گنو شخصية ظريفة ومشاكسة ، معروفة في منطقة الفيصلية ، الجمهورية حاليا التي هي محلتي ومسقط راسي ، علاقة منطقتي بباص الخشب حميمية وتاريخية فلا تذكر الجمهورية دون أن يذكر معها باص الخشب الذي افرز لنا شخصيات متنوعة بقيت عالقة في أذهان أبناء البصرة ، فمنهم على سبيل المثال السائق كنّوالاسمر ، ولا ادري هل كان هذا هو اسمه أم لقبه. حدثني أبو كريم رجل طاعن في السن واكب رحلة كنو طيلة عمله آنذاك ، يقول لم أرى ( كنّو ) يوما صاحياً طيلة حياته ، فقد عشق الخمرة والعبثية مثلما عشق باصه الخشب ! كان كنو يعمل سائقا على خط ( جمهورية – بصرة ) المار بمنطقة العالية والصبخة والونبي والمستشفى الجمهوري المجاور لشارع التنانير وهذا الشارع له حكاية خاصة هو الآخر .. يقول ابو كريم في يوم من أيام الصيف القائض وبينما كان ( كنّو ) منتشيا أراد ان يختصر الطريق والوقت فطلب من عامله ( السّكن ) أن ينادي : ( مستشفى … مستشفى ) إشارة إلى أن الباص يصل إلى بناية المستشفى فقط ، فلم يصعد معه أحد وطال انتظاره ، وبعد إن يأس قرر أن ينصاع الى مايريده الركاب فأمر عامله بان ينادي ان ( بصرة ..بصرة ).. وما هي إلا دقائق حتى امتلأ باص ( كنّو ) بالركاب ، وما أن تحركت العجلات حتى قرر أن يثأر للوقت الذي خسره فالتفت إلى الركاب قائلا : ( لم لا ترغبوا في الذهاب إلى المستشفى بإرادتكم ، انا بإرادتي سأرسلكم إلى المستشفى جميعاً !! ) وأنحرف بالباص باتجاه النهر القريب وأنزله بركابه في الماء ومامن راكب سلم دون أن يصيبه أذى إلا (گنو) الذي نزل من الباص قبل نزوله إلى النهر ! .. وفي إحدى مآثره يقول أبوكريم في يوم ما كان (كنو) ثملا جدا فدهس عجوزا توفيت في الحال لكن فمها بقي مفتوحا ، كان يعتقد (كنو) إنها تضحك عليه ، صرخ بوجهها ووضع بيدها ربع دينار وقال لها اضحكي على نفسك قبل أن تضحكين على كنو ، وفي حادثة أخرى دخل بباصه المجنون إلى باحة محل للمواد الغذائية ولن يتوقف حتى دمر كل المحل ، اقتادوه الى المحكمة سأله المحقق اشرح لنا ملابسات الحادث ، قال سيدي أكثر من مره نبهت هذا الرجل ( بالهورن) لكنه لم يبتعد عن السيارة ، رد المحقق لصاحب المحل لماذا لاتبتعد عن السيارة ، قال له سيدي أين ابتعد ( إلا أطير) هو دخل علينا الى المحل واستقر الباص في غرفة الاستقبال وأنا خلصت من موت محقق. .. بالمناسبة حتى شرطة وقضاة المدينة كانوا يعرفون كنو ومايفعله يوميا ولذلك تراهم يتعاطفون معه في كثير من الأحيان حتى الناس يحبونه ولايحاسبونه على أخطائه المتكررة، توفي كنو ثملا دون أن يمتلك شيئا سوى محبة الناس وذكرياته التي بقيت عالقة بأذهان من واكبوه ، و أصبح جزءا من ذاكرة المدينة ، وحكاياته أصبحت فاكهة لجلسات البصريين يتندرون بها كما يشاؤون …