* ألان تحديدا متى ترسم الفنانة نوار شاكر حمد؟ هل ثمة شروط لدوافع الرسم لديها؟
الرغبة بالرسم وترجمة الأفكار والخيالات والتناقضات الداخلية لدى العقلية الانسانية طاقة مستمرة لا تنضب باستمرار الوجود البشري , لكن تحويل الفكرة الى لوحة ونقل الخيال إلى الورق أو القماش مسالة تتطلب طقوسا معينة .
الإلهام والوحي والرؤيا والحدس والإبداع والتي يمكن تصنيفها خارج عال الواقع والطبيعة تأتي مسرعة طالبة منا طريقاً للخروج من ممرات ودهاليز النفس الإنسانية نحو الواقع الملموس , فالفن تعبير عن الرؤيا وحالة أشبة بالحلم ولكن الفنان من له القدرة على إخراج الرؤيا بصيغة مادية ,فالرؤيا ليست إلا ” لمحة خاطفة تطفو على سطح الوعي كوميض البرق” بحسب تعبير توليستوي, وبرأيي إن الرؤيا قد تكون حالة وسطية بين الوعي واللاوعي, فأحيان تتجسد بمحيلتي فكرة ما تراودني أثناء حلم أو في حالة أشبه باليقظة فيكون حينها الوقت مناسب للاستيقاظ نحو العالم المادي وعكس الرؤى الداخلية على القماش أو الورق , ولكن قد تخضع محاولات عكس الرؤى والأحاسيس والمشاعر الداخلية إلى عوامل الزمن والتغيير والتحريف. حالما تباغتني الفكرة وتتراءى لي تموجات الألوان والكتل , الانعكاسات والمساحات المجردة العاكسة لشعور داخلي طارئ طالبة مني طريقا للعبور نحو الضوء, فاعدوا بسرعة لتنفيذها على ورق الرسم أو القماش أو شاشة الكومبيوتر.
* أين وصلت في مشوارها الملون؟
بداياتي مع الرسم اتخذت الأسلوب والميل نحو تجسيد المشاهد والمناظر التي تعكس طبيعة العراق ومناطقه الريفية الجنوبية كالأهوار والبساتين ونخيل ريف البصرة وأبي الخصيب , الشناشيل والبيوت التراثية التي تشكل جزءا هاما من ارث العراق وتاريخه وتعكس زمنا لم أعشه إنما اقتبست حالته من مشاهدات من عاشوا تلك الفترة الزمنية واغنوا ذاكرتهم من ذلك الواقع الفذ.
الميل نحو الفن التجريدي كان لا يزال في بداياته آنذاك بالنسبة لي, والتغيير مع الوقت أصبح يرجح كفة الرسم بالأسلوب التجريدي بدافع المساحة الواسعة من الحرية المعطاة للفنان من حيث الأشكال والألوان والأسلوب التكنيكي المستخدم. وبدافع الإعجاب والتأثر الواضح مدارس الفن الحديث مثل التجريدية والانطباعية والتكعيبية , فيمكن القول إن السبب في تضاؤل أعمالي الواقعية في الاونه الأخيرة ناتجة من القيود التي يفرضها الفن الواقعي على الفنان من حيث الالتزام بالأبعاد والمنظور والتدرجات اللونية وانعكاسات الضوء والظل مما يقيد الرسام ضمن حدود وقواعد والتزامات الفن الواقعي .
وجدت شخصيتي وذاتي في الفن التجريدي أكثر مما هو الحال بالنسبة للفن الواقعي, وامتلكتني الرغبة في تجسيد خيالات الأشكال الهندسية وشبه الهندسية والمساحات اللونية وتلاشيات وخطوط غنية بتنوع الألوان الناعمة واللطيفة. فأخذني الرسم التجريدي إلى عالم آخر بعيد كل البعد عن الواقع حتى صار رسم لوحة تجريدية يوقف اتصالي بالمحيط ويدخلني في عالم آخر زاخر بالألوان والخيالات والبهجة.
معظم أعمالي السابقة والحالية لوحات زيتية والبعض منها بالألوان المائية على الورق ز ولكني لجاءت في الآونة الأخيرة إلى استخدام التقنية الرقمية وبرامج الكومبيوتر لانجاز الكثير من اللوحات والذي وفر لي متعة أخرى وجديدة في الرسم. ولازال أمامي الكثير.
* إزاء انشغالك بالتدريس هل اثر سلبا على حبك للفرشاة؟
أبدا, على الرغم من كون مهنة التدريس وبالأخص في الجامعة أمرا ليس بالهين ويتطلب الكثير من الوقت والجهد , فالأمر لا يقتصر على مهنة التدريس فحسب إنما يتعداه نحو القراءات والاطلاعات الضرورية لتطوير الخبرة وفهم الحائق العلمية وبالتالي توسيع الأفق المعرفي للوصول إلى قدرة عالية على الانجاز العملي. ولكن الشغف بالألوان والتشكيلات والصور الإيحائية والخيالات المباغتة شكل جزءا كبيرا من ذاتي وولعي بتصور الهواجس والانفعالات الداخلية على قماش الرسم لا يغيره انشغالي بتطوير خبرتي في مجال العمل المهني ولكن يمكن القول إن الوقت المخصص للعمل والمهنة غالبا ما يكون على حساب الزمن الخاص بتكوين وإنشاء اللوحات الفنية والتي قد يكون بعضها ناتجا من تأثر لاشعوري بمجال تخصصي وحياتي العملية.
* كيف تنظرين لتجربة الفنان شاكر حمد؟ وماذا استفدتي من هذه التجربة؟
نشأتي في منزل يعنى بالفن وبالأخص الرسم كان عاملا رئيسيا في ظهور قدرتي على الرسم وازدياد ولعي وشغفي بل ما يتعلق بالرسم والفن. تجربة الفنان شاكر ومسيرته الطويلة وكل ما تحمله من ثراء سواء في الفن التشكيلي أو في الأدب والمعرفة والخبرة المتأتية من تنوع التجارب والذي فتح طرقاً عده نحو المعرفة والاطلاع وبكل ما يرتبط بالغنى الأدبي والمعرفي فوجدت أمامي موسوعة غنية استقيت منها الكثير فيما يتعلق بالأدب نثرا وشعرا والفن بتنوعه وغناه, فكان أبي معلمي الذي لطالما كنت أراقبه وهو يرسم وكيفيه استخدامه للفرشاة وسكين الرسم ومزجه للألوان والمواد التي يستخدمها لإنشاء لوحاته ففتح عيني نحو تقنيات الرسم والتكوين التشكيلي ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب بل تعداه إلى كيفيه تنشيط الأفكار وإثارة عاصفة من الخيال الممزوج بالتموجات اللونية والتشكيلات والأجسام الصورية للخروج عن الإطار التقليدي للرسم ليس بهدف مواكبة الحداثة فقط إنما لفسح المجال أمام الفكرة المكبوتة والرؤيا المنزوية في متاهات العقل للظهور نجو العلن بهيئة عصرية أكثر.
* أين أنت من المشاركة في المعارض الفنية؟
المساهمات الفنية والمشاركات جاءت اغلبها ضمن معارض جماعية تضمن بعضها معارض فنية خاصة بالإعمال التي تلتزم الأسلوب الواقعي من لوحات زيتية وأعمال نحتية على سبيل المثال معرض الانسان والواقع الذي تضمنت مشاركتي فيه لوحتين أحداهما تعكس مشهدا داخليا لبيت من تلك البيوت المصنوعة من القصب والتي يقطنها سكان الاهوار والأخرى تعكس منظرا ريفيا لأحد بساتين أبي الخصيب . أما غالبية مشاركتي فتضمنت لوحات اعتمدت الأسلوب التجريدي بما فيها مشاركاتي ضمن معارض الفن التشكيلي المقامة على هامش مهرجان المربد الشعري ولعدة سنوات.
* هل لك فاعلية مساهمة ضمن جمعية الفنانين التشكيليين في البصرة؟
اجل, عضويتي في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في البصرة منذ تأسيسها عام 2003, أثرت وبشكل ايجابي على إنتاجي وحماستي للفن, لذا كانت مشاركاتي في غالبية المعارض الفنية للفن التشكيلي التي إقامتها الجمعية بما فيها المعارض التي كانت تقيمها الجمعية بشكل دوري والمعرض الدائم للجمعية.