه لحزب طائفي هو حزب البعث ومن ثم شكَّل حركة وإئتلافاً طائفيين. إن نكرانه لطبيعة النظام اللاطائفي القائم في العراق، وإن محاولة عرقلة إستكمال بناءه على أسس ديمقراطية تُنهي حالةَ الإقصاء التي درجت عليها الحكومات الطغموية السابقة، وإن طبيعة معايير إئتلافه لتزكية نفسه من المرض الطائفي، وإن إتهام الآخرين بالطائفية دون تقديم الأدلة ضدهم، وهم الذين تزعَّموا عملية البناء الديمقراطي على أرض الواقع، تُفصح كلها عن فكر طائفي لديه. نعم، إن الدكتور علاوي علماني؛ ولكن ليس كل علماني ليس طائفياً، كما ليس كل ديني طائفياً. فصدام كان علمانياً لكنه كان طائفياً. وكان الرئيس القبرصي الأسبق مكاريوس يونانياً ورئيساً لأساقفة إحدى الطوائف المسيحية ولم يكن طائفياً ولا عنصرياً. والذي صنع العراق الجديد الديمقراطي الفيدرالي لا يمكن أن يكون طائفياً ولا عنصرياً. وليس بالأمر الغريب أو الجديد أن يكون المرء متحيِّزاً ضد طائفته أو قوميته لا على أسس موضوعية بل لدوافع ذاتية (3). لم يقدم الدكتور أياد دليلاً واحداً لإثبات طائفية خصومه فيما خلا الإتهام المجرَّد، حتى يَخْلصَِ المرءُ، من كل ما تقدم، إلى أنَّ فَهْمَ الدكتور أياد للطائفية ينحصر في ألا يعلن الشيعي عن إعتذاره لكونه شيعياً بالولادة (وقد أكدت الدكتورة أزهار الشيخلي، العضوة البارزة في إئتلاف العراقية، عن مفهومها هي للطائفية ولم يكن يبتعد عن هذا الفهم، حسبما فهمتُ من كلامها، وذلك أثناء مساهمتها في برنامج “بالعراقي” في فضائية الحرة بتأريخ 20/4/2010)‘ أو أن يكون الشيعي بعيداً عن حزب البعث وعن أشباهه الفكريين أو إئتلاف العراقية، أو أن تأتلف اغلبية أهالي المحافظات الوسطى والجنوبية، الذين صدف أن يكونوا من الشيعة، على برنامج وطني ديمقراطي ولا تتشتت ولا تتناحر، أو أن يعود إئتلافا دولة القانون والوطني العراقي إلى التحالف كما وَعَدا به قبل إفتراقهما لأغراض إنتخابية. إذا كان حزب الدعوة والمجلس الأعلى وحزب الفضيلة وما شاكلها أحزاباً دينية (4)، فإن هذه الأحزاب قد إنخرطت في إئتلافات مدنية عامة لا تحمل الصفة الدينية في برامجها الإنتخابية. لكن أغلبية مؤيديها تبقى شيعية. وهذا يبدو كافياً لوصمها بالطائفية من قبل الدكتور أياد علاوي ورفاقه لفهمهم القاصر للطائفية، وإعتبارهم أن “التشيع” سبة وأن توحُّدَ الشيعة بموجب أي برنامج هو سبة أيضاً؛ علماً أن إئتلاف العراقية يطلق، دون مبرر، إسم “الشيعة” وليس إسم “الدينيين” أو “الإسلاميين” على أحزاب الدعوة والمجلس الأعلى والفضيلة بهدف اللعب على الوتر الطائفي وإثارة النعرة الطائفية وحرب باردة للإستفادة السياسية منها، كما أنه لا يجرؤ على نقد الأحزاب الإسلامية بصفتها الدينية حذراً من غضب “الأصدقاء” التكفيريين عبر الحدود الغربية، لذا فهو يشير إليها بالأحزاب الطائفية.
إن طائفية السيد أياد علاوي حقيقة موضوعية سواءً وعاها أو لم يعِها، إعترف بها أو لم يعترف. إعتبرَ إنصافَ مضطهدي النظام البعثي الطغموي وذويهم وإحترام الهوية الثقافية لشرائح المجتمع العراقي المختلفة والإقتصاص من المسئولين، في العهد البعثي، عن التجاوزات غير القانونية وإخضاعهم لقانون المسائلة والعدالة بل حتى إصدار هذا القانون بحد ذاته – إعتبَرَها كلها مظاهرَ طائفيةً(5). أما ثورته على نظام البعث الطغموي الطائفي العنصري فكانت بحدود إزالة رأس النظام صدام وكفى (6)، أي دون التحرش بأسس النظام الطغموي الطائفي العنصري الذي أطاحت به أمريكا في ظرف تأريخي قد لا يتكرر حيث تطابقت فيه مصالح أمريكا الستراتيجية مع مصالح الشعب العراقي في هذه المفردة بالذات التي تلتها إقامة نظام ديمقراطي في العراق (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الطائفية: سأتناول موضوع الطائفية بالتفصيل في الحلقة السادسة من هذا المقال.
(2): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
(3): خذ مثلا الرئيس اليمني السيد علي عبد الله صالح.
(4): يشير الطغمويون وكثير من العلمانيين إلى حزب الدعوة والمجلس الأعلى وغيرها بالأحزاب الطائفية بدلاً من صفتها الحقيقية أي “الدينية”. هذه إشارة غير علمية فهي خاطئة. البعض يقترف الخطأ عن جهل وبراءة والبعض يتعمد الإساءة لهدف دعائي تسقيطي ولكن تنقصه الشجاعة لتسمية الأمور بمسمياتها؛ وهذه، أي عدم تسمية الأشياء بمسمياتها، من علل السياسة العراقية قبل وبعد التغيير.
(5): قال السيد عبد الباسط، مدير عام الهيئة الوطنية المعنية بإنصاف عوائل الشهداء والسجناء ضحايا العهد البعثي الطغموي، بأنه قابلَ بمعية الدكتور أياد السامرائي، عندما كان رئيساً لمجلس النواب، مسئولاً من “المعارضين” لرئيس الوزراء المالكي . إحتج ذلك المسئول على التعويضات المتواضعة التي تدفع لبعض المنكوبين من أرامل وأيتام، وقال له بالحرف الواحد “سوف نسترجع كل فلس صرفتَه منك بالذات لأن الصرف غير قانوني”. أدلى السيد عبد الباسط بهذا التصريح في فضائية “العراقية” ببرنامج “أنت والمسئول”.
(6): كان هناك رأيين في الإدارة الأمريكية. رأي البنتاغون (وزارة الدفاع)، الذي كان على رأسه المحافظون الجدد، أراد إقتلاع النظام الطغموي من الجذور. وتحالف البنتاغون على هذا الأساس مع الدكتور أحمد الجلبي. أما الدكتور أياد علاوي فقد تحالف ومايزال مع مؤسستي وزارة الخارجية ألأمريكية ووكالة الإستخبارات المركزية (سي. آي.أي.) اللتين كانتا تناديان بإزالة رأس النظام وبعض معاونيه وعدد محدود من كبار المسئولين قد لا يتجاوز الأربع أشخاص في كل وزارة. بعد أن إقتلعت أمريكا النظام البعثي والطغموي عموماً من الجذور، إنتقل الملف العراقي إلى يد وزارة الخارجية لأسباب خارج نطاق هذا المقال لعب فيها السعوديون الدور الأساس، وإنقلب الأمريكيون على الدكتور أحمد الجلبي. وصار الدكتور أياد علاوي رجل أمريكا والسعودية وتركيا والأردن وسوريا. وإنضمت إيران إليهم مؤخراً (قبل الإنتخابات) بموجب تفاهم بينها وبين أمريكا بصدد ملفها النووي.
منذ أن إنتقل الملف العراقي إلى وزارة الخارجية إشتدت ستراتيجية محاصرة حكومة الإئتلاف العراقي الموحد وشل يدها (في ملفات الأمن والتنمية والخدمات وخاصة الكهرباء) ومحاولة تمزيق الإئتلاف وتشتيت جماهيره وضرب عرى تحالفه الستراتيجي مع الأكراد.
(7): بلغ النظام البعثي الطغموي من المَنَعة، بسبب إمعانه في الإجرام والتوحش ورشوة الآخرين، حتى أصبح غير قادر على الإطاحة به سوى الله أو أمريكا التي أطاحت به فعلاً وكانت لها اليد الطولى في تأسيس نظام ديمقراطي شهد على نجاعته هذا الجنون الإرهابي الذي ركب قادة النظامين الشموليين السعودي والسوري.