نظرة شاملة
اسند برهان قدمه على الرصيف وهو على دراجته الهوائية قرب مدرسة اوراس الابتدائية وتذكر سياجها وشجيرات حديقتها وذلك الباب الشاهق الذي ينتهي بصف رماح .. وتذكر كيف كانوا يجتازونه ليهربوا متحدين الخطر .. فرحين لانهم عبروا .. تذكر الباعة يتربعون رجالا وعجائز امام بسطاتهم او عرباتهم قرب سياج المدرسة .. المساطر الخشبية تهوى على راحات الصغار الترفة في الشتاء .. اصوات المعلمين الصائحة وهم يشرحون ..رؤية القوارير مثقلة بسوائل ملونة في المختبر .. اللوحات الملونة التي كانوا يرسمونها في المرسم ..وقال في حسرة وهو يتخطاها (وارجعيني الى اسوار مدرستي ..)..وعبر الاف الذكريات وركن دراجتة على مكان مرتفع يشرف على حي سليطة ..ونشر نظراته هناك .. وادرك لحظتها بان الحي قد نسخت معالمه ولم يتبق منه الا فيضان الذكريات وشذرات من معالمه القديمة .. .. ورنت في عروقه اصوات سليطة حين تثور من طفلتيها (ياشباب من يرغب بامراة).. وتذكر الحريق الذي بدا كلسعة افعى في ظهيرة تموز, وافنى عشرات البيوت ..ورأى جثة رندة على القمامة قرب الماء الاسن,وبرقت نجمة فى عباءة بارقة ومشية منغمة, ينتظرها غازي .. تذكر لحظات الصيد والمنشورات السرية ودكان ابو هادي .. وماكنة السوس والفلكة ومقبرة الانكليز .. تذكر مرهان التي اصيبت بشلل تام وانزوت فى سريرها لحظة زفاف حبيبها .وابلت العمر وحيدة بلا زواج .. نائحة على عمر صادرته الاقدار.لم يشفع لها جمال ولا عفة ولا صبر طويل .
كل طابوقة اقيمت بدلا من ظل نخلة وكل غرفة استقبال عصرية مكان خصاص او ساقية نتة … الازقة الثعبانية استبدلت بالشوارع المعبدة.. لم يعد هناك من اثر لسكة القطار ..وحده معمل الطحين والنهر بقيا صامدين …وحدها الذكريات تنحر في اعماقه وكاد يشهق …
ومرت باعماقه مجزرة الجرافات التي اجهزت على ربع مساحة الحي .. وتذكر المجزرة الاخرى التي حدثت بعد سنة .. ولا يدري كيف علم الاهالي بان بستان ام اسحاك وابو محجن مباحة للنهب .. فتراكضوا بالمعاول يقلعون رؤوس النخيل ــ بعدما تحطمت السدة الطينية المرتفعة ـ ثم يقشرونها لنيل الجمار الا ان النخلات الشاهقة كانت تتهاوى ثم تنحر .. وكان شاب وهو يهوى بمعوله على جذع قد اصاب رجله بجرح بليغ…ومرت بذاكرته سندات التمليك وتفرقت البيوت الى احياء اخرى ..لكنه كان غائبا وقت اجهزت وحوش لا ترحم على ما تبقى وتم مسخ الحي تماما حتى لا يكاد ان يهتدي لمعالمه .فاعولت اعماقه
البصرة