أرى من الضروري في هذه المرحلة أنْ نسلط االضوء- قدر المستطاع- على مجريات الأحداث وملابساتها لكي لا يختلط الحابل بالنابل فيضيع الناس في معمعة ما يطوف على السطح من خلط مقصود للأوراق وصراع مرير(وغير شريف في بعض مفاصله) على السلطة بين القوى السياسية العراقية الفائزة في انتخابات آذار/مارس الماضي. الصراع على السلطة أمر مفهوم ومقبول لدى جميع القوى السياسية على مختلف مشاربها في الأنظمة الديموقراطية في كافة أرجاء العالم. لكنه مختلف اختلافا كبيرا في العراق عما هو لدى الآخرين.
كان شكل الصراع على السلطة لكسب أصوات الناخبين معقولا إلى حد ما، قبل موعد الانتخابات، رغم توخي بعض الأطراف المتنافسة، جانب كيل الاتهامات الكاذبة والمخادعة والتلفيقات ضد بعضها البعض مقرونة بصلافة غير معتادة ذكرتنا بسلوك النظام السابق. إلا أن ما أثار خيبة وقرف الكثيرين من أبناء الشعب العراقي حقا هو أسلوب التجريح والإطالة والتهديد والوعيد الذي اتبعه البعض في حالة عدم فوزه أو حصوله على “مايتلاءم وحجمه الانتخابي”. كيف يمكن حساب “الحجم الانتخابي” لهذا الطرف أو ذاك يا ترى في ظل الوضع العراقي الملتبس والمتلاطم الأمواج، في بلد لم يجرِ فيه حتى الآن إحصاء نزيه ودقيق للسكان؟
أصبح من نافل القول تسجيل حقيقة أنه لم تبق دولة مجاورة للعراق (لقد بزوا أميركا التي اتخذت جانب الحياد ظاهريا) بدون أن تدس إصبعها- أصابعها وترمي بثقلها المباشر وغير المباشر في العملية الانتخابية العراقية لصالح هذا الطرف أو ذاك: كل منها حسب ما سيخدم مصالحها مستقبلا. وخريطة هذا التدخل المتشعب أضحت واضحة للعيان، بحيث أحرجت بعض الأطراف السياسية العراقية ذاتها.
من الحقائق البارزة هي أن الحكومة العراقية طوال الفترة الماضية لم تكن متماسكة ولا متناغمة في أدائها لأنها تعبر عن مصالح قوى سياسية متناقضة ومتقاطعة في أهوائها وتوجهاتها ورؤاها، حتى وصلت الأمور إلى حد ضلوع وزراء ومسئولين في دعم الإرهاب وفي الفساد وسرقة الدولة ومن ثم تعطيل تنفيذ الخطط والبرامج والمشاريع الخدمية والأمنية. في مثل هذه الظروف لايمكن لأية سلطة في العالم أن تؤدي ما عليها من التزامات، لذا فمن الصعب محاسبة الحكومة على تقصيرها باتباع الطرق التقليدية المعهودة المتعارف عليها في العالم بدون محاسبة جميع الأطراف المشاركة فيها.
وعليه فإن فشل الحكومة في هذا الجانب أو ذاك إنما هو انعكاس لفشل القوى السياسية العراقية المشاركة فيها أولا وضعف الإرادة العراقية الوطنية ثانيا، وهزال وقرقوشية البرلمان السابق ثالثا، وتعقيد الوضع العراقي والضغوطات الخارجية الواضحة رابعا.
لكن، ما الذي فعله ويفعله المتنافسون على السلطة؟ الكل، تنصل من مشاركته في السلطة، ليسهل عليه الانقضاض عليها وتسفيهها، فراح يكيل التهم: من قبيل عجز وفشل الحكومة في أداء مهامها وفسادها وكونها حكومة محاصصة من جهة، واتهام رئيسها بالتستر على الفساد و”النزعة الديكتاتورية” من جهة أخرى. يفجرون ليلا ويَدّعُون نهارا بضعف الحكومة، يهاجمون الأميركان نهارا ويتوسلونهم في الخفاء. هذا ما فعلته غالبية القوى السياسية من خارج “جماعة حكومة المالكي”، بما في ذلك رموز من”الأئتلاف الوطني العراقي- سابقا”- الحليف الأسبق والحالي لدولة القانون. وكانت هجمة”القائمة العراقية” على الحكومة أشرس من سواها، خاصة باتهامها بأنها “حكومة محاصصة فاشلة وأنها طائفية” وبالتالي فهي “لا تمثل الطيف العراقي بكامله”. لا يوجد اليوم حزب أو كيان سياسي في العراقي معصوم عن الأخطاء وارتكاب المعاصي بحق الشعب العراقي، وعليه فالكل مسئولون عن الإخفاقات والأخطاء، كل حسب حجم ما ارتكب من أخطاء وسوء تقدير للأوضاع.
لكن الشيء الذي لمسته كمراقب ومحايد سياسي هو التصريحات المتناقضة والملتبسة التي جاءت على لسان الكثير من أعضاء وممثلي (على التوالي) القائمة العراقية، والائتلاف الوطني العراقي. بحيث اختلطت علينا الأمور في بادئ الأمر ولم نعد نفهم دواعي مثل تلك التصرفات.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح هو: هل كانت تلك التناقضات تعبر عن اختلاف في وجهات النظر داخل تلك الكيانات أم أنها نابعة من خطة مرسومة لتحقيق أهداف ومكاسب معينة؟ أعتقد، شخصيا، أنها في أحد أوجهها تعبر عن واقع حال تلك القوى من جهة، ولكنها مدروسة أيضا. وإلا فكيف يمكن لممثل أو لناطق باسم هذه القائمة وتلك أن يتفوه بما يتناقض والأهداف المرسومة لقائمته دون أن يخضع للمساءلة؟ الطرفان الوحيدان اللذان كانا ومايزالان (حتى اللحظة على الأقل) متسقيم في تصرفاتهما وتصريحاتهما هما”التحالف الكردستاني” و”ائتلاف دولة القانون”، وهذا لا يعني عدم وجود خلافات واجتهادات مختلفة ومتباينة داخلهما. على أنني أرى بأن أية حكومة شراكة وطنية لا يمكن أن تشكل لاحقا وتكون رصينة ومنصفة بدون هذين الكيانين”التحالف الكردستاني” و”دولة القانون” بغض النظر عمن سيتولى منصب رئاسة الوزراء. إذن فمبدأ الشراكة الوطنية في الحكم في المرحلة الراهنة ينبغي أن يكون أمرا مفروغا منه.
قبل الانتقال إلى النقطة الللاحقة، ينبغي إنصاف الناخب العراقي الذي أثبت للجميع شجاعته ورغبته العارمة في التغيير الديموقراطي، رغم أنه مسئول إلى حد ما عن إيصاله عناصر وقوى لا تستحق حقا الوصول إلى قبة البرلمان بأي حال من الأحوال. غير أن شرف الناخب وشجاعته لم يقابلا بالمثل من لدن قسم كبير من السياسيين العراقيين التواقين لتبوء المناصب والكسب السريع. لقد خُدِعَ الناخبون مرتين: بتجاهل ثقتهم وتضحياتهم، رغم تربص قوى الإرهاب بهم، أولا، وبسبب الشلل الذي وصلته العملية السياسية وعدم تمكن ممثليهم المنتخبين من تشكيل الحكومة ثانيا.
بعد ظهور النتائج غير الحاسمة تماما راحت القوى الفائزة باتباع مختلف الأساليب لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية. اتضح بالدليل القاطع أنه لا يمكن تشكيل الحكومة من قبل كيان سياسي واحد أو حتى اثنين. لأنه لم يفزْ أحد بالقدر الكافي الذي يؤهله من تشكيل الغالبية البرلمانية(163 صوتا) من المجموع الكلي البالغ 325 عضوا، ناهيك عن أنه لا يوجد كيان واحد من الفائزين يعبر عن رغبات الطيف العراقي برمته حقا وحقيقة وفق ما أعلنته نتائج الإنتخابات الأخيرة. وما كلام البعض في تحقيق مثل هذا التمثيل إلا محض وهم هدفه الإيهام ومن ثم الكسب السياسي.
على أن ما يلفت النظر فعلا ما يلي: هو أنْ راحت أطراف متنفذة في “الائتلاف الوطني العراقي- سابقا” باتهام المالكي “بتفرده واستحواذه على السلطة” وفشل حكومته في تلبية مطالب المواطنين من جهة، ومغازلة”القائمة العراقية” من جهة أخرى بتصريحها، خاصة على لسان السيد عمار الحكيم، بأنه “لايمكن تشكيل الحكومة المقبلة بدون مشاركة القائمة العراقية”. وكان المراد من هذا التصريح ما يلي: تطمين القائمة العراقية بعدم إقصائها والعودة إليها لدى الضرورة من جهة، وابتزاز “ائتلاف دولة القانون” من جهة أخرى، للحصول على مكاسب معلومة. لقد ولّد هذا الضغط المعنوي والخوف من ضياع السلطة من أيدي ممثلي “الطائفة الأكبر عددا” إلى إعلان تحالف القوتين الرئيستين: “ائتلاف دولة القانون” و”الائتلاف الوطني العراقي” ومن ثم انبثاق “التحالف الوطني” بشكله الأخير، بما يؤهله إلى تكوين “الكتلة النيابية الأكثر عددا في البرلمان” وقطع الطريق أمام”القائمة العراقية” لتشكيل الحكومة باعتبارها الكتلة الفائزة الأولى في الانتخابات ولو بفارق ضئيل للغاية. كان بالإمكان حل إشكالية الكتلة التي يمكنها أن تكلف بتشكيل الحكومة بمنح “القائمة العراقية” مثل هذه الفرصة، لأنها، ووفقا للمعطيات والتحالفات المتوفرة في الساحة، لن تستطيع ضمن الفترة الدستورية أن تفعل ذلك وبالتالي ستعود الكرة إلى ملعب التحالف الوطني الجديد للقيام بهذا العبء و”كفى الله المؤمنين شرّ القتال”.
على أن “التحالف الوطني” – الجديد قد ولد في ظل تناقض الرؤى وتصارع الإرادات والرغبات على صعيد شخص رئيس السلطة التنفيذية في البلاد بدون إعطاء البرنامج الحكومي المقبل الأولوية. إذا ما تركنا حيثيات وملابسات اختيار رئيس الوزراء الحالي في 2006 يكون من البديهي أن يُصار حاليا إلى انتخاب ممثل “ائتلاف دولة القانون” رئيسا للحكومة المقبلة نظرا لأن قائمته هي الأكبر ضمن التحالف الجديد، إذ حصلت على أعلى الأصوات في الانتخابات(89 عضوا في البرلمان فحلت ثانية على صعيد البلاد) مقابل(70 عضوا) للكيانات المنضوية داخل الائتلاف الوطني العراقي-سابقا فحل ثالثا. أما قضية اختيار الشخص المناسب لتولي رئاسة الوزراء فيمكن الاتفاق عليه داخل القوى المؤتلفة الجديدة بدون تشنج وشروط تعجيزية قد تشل العملية السياسية في البلاد برمتها. الشارع العراقي يغلي اليوم وينتقد القوى السياسية علنا ولربما سينتقم منها جميعا في أية عملية انتخابية مقبلة.
وبما أن كل كيان – طبقا للأعراف المتبعة في كافة أنحاء العالم المتحضر- من حقه تقديم المرشح الذي يراه مناسبا لقائمته فقد قدم “ائتلاف دولة القانون” مرشحه لمنصب رئاسة الوزراء وطلب من حلفائه أن يقدموا مرشحهم وهذا ما لم يفعلوه حتى اللحظة، وقادوا في السر والعلن حملة يُحَمّلون فيها المالكي تبعات تأخر التوصل إلى تقديم مرشح واحد عن التحالف الوطني (الجديد). لأنهم يريدون تمرير مرشح آخر غير المالكي للمنصب المذكور. وهذا أمر غريب حقا. وسمعنا هنا وهناك انتقادات للحوار الذي تجريه “دولة القانون” مع “القائمة العراقية” أو سواها.
في هذه الأثناء راح مناوئو ترشيح المالكي يكثفون لقاءاتهم بهذا الطرف وذاك، خصوصا، بممثلي “القائمة العراقية” و”التحالف الكردستاني” لقطع الطريق أمام ترشيحه. وهذا يعني ما يلي: أولا، مخالفة رغبة الناخبين الذين منحوا المالكي ثقتهم، والاستيلاء على هرم السلطة التنفيذية بعيدا عن الاستحقاق الانتخابي.
بعد أن تيقنت “القائمة العراقية” بأنه لم يعدْ بإمكانها تولي رئاسة الوزراء أخذت من جهتها باتهام التحالف الوطني الجديد بالطائفية وباللعب على التناقضات داخله متمثلة بالإصرار على تفويت الفرصة على تجديد ولاية المالكي. قامت القائمة العراقية فيما بعد باتباع مناورة أخرى تمثلت بمحاورة “ائتلاف دولة القانون” على حدة لتحقيق هدفين رئيسين هما: عسى ولعله أنْ يتم الاتفاق بين القائمتين على تشكيل الحكومة (180 صوتا برلمانيا) يكون بإمكانها اكتساح الساحة وتشكيل حكومة قوية، وإذا لم يتحقق ذلك فسيتم الانتقال إلى تحقيق الهدف “الاحتياطي” الآخر ألا وهو محاولة شق التحالف الوطني- الجديد(بإقصاء دولة القانون) عبر التحاور مع المجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري والتحالف الكردستاني لتشكيل الحكومة! وحينئذ سيكون على “دولة القانون” اللجوء إلى المعارضة البرلمانية.
لم يتحقق الهدف الأول حتى اللحظة. وأرى شخصيا بأن “القائمة العراقية” قد ارتكبت خطئا فادحا تكتيكيا وستراتيجيا في تصريحات بعض أعضائها المتناقضة وحواراتها مع الأطراف السياسية، خصوصا ائتلاف دولة القانون، تمثل في عدم تنازلها عن رئاسة الوزراء لدولة القانون مثلا. لأنه وفي ظل تشابك الوضع العراقي القائم واستناد العملية السياسية إلى حد قريب على المحاصصة والتوافق، لا يمكن أن تؤول رئاسة الحكومة إلى القائمة العراقية، إلا إذا حصلت معجزة! لذلك، لا أرى مبررا ولا سببا معقولا في تشبث بعض ممثلي هذه القائمة برئاسة الوزراء، خاصة وأن بإمكان القائمة العراقية أو سواها من الحصول على مكاسب سياسية وسلطوية لا تقل أهمية من منصب رئاسة الوزراء. أقول: لا أعرف الأسباب الحقيقية حتى اللحظة لهذا الإصرار، آمل ألا تكون هناك أسباب خفية مانعة- لا نعلمها- أقوى من إرادة قادة هذه القائمة التي لا نشك في أهميتها حاليا في الساحة العراقية.
كما وآمل ألا يكون تفكير قسم من القوى السياسية (ضمن هذا الطرف أو ذاك) في “حكومة طواريء” أو “تدويل القضية العراقية” وراء تأخير تشكيل الحكومة لأن عواقب ذلك التفكير ستكون وخيمة على مستقبل العملية السياسية في البلاد. هناك قوى حقيقية في الداخل والخارج تريد بشتى الطرق إفشال التجربة الديموقراطية في العراق.
في ظل مجريات الأحداث والمفاوضات المتشعبة بين مختلف القوى السياسية العراقية الراهنة، نستنتج ما يلي: هناك مناورات ترمي إلى إبعاد المالكي عن رئاسة الوزراء من جانب وتحقيق مكاسب سياسية لا تستند بالضرورة على نتائج الانتخابات الأخيرة من جانب آخر. لكن، لماذا يريد المتنافسون على السلطة إقصاء المالكي بالذات؟
يشكل المالكي هاجسا مؤرقا لعدد من دول الجوار بسبب سعيه لأن يكون القرار السياسي بيد العراقيين لا بيد الآخرين. من الناحية الأخرى، ينظر إليه البعض على أنه، حتى اللحظة، سليل طائفة معينة لا يراد للعراق أن يحمل ماركتها! وأرى شخصيا – حتى اللحظة أيضا- أن المالكي وقائمته يسعيان إلى اتخاذ خط مشابه للخط التركي في اتباع سياسة منفتحة ومعتدلة وهذا يعني تقوية موقعه مستقبلا. بصراحة، تريد غالبية الشعب العراقي سلطة واضحة المعالم، معتدلة قادرة على أن ترعى مصالح الشعب وحرمة الوطن على كافة المستويات وتزيل ما حل بالشعب العراقي من ذل وهوان وحيف وترهيب ودمار.
على صعيد القوى العراقية المتنافسة على السلطة، يشكل المالكي أيضا، بالنسبة”للقائمة العراقية”- على سبيل المثال- حاجزا ذا ثقلين: الأول، يتمثل في رصيده الشعبي ووطنيته العالية التي لا لبس فيهما. والثاني، يتمثل في تزعمه لقائمة كسبت (89 عضوا) في البرلمان الجديد وهذا رقم لا يستهان به إطلاقا. لذا فالإطاحة بالمالكي سيمهد الطريق للانقضاض على حلفائه في البيت الشيعي وابتلاعهم لاحقا. لأنهم لا يشكلون منفردين بدون “دولة القانون” ثقلا حاسما في العملية السياسية العراقية، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار التوقعات التي تشير إلى عزوف واضح للناخب العراقي عن القوى السياسية الدينية المنغلقة لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن.
أما على صعيد حلفاء المالكي ظاهريا، المنضوين داخل”الائتلاف الوطني- الجديد” فإن ما كسبه هذا الرَّجل في الانتخابات الأخيرة يؤرقهم كثيرا لأنه استطاع أن يستقطع الجزء الأكبر من قاعدتهم الانتخابية ويكسب تعاطف شرائح مختلفة من الناس حتى ضمن مَنْ هم خارج القاعدة الانتخابية المذكورة. ويرون أن بقاء المالكي في السلطة ربما سيقوي من هيمنته واتساع شعبيته وقد يؤدي مثل هذا النجاح إلى هيمنة “حزب الدعوة” على الفرقاء السياسيين، وقد يقود هذا”النجاح المفترض” إلى إضعافهم.
سوى أن هذا”النجاح” من الناحية العملياتية غير مضمون أبدا لأي طرف مهما كان حجمه وأيا كان أصله وفصله، في ظل النظم الديموقراطية وحرية الناخب في انتخاب من يراه معبرا عن تطلعاته وهمومه ومعاقبة من يخون الأمانة المناطة به. أتمنى على السيايين العراقيين أن يتخلصوا من إرث السياسيين العرب البغيض في التكالب على السلطة والنظرة القصيرة للأحداث وللعالم.
وأرجو أن يفهمني من يعنيهم الأمر بوضوح تام، فأقول: إنه لا السيد عمار الحكيم ولا السيد مقتدى الصدر(رغم احترامي الكبير لهما) بإمكانهما أن يُقنعا الناخب العراقي خارج “البيت الشيعي” بأنهما يمثلان مختلف أطياف الشعب العراقي الدينية والأثنية، خاصة وأنهما لم يتمكنا حتى الآن من إقناع شرائح واسعة من الناخبين “الشيعة”. بينما استطاع المالكي أن ينفذ ويصل إلى عمق تلك الأطياف.
وعليه، فإذا ظن البعض داخل “الائتلاف الوطني” بأنّ قطع الطريق على المالكي وإضعافه سيقوي من مواقعهم على صعيدي الحكم وكسب ود الناخب العراقي (الشيعي على وجه الخصوص)فإنهم على وهم كبير ويرتكبون خطئا تكتيكيا وستراتيجيا لا مسوغ ومبرر له في الوقت الراهن.
وإذا كان هذا البعض لا يريد عودة البعثيين إلى السلطة فإنه بهذا النهج سيسهل عليهم هذه المهمة إن عاجلا أو آجلا.
هل يا ترى، أن هناك أجندات غير عراقية وراء تعثر تشكيل الحكومة العراقية؟ الجواب: نعم، إلى حد ما وهذه الأجندات ذات تأثير داخل “القائمة العراقية” وداخل “الائتلاف الوطني” على السواء وبنسب متفاوتة في صفوف الأطراف الأخرى.
لا توجد وسط السياسيين العراقيين تجربة: إذا لم تكنْ في الحكم كنْ في المعارضة. وهذه الظاهرة الملفتة للنظر حقا، ليست غريبة كثيرا لحد هذه اللحظة نظرا لقصر التجربة الديموقراطية في البلاد، لكنها معيبة وستكون غير مفهومة ومقبولة في القريب العاجل.
ينبغي على جميع الفرقاء السياسيين العراقيين أن يأخذوا في الحسبان، أن العراق هو في البدايات الصعبة على صعيد اعتماد الطريق الديموقراطية، وأنه من غير الممكن احتكار السلطة وأن يبقى حزب أو كيان أو طائفة متمسكا بها إلى ما لا نهاية، ولذا فعلى الجميع الاستعداد لأن يكون في الحكم مرة وفي المعارضة أخرى، ولا يمكن بلوغ هذه المرتبة من بعد النظر والنضج السياسي، بدون التمتع بالصبر والنفس السياسي الطويل.أقنع الناس ببرنامجك ووطنيتك وتصرفك تكسبْ ودّ الغالبية حتى لو كنت خارج السلطة!
إيلاف، 27/7/2010
هاتف جنابي : من مطبخ السياسة العراقية الراهنة: الأسباب الحقيقية وراء رفض ترشيح المالكي
http://www.elaph.com/Web/opinion/2010/7/582876.html