الّلصّ والكلابُ واحدة ٌمن الرواياتِ الفنيّةِ التي أُقيمت على موضوعة ِالخيانة ِ، وعالجتها على نحو ٍمباشر ٍمن غيرِ أيِّ تكلّف ٍ،أو قسريّة ٍمصطنعة ٍ، وهي وإن ركّزت على خيانةِ الزوجةِ والصديق ِ، فإنّها في النتيجةِ عالجتْ موضوعة َالخيانةِ
على نحو ٍعام من خلالِ عوالمها التي رافقت شخصيّتها الرئيسة َسعيد مهران. وتركيزاً لما نريد قوله في تحليلها فنّيّاً رأينا أنْ تكون َمحاورُ التحليلِ محدّدةً بالآتي:
1- الموضوعُ والحبكة ُ
2- البناء الفنّيّ
3- الشخصيّات
4- الزمن
منبِّهين َسلفاً إلى أنَّ هذه المحاورَ قد تتداخل ُمع بعضها بعضاً، وقد تقترن ُبغيرها ممّا لم يُذكرْ. ففي كلِّ محور ٍ يمكن ُأنْ نجدَ ما يخصّ ُ محاورَ أخرى.والقارئ الجاد يسهمُ هو أيضاً في كشف ِتلك َالتداخلاتِ عند قراءته الواعيةِ للنصِّ.
على نحو ٍعام من خلالِ عوالمها التي رافقت شخصيّتها الرئيسة َسعيد مهران. وتركيزاً لما نريد قوله في تحليلها فنّيّاً رأينا أنْ تكون َمحاورُ التحليلِ محدّدةً بالآتي:
1- الموضوعُ والحبكة ُ
2- البناء الفنّيّ
3- الشخصيّات
4- الزمن
منبِّهين َسلفاً إلى أنَّ هذه المحاورَ قد تتداخل ُمع بعضها بعضاً، وقد تقترن ُبغيرها ممّا لم يُذكرْ. ففي كلِّ محور ٍ يمكن ُأنْ نجدَ ما يخصّ ُ محاورَ أخرى.والقارئ الجاد يسهمُ هو أيضاً في كشف ِتلك َالتداخلاتِ عند قراءته الواعيةِ للنصِّ.
1- الموضوعُ والحبكة ُ:
موضوعُ الّلصِ والكلابِ موضوعٌ واقعيّ،له ما يُماثلهُ في حياةِ الجياع ِالّذين يتحوّلون نتيجة ً للضغوطِ الاقتصادية ِوالاجتماعيّة ِإلى لصوص ٍمحترفين َيعيشون على هامش ِما يسرقونهُ من الأغنياءِ والمترفين َ. والسارقُ في العُرف ِالاجتماعيّ خائنٌ لتقاليد ِمجتمعه ِومُثله ِوعاداته، لهذا فهو يستسيغُ اقترافَ خياناتٍ أخرى، ويستسهلُ ممارستها.من هنا جاز َلـ(عليش سدرة) أن يخون َصاحبَهُ وصديقَهُ سعيد مهران في زوجته ِ،وسهُل َعلى نبويّة َ زوجة ِسعيد مهران الذهاب ُإلى أحضان ِعليش بعد حصولها على الطلاق ِ إثرَ سجنِ زوجها بجريمةِ السرقةِ، ممّا ترتب َعلى سعيد أن يتّخذ َ الثأرَ أسلوباً لردِّ اعتباره.
إنّ موضوعة َالخيانةِ هي التي أفضت إلى موضوعةِ الثأرِ، وموضوعة َالثأر ِهي التي أفضتْ إلى اقتراف ِجرائم ِالخطأ ِالتي قتلَ فيها أبرياءُ لاناقة َلهم في الخيانةِ ولا جمل.
أمّا الحبكة ُ: فالمقصودُ بها مجموعة الأحداثِ التي ترتبطُ فيما بينها بأزمنة ٍ معيّنة ٍتقودُ إلى نتيجة ٍ يُبشّرُ بها النصّ، سواء أكانت النتيجة ُخيراً أم شرّاً ⁽¹⁾. إنّها كما يقول مجدي وهبة في معجم مصطلحات الأدب: ” تسلسل الحوادث
الذي يؤدي إلى نتيجة ٍفي القصّة ِ، ويكون ذلك إمّا مرتباً على الصراع الوجداني بين الشخصيّاتِ، أو على تأثيرِ الأحداث ِالخارجةِ عن إرادتها…وعلى وفق هذا فإنّ الحبكة َفي نظر ِأرسطو نتيجة ٌلعلاقةِ الضرورة ِوالسببيّةِ بين الأحداث ِ” ⁽²⁾.
وعلى ضوء ما مرّ، فإنّ أيّة َرواية ٍتُعنى بتطوّر ِشخصيّاتها عاطفيّاً وفكريّاً عبر أحداثها المتراكمةِ فنّيّاً تعدّ رواية ً تحليليّة ً، فالصراعُ الوجدانيّ بين شخصياتها من جهة ٍ،والصراعُ النفسيّ لكلِّ شخصيّة ٍنامية ٍمن جهة ٍأخرى يؤدّيان ِإلى ترتيب ِ نهاية ِالحبكة ِ،أمّا إذا كانت الرواية ُ تركّزُ على الأحداث ِ ليس غيرا، ولا تُعنى بالتطوّرِ العاطفيّ لشخصيّاتها، فإنّها تُعدّ ُ رواية َ حبكة ٍ، لأنّ مجموعة َالأحداث ِ المتراكمةِ هي التي تقود ُإلى النتيجة ِأخيراً.وعلى ضوء ما ألمعنا فإنَّ رواية نجيب
محفوظ َ(اللص والكلاب) هي رواية ُحبكة ٍ، وليست رواية ً تحليليّة ً، فالصراعُ بين شخصيّاتها لم يكن صراعاً نامياً، إنّما كان بسيطا ً،فضلاً عن أنَّ جميعَ شخصيّاتها كانت مسطّحة ًغيرَ نامية ٍ، والصراعُ الذي احتدمَ بينها كان بسيطا ً ليس إلّا.
2- البناء الفنّيّ:
يعدّ البناء الفنّي في السرديّاتِ على درجة ٍمن الأهميّة ِ، والكاتبُ المتمرّسُ لايعرضُ مضمون نصّهِ من غير أن يختارَ سلفاً التقنية َالفنيّة َالتي ستدورُ فيها عواطفُ النصِّ، وأخيلتُهُ، وحالات ُشخصيّاتِ نصّهِ النفسيّةِ، وقد وفّقَ نجيب
محفوظ حين َاتّخذ َمن المناجاةِ النفسيّةِ، أو ما اصطلح َعليهِ ب” المونولوج الدراميّ ” تقنية ًلنصّهِ هذا، فضلاً عن أنّ هذه المناجاةَ النفسيّة َكثيراً ما كانت تقودُ إلى التداعي الحرِّ، أو الارتجاع، ممّا مكّن َالشخصيّة َالرئيسة َسعيد مهران
من أن يُقنعَ المتلقّي(في أحايين َكثيرة ٍ) بأسبابِ اقترافهِ لجرائمه ِفي السرقةِ، والاعتداء. وإذا كان نجيب محفوظ قد ركّز َعلى المونولوج الدراميّ في بنيتِه ِالفنيّةِ ،فإنّهُ داخل َ به تقنيات ٍ أخر، فقد لجأ إلى المحاورة ِحيثُ ما كانت ضروريّة ً
سواءٌ أكانت في المناقشة ِ، أم في الاحتدام، أم في المراوغةِ، كما أنه كثيراً ما داخلَ بين المونولوج الدراميّ والارتجاع ِ، وبين المونولوج والسردِ الوصفيّ فضلاً عن دخول الراوي العليم ِفي بعض ِاللوحات ِالوصفيّة ِ.
3- الشخصيّات:
نقطة ُالارتكازِ الأولى في أيِّ عمل ٍسرديّ ناجح ٍيقومُ على تمكّن ِصانعهِ من اختيار ِشخصيّاته ِوبنائها على نحو ٍمخطّط ٍمدروس ٍسلفاً، ومراقب ٍعند التنفيذ ِ أداءً. لأنّها هي التي تحرّك ُأحداث َالنصّ،وتصعّدُها فنيّاً من خلالِ تولّيها لقيادةِ
الصراع ِالدرامي عبر الأحداث ِ،فضلاً عن كونها تمثّلُ حيواتِ أناس ٍيجدُ المتلقي ( وكثيراً ما يجدُ )نفسهُ جزءاً منهم، أو قريباً من الواقع ِالذي عاشوهُ ومارسوا فيه ِتطلّعاتِهم المشروعة َوغيرَ المشروعة . والشخصيّة ُكما ألمعنا تنقسمُ قسمين ِ: شخصيّة ًنامية ً،وشخصيّة ًمسطّحة ً. والنامية ُ هي التي تنمو مع الأحداث ِعاطفيّاً ونفسيّاً، ولا تكشفُ للمتلقي أبعادها مباشرة ً،إنّما تحتاجُ منه إلى قراءة ٍمركّزة ٍ( أو أكثر من قراءة)لمعرفة ِدواخلها وعوالمها، وسبر أغوارِها. وقد اصطلِح َعليها ب” المعقّدة” فنيّاً؛ كي لا ينصرفَ الذهنُ إلى المصطلح ِالنفسيّ في التعقيد ِ، وهي لا تكتملُ بناءً إلا بعد أن تستكمل َ الرواية ُشأوها الذي أرادتهُ،ويستكمل َالمتلقي معها كشف َأبعادها وأسرارها و حركتها عبر حبكتِها وأزمنتِها المرتبطة بالأحداث جميعِها.
أمّا المسطّحة ُ، فهي الشخصيّة ُالعاديّة ُالتي تشبهُ معظمَ الذين نعيشُ معهم، وهي لا تحتاجُ إلى كدّ ذهن ٍلمعرفة ِأبعادِها، لكونِها ثابتة ً غيرَ نامية ٍ،ولا يكتنفها التعقيدُ الفنّيّ، أو الغموض. وشخصيّاتُ ( اللص والكلاب )هي من القسمِ الثاني،أي أنّها شخصيّات ٌمسطّحة ٌعاديّة ٌ ثابتة ٌ ليست نامية ًمطلقاً. ف (سعيد مهران)ابن بوّاب العمارة ِاستساغ َالسرقة َمنذُ أن كان يافعاً،بسبب ِضغط العامل ِالاقتصاديّ، ولم يجد الذي يردعهُ عنها، إنّما وجد من يشجعهُ عليها ويدفعُه ُللمضيِّ فيها تبريراً على كونها حقّاً مشروعاً للجياع ِ على الأغنياء ِ ،والموسرين، وأصحاب ِالقصور ِالفخمة ِ.وحين يجيء هذا التبريرُ من طالب ٍجامعي هو(رؤوف علوان)يجدُ استجابة ًورضا من(سعيد مهران) الواقع ِتحت تأثير ِأفكار ٍظنّها تصبّ ُفي دائرة ِالنضالِ والثورة ِلتحقيق ِحلم ِالجياع ِ.وما درى أنّها أفكارٌ شرّيرة ٌنفّستْ عن أحقاد ٍمريضة ٍتجاه الآخرين فـ(رؤوف علوان)نفّسَ عن أحقادهِ بوساطة ِتلميذه ِسعيد بعد أن أُنامهُ مغناطيسيّاً بأفكارهِ الثوريّة ِ، وجعلهُ أداتَهُ ضدَّ من يكرهُ، لكنّ هذا الثوريَّ سرعان ما أصبح َواحداَ منهم بعد التحوّل ِالسياسيّ، فنالَ الشهرة َوالجاه والمنصبَ ورئاسة َتحريرِ جريدة (الزهرة)التي كرّستْ مقالاتِها لملاحقة ِسعيد بوصفه ِالمجرمَ الأوحد.
أما(عليش سدرة) فليس أكثرَ من لصٍّ عاشَ متطفّلاً على مساعدةِ سعيد ٍله،لكنّه خطّط َجيّداً (كما يبدو) حين َدخل َسعيد السجن َ،فخان َالصداقة َ، وأقنع َزوجة َ سعيد ٍ بتركها له، ثمّ بزواجها منه، مع أنها كانت أمانة َسعيد ٍعنده، ممّا ترتّبَ على
ذلك أنْ احتضنت الزوجةُ(نبويّة) طفلتها القاصر(سناء) لتعيش َمعها في كنف ِ عليش، وعلى وفق ِهذا تصبحُ الخيانة ُمزدوجة ًفي محصّلتِها النهائيّة ِ. لكنّ الرواية َلم تبيّنْ للمتلقّي كيف َتمكّن عليش من إقناع نبويّة بالطلاق ِ من سعيد، ولم تطلعْنا على دهائه ِ، وتخطيطه ِ، كما أنّها تركت أمرَ خيانة ِ نبويّة ِ لسعيد ٍمن غير ِتبرير ٍ،وهي التي أحبّتْه ُوتزوّجتهُ عن قناعة.
أما( نور) بائعة ُالهوى والجسد، فقد كانت على النقيض ِمن ( نبويّة) وفاءً لسعيد ٍفي أزمته ِالحيويّة ِ، فقد آوتْه ُوأخلصت في مساعدته ِ، وحاولت أنْ تثنيهُ عمّا كان ينوي فعلهُ من جرائم َ، لكن دون جدوى. وهي مفارقة ٌحريّة ٌبالذكرِ .
فالزوجة ُالحبيبة ُ تمسي خائنة ًعن رضا، وبائعة ُالهوى تصبح ُوفيّة ً عن قناعة ٍ. أمّا تحوّل رؤوف علوان من ثوري يُحاربُ الطبقات ِالعليا إلى موظفٍ كبير ٍيخدمها ،فلعلّها التفاتة ٌ ذكيّة ٌ من المؤلف أراد منها أن يغمز َمن قناة ِالثوريين َ
الذين يحاربون الطبقاتِ العليا قبل الانقلابات، فإذا تمّ لهم التغيير ُ، وتمكّنوا من الحصول ِعلى وظائف َعليا،انقلبوا على أفكارهم،وكرهوا من يذكّرُهم بها إلى حدّ إعلان ِالحرب ِعليهم ، والمطالبة إعلاميّاً بالتخلّص ِمنهم لخطورتهم على المجتمع.
إنّ نبويّة، وعليش،ورؤوف في مفهوم ِصانع ِالنصّ هم الكلابُ المسعورة ُالتي ظلّت نابحة ًوراء سعيد مهران حتّى تمكّنت من نهش ِلحمه ِ وتمزيقه ِ، وليست كلاب الشرطة ِالتي كانت تتعقّبه ُ. وهي كناية ٌ شفّافة ٌ قصِد َمنها الازدراءَ من كلِّ
خائن ٍ وخائنة ٍ، ونعتهما بأبشع ِ النعوت ِوالرذائل ِالتي يستسيغُ المجتمعُ العربيّ إطلاقها على أعدائه.
أما بقيّة ُالشخصيّاتِ : الشيخ عليّ الجنيدي، والمعلم بياظة، والمخبر،وطرزان وغيرها، فإنها شخصيّات ٌ ثانويّة ُهامشيّة ٌاحتاجتها الحبكة ُاستكمالاً لحركة ِالحياةِ وتواصلِها ليس إلا.
4- الزمن :
تنبّهت نازك الملائكة ُ منذ ُ أوّل عهدها بالنقد الأدبي إلى أهمّيّة ِالزمن ِفي العمل ِالإبداعي، وقرّرت أنّ نظريّة َالأبعاد ِالثلاثة ِللأشياء ِقد غدت نظريّة ًمتخلّفة ً لكونها ترى أنّ الأشياء َتمتلك ُثلاثة َأبعاد ٍهي: الطول، والعرض، والارتفاع، ولم
تلتفت إلى البعد ِالرابع ِ، حتّى جاء ” آينشتاين ” فبدأ الزمن يتحوّلُ إلى بعد ٍ رابع ٍله امتداداتُهُ وعمقُهُ وقيمتُه ُالكبيرة ُمثل أيّ بعد ٍمن الأبعاد ِالأخرى⁽³⁾ وهذه الالتفاتة ُالمهمّة ُمن نازك كانت في سنة ِ 1951م في مقالتِها الموسومةِ
بـ” الأبعاد الأربعة في الأدب ” ⁽ ⁴⁾ ، التي نظّرت فيها إلى أنّ “الزمن” لم يعُدْ فراغاً وهميّاً ابتدعَه ُالإنسان، إنّما هو بُعد ٌرابعٌ للأشياءِ له قيمتُه ُوأثرُه ُ، وخطورتُه. وقد أوضحت ذلك البعد َعند دراستِها لمسرحيّة ِ”الزمن وآل كونوي”للكاتب
المسرحي ج.ب.برستلي، كما أنّها أشارت إلى مسرحيّة ٍ أخرى اعتمدت على الزمن واتخذته بعداً رابعاً، وهي “آلة الزمن” أو”ماكنة الزمن” للكاتب الانجليزي هـ . ج. ويلز،فضلاً عن دراستها للزمن في مسرحيّةِ “الأيدي القذرة” لسارتر،لتُقرّرَ
أخيراً نجاح مارسيل بروست في معالجته ِللزمن ِفي سلسلته ِالقصصيّة ِ” بحثاً عن الزمن الضائع ِ” ⁽⁵⁾ .
وإذا كان ما ألمعنا إليه ِيُشيرُ إلى أهميّة ِهذا البعد ِ، فلن نختلف َفي تقريرِنا أنْ لا إبداع َفي الخطاب ِ السردي من غير ِ زمن ٍ، وإنْ اتّفقنا على أنْ لازمن َمتّفقٌ عليه ِفي الأهميّة،لأنه مرهونٌ بأسلوب ِالمبدع ِفي المعالجة ِ، وربطه بالأحداث ِ ،
لتقديم ِ الحبكة ِعلى نحو ٍفاعل. إذاً…فالزمن ُمن اختيار ِالمبدعين، لكنّه مختلف ٌأسلوباً، فقد يعمدُ أحدُهم إلى اختيار ِالتداخل ِالزمني في نصّه ِالقصصيّ،بينما نجد ُآخر َيعمد ُإلى اختيار ِ التقطيع ِالسينمي(السيناريو) في عرضه ِللأحداث ِ،كما أننا لا نعدم ُمن يصنع ُزمنه ُالمتخيّلَ الخاصِّ لعمله ِالمختار ِ،بينما يعمد ُ كثيرٌ منهم إلى استخدام ِالزمن ِالعادي المتدرّج ِ الذي يبدأ من نقطة ٍمعيّنة ٍ وينتهي في أخرى بعد َتصاعد ٍيبلغ ُمداه ُعند نهاية ِالعمل. وهذا ما نجدُهُ في الرواياتِ التي تعنى برسم ِالأحداث التاريخية ، أوالشخصيات التي تمرّ ُبتلك الأحداث ِأو التي ترسم ُمرحلة ًواحدة ٍ من مراحل ِإنسان ٍأو حدث ٍ ما. واللصّ والكلابُ هي من النوع ِالأخير ِ،فقد ابتدأت منذُ خرج َسعيد مهران من السجن ِ، وانتهت بقتله ِ على أيدي رجال ِ الشرطة ِ، بعد أن تصاعدت الأحداث ُلتبلغ َتلك الذروة َ، وبهذا فزمن ُهذه الرواية ِ زمن ٌ واقعيّ متدرّج ٌ. وأخيراً، فلابدّ من ذكر ِما كان في شخصيّة ِسعيد مهران من التواء ٍ نفسي، ففي الوقت الذي يرى في حصول ِزوجته ِ نبويّة ِعلى قرار ِطلاقها منه( لدخوله السجن ) وزواجها من عليش خيانة ً كبرى أقضّت مضجعَه ُ ؛ يُجيزُ لذاتِه ِ في الوقت ِنفسه ِأنْ يعيش َمع بائعة ٍللهوى على نحو ٍمن الرضا، ويأكل ُمن طعام ٍ تشتريه له من بيعِ جسدها للآخرين َ، إلى جانب ِمعاشرته ِلها معاشرة الزوجة ِ برضا تامّ ٍ آخر، ولعلّها مفارقة ٌ صارخة ٌ تكشف ُعن نفس ٍ تُكيل ُالأمور َبمكيالين ِلعلّهما من مكاييل ِ الذكورة ِ الشرقيّة ِفي أدنى درجاتها البدويّة .
موضوعُ الّلصِ والكلابِ موضوعٌ واقعيّ،له ما يُماثلهُ في حياةِ الجياع ِالّذين يتحوّلون نتيجة ً للضغوطِ الاقتصادية ِوالاجتماعيّة ِإلى لصوص ٍمحترفين َيعيشون على هامش ِما يسرقونهُ من الأغنياءِ والمترفين َ. والسارقُ في العُرف ِالاجتماعيّ خائنٌ لتقاليد ِمجتمعه ِومُثله ِوعاداته، لهذا فهو يستسيغُ اقترافَ خياناتٍ أخرى، ويستسهلُ ممارستها.من هنا جاز َلـ(عليش سدرة) أن يخون َصاحبَهُ وصديقَهُ سعيد مهران في زوجته ِ،وسهُل َعلى نبويّة َ زوجة ِسعيد مهران الذهاب ُإلى أحضان ِعليش بعد حصولها على الطلاق ِ إثرَ سجنِ زوجها بجريمةِ السرقةِ، ممّا ترتب َعلى سعيد أن يتّخذ َ الثأرَ أسلوباً لردِّ اعتباره.
إنّ موضوعة َالخيانةِ هي التي أفضت إلى موضوعةِ الثأرِ، وموضوعة َالثأر ِهي التي أفضتْ إلى اقتراف ِجرائم ِالخطأ ِالتي قتلَ فيها أبرياءُ لاناقة َلهم في الخيانةِ ولا جمل.
أمّا الحبكة ُ: فالمقصودُ بها مجموعة الأحداثِ التي ترتبطُ فيما بينها بأزمنة ٍ معيّنة ٍتقودُ إلى نتيجة ٍ يُبشّرُ بها النصّ، سواء أكانت النتيجة ُخيراً أم شرّاً ⁽¹⁾. إنّها كما يقول مجدي وهبة في معجم مصطلحات الأدب: ” تسلسل الحوادث
الذي يؤدي إلى نتيجة ٍفي القصّة ِ، ويكون ذلك إمّا مرتباً على الصراع الوجداني بين الشخصيّاتِ، أو على تأثيرِ الأحداث ِالخارجةِ عن إرادتها…وعلى وفق هذا فإنّ الحبكة َفي نظر ِأرسطو نتيجة ٌلعلاقةِ الضرورة ِوالسببيّةِ بين الأحداث ِ” ⁽²⁾.
وعلى ضوء ما مرّ، فإنّ أيّة َرواية ٍتُعنى بتطوّر ِشخصيّاتها عاطفيّاً وفكريّاً عبر أحداثها المتراكمةِ فنّيّاً تعدّ رواية ً تحليليّة ً، فالصراعُ الوجدانيّ بين شخصياتها من جهة ٍ،والصراعُ النفسيّ لكلِّ شخصيّة ٍنامية ٍمن جهة ٍأخرى يؤدّيان ِإلى ترتيب ِ نهاية ِالحبكة ِ،أمّا إذا كانت الرواية ُ تركّزُ على الأحداث ِ ليس غيرا، ولا تُعنى بالتطوّرِ العاطفيّ لشخصيّاتها، فإنّها تُعدّ ُ رواية َ حبكة ٍ، لأنّ مجموعة َالأحداث ِ المتراكمةِ هي التي تقود ُإلى النتيجة ِأخيراً.وعلى ضوء ما ألمعنا فإنَّ رواية نجيب
محفوظ َ(اللص والكلاب) هي رواية ُحبكة ٍ، وليست رواية ً تحليليّة ً، فالصراعُ بين شخصيّاتها لم يكن صراعاً نامياً، إنّما كان بسيطا ً،فضلاً عن أنَّ جميعَ شخصيّاتها كانت مسطّحة ًغيرَ نامية ٍ، والصراعُ الذي احتدمَ بينها كان بسيطا ً ليس إلّا.
2- البناء الفنّيّ:
يعدّ البناء الفنّي في السرديّاتِ على درجة ٍمن الأهميّة ِ، والكاتبُ المتمرّسُ لايعرضُ مضمون نصّهِ من غير أن يختارَ سلفاً التقنية َالفنيّة َالتي ستدورُ فيها عواطفُ النصِّ، وأخيلتُهُ، وحالات ُشخصيّاتِ نصّهِ النفسيّةِ، وقد وفّقَ نجيب
محفوظ حين َاتّخذ َمن المناجاةِ النفسيّةِ، أو ما اصطلح َعليهِ ب” المونولوج الدراميّ ” تقنية ًلنصّهِ هذا، فضلاً عن أنّ هذه المناجاةَ النفسيّة َكثيراً ما كانت تقودُ إلى التداعي الحرِّ، أو الارتجاع، ممّا مكّن َالشخصيّة َالرئيسة َسعيد مهران
من أن يُقنعَ المتلقّي(في أحايين َكثيرة ٍ) بأسبابِ اقترافهِ لجرائمه ِفي السرقةِ، والاعتداء. وإذا كان نجيب محفوظ قد ركّز َعلى المونولوج الدراميّ في بنيتِه ِالفنيّةِ ،فإنّهُ داخل َ به تقنيات ٍ أخر، فقد لجأ إلى المحاورة ِحيثُ ما كانت ضروريّة ً
سواءٌ أكانت في المناقشة ِ، أم في الاحتدام، أم في المراوغةِ، كما أنه كثيراً ما داخلَ بين المونولوج الدراميّ والارتجاع ِ، وبين المونولوج والسردِ الوصفيّ فضلاً عن دخول الراوي العليم ِفي بعض ِاللوحات ِالوصفيّة ِ.
3- الشخصيّات:
نقطة ُالارتكازِ الأولى في أيِّ عمل ٍسرديّ ناجح ٍيقومُ على تمكّن ِصانعهِ من اختيار ِشخصيّاته ِوبنائها على نحو ٍمخطّط ٍمدروس ٍسلفاً، ومراقب ٍعند التنفيذ ِ أداءً. لأنّها هي التي تحرّك ُأحداث َالنصّ،وتصعّدُها فنيّاً من خلالِ تولّيها لقيادةِ
الصراع ِالدرامي عبر الأحداث ِ،فضلاً عن كونها تمثّلُ حيواتِ أناس ٍيجدُ المتلقي ( وكثيراً ما يجدُ )نفسهُ جزءاً منهم، أو قريباً من الواقع ِالذي عاشوهُ ومارسوا فيه ِتطلّعاتِهم المشروعة َوغيرَ المشروعة . والشخصيّة ُكما ألمعنا تنقسمُ قسمين ِ: شخصيّة ًنامية ً،وشخصيّة ًمسطّحة ً. والنامية ُ هي التي تنمو مع الأحداث ِعاطفيّاً ونفسيّاً، ولا تكشفُ للمتلقي أبعادها مباشرة ً،إنّما تحتاجُ منه إلى قراءة ٍمركّزة ٍ( أو أكثر من قراءة)لمعرفة ِدواخلها وعوالمها، وسبر أغوارِها. وقد اصطلِح َعليها ب” المعقّدة” فنيّاً؛ كي لا ينصرفَ الذهنُ إلى المصطلح ِالنفسيّ في التعقيد ِ، وهي لا تكتملُ بناءً إلا بعد أن تستكمل َ الرواية ُشأوها الذي أرادتهُ،ويستكمل َالمتلقي معها كشف َأبعادها وأسرارها و حركتها عبر حبكتِها وأزمنتِها المرتبطة بالأحداث جميعِها.
أمّا المسطّحة ُ، فهي الشخصيّة ُالعاديّة ُالتي تشبهُ معظمَ الذين نعيشُ معهم، وهي لا تحتاجُ إلى كدّ ذهن ٍلمعرفة ِأبعادِها، لكونِها ثابتة ً غيرَ نامية ٍ،ولا يكتنفها التعقيدُ الفنّيّ، أو الغموض. وشخصيّاتُ ( اللص والكلاب )هي من القسمِ الثاني،أي أنّها شخصيّات ٌمسطّحة ٌعاديّة ٌ ثابتة ٌ ليست نامية ًمطلقاً. ف (سعيد مهران)ابن بوّاب العمارة ِاستساغ َالسرقة َمنذُ أن كان يافعاً،بسبب ِضغط العامل ِالاقتصاديّ، ولم يجد الذي يردعهُ عنها، إنّما وجد من يشجعهُ عليها ويدفعُه ُللمضيِّ فيها تبريراً على كونها حقّاً مشروعاً للجياع ِ على الأغنياء ِ ،والموسرين، وأصحاب ِالقصور ِالفخمة ِ.وحين يجيء هذا التبريرُ من طالب ٍجامعي هو(رؤوف علوان)يجدُ استجابة ًورضا من(سعيد مهران) الواقع ِتحت تأثير ِأفكار ٍظنّها تصبّ ُفي دائرة ِالنضالِ والثورة ِلتحقيق ِحلم ِالجياع ِ.وما درى أنّها أفكارٌ شرّيرة ٌنفّستْ عن أحقاد ٍمريضة ٍتجاه الآخرين فـ(رؤوف علوان)نفّسَ عن أحقادهِ بوساطة ِتلميذه ِسعيد بعد أن أُنامهُ مغناطيسيّاً بأفكارهِ الثوريّة ِ، وجعلهُ أداتَهُ ضدَّ من يكرهُ، لكنّ هذا الثوريَّ سرعان ما أصبح َواحداَ منهم بعد التحوّل ِالسياسيّ، فنالَ الشهرة َوالجاه والمنصبَ ورئاسة َتحريرِ جريدة (الزهرة)التي كرّستْ مقالاتِها لملاحقة ِسعيد بوصفه ِالمجرمَ الأوحد.
أما(عليش سدرة) فليس أكثرَ من لصٍّ عاشَ متطفّلاً على مساعدةِ سعيد ٍله،لكنّه خطّط َجيّداً (كما يبدو) حين َدخل َسعيد السجن َ،فخان َالصداقة َ، وأقنع َزوجة َ سعيد ٍ بتركها له، ثمّ بزواجها منه، مع أنها كانت أمانة َسعيد ٍعنده، ممّا ترتّبَ على
ذلك أنْ احتضنت الزوجةُ(نبويّة) طفلتها القاصر(سناء) لتعيش َمعها في كنف ِ عليش، وعلى وفق ِهذا تصبحُ الخيانة ُمزدوجة ًفي محصّلتِها النهائيّة ِ. لكنّ الرواية َلم تبيّنْ للمتلقّي كيف َتمكّن عليش من إقناع نبويّة بالطلاق ِ من سعيد، ولم تطلعْنا على دهائه ِ، وتخطيطه ِ، كما أنّها تركت أمرَ خيانة ِ نبويّة ِ لسعيد ٍمن غير ِتبرير ٍ،وهي التي أحبّتْه ُوتزوّجتهُ عن قناعة.
أما( نور) بائعة ُالهوى والجسد، فقد كانت على النقيض ِمن ( نبويّة) وفاءً لسعيد ٍفي أزمته ِالحيويّة ِ، فقد آوتْه ُوأخلصت في مساعدته ِ، وحاولت أنْ تثنيهُ عمّا كان ينوي فعلهُ من جرائم َ، لكن دون جدوى. وهي مفارقة ٌحريّة ٌبالذكرِ .
فالزوجة ُالحبيبة ُ تمسي خائنة ًعن رضا، وبائعة ُالهوى تصبح ُوفيّة ً عن قناعة ٍ. أمّا تحوّل رؤوف علوان من ثوري يُحاربُ الطبقات ِالعليا إلى موظفٍ كبير ٍيخدمها ،فلعلّها التفاتة ٌ ذكيّة ٌ من المؤلف أراد منها أن يغمز َمن قناة ِالثوريين َ
الذين يحاربون الطبقاتِ العليا قبل الانقلابات، فإذا تمّ لهم التغيير ُ، وتمكّنوا من الحصول ِعلى وظائف َعليا،انقلبوا على أفكارهم،وكرهوا من يذكّرُهم بها إلى حدّ إعلان ِالحرب ِعليهم ، والمطالبة إعلاميّاً بالتخلّص ِمنهم لخطورتهم على المجتمع.
إنّ نبويّة، وعليش،ورؤوف في مفهوم ِصانع ِالنصّ هم الكلابُ المسعورة ُالتي ظلّت نابحة ًوراء سعيد مهران حتّى تمكّنت من نهش ِلحمه ِ وتمزيقه ِ، وليست كلاب الشرطة ِالتي كانت تتعقّبه ُ. وهي كناية ٌ شفّافة ٌ قصِد َمنها الازدراءَ من كلِّ
خائن ٍ وخائنة ٍ، ونعتهما بأبشع ِ النعوت ِوالرذائل ِالتي يستسيغُ المجتمعُ العربيّ إطلاقها على أعدائه.
أما بقيّة ُالشخصيّاتِ : الشيخ عليّ الجنيدي، والمعلم بياظة، والمخبر،وطرزان وغيرها، فإنها شخصيّات ٌ ثانويّة ُهامشيّة ٌاحتاجتها الحبكة ُاستكمالاً لحركة ِالحياةِ وتواصلِها ليس إلا.
4- الزمن :
تنبّهت نازك الملائكة ُ منذ ُ أوّل عهدها بالنقد الأدبي إلى أهمّيّة ِالزمن ِفي العمل ِالإبداعي، وقرّرت أنّ نظريّة َالأبعاد ِالثلاثة ِللأشياء ِقد غدت نظريّة ًمتخلّفة ً لكونها ترى أنّ الأشياء َتمتلك ُثلاثة َأبعاد ٍهي: الطول، والعرض، والارتفاع، ولم
تلتفت إلى البعد ِالرابع ِ، حتّى جاء ” آينشتاين ” فبدأ الزمن يتحوّلُ إلى بعد ٍ رابع ٍله امتداداتُهُ وعمقُهُ وقيمتُه ُالكبيرة ُمثل أيّ بعد ٍمن الأبعاد ِالأخرى⁽³⁾ وهذه الالتفاتة ُالمهمّة ُمن نازك كانت في سنة ِ 1951م في مقالتِها الموسومةِ
بـ” الأبعاد الأربعة في الأدب ” ⁽ ⁴⁾ ، التي نظّرت فيها إلى أنّ “الزمن” لم يعُدْ فراغاً وهميّاً ابتدعَه ُالإنسان، إنّما هو بُعد ٌرابعٌ للأشياءِ له قيمتُه ُوأثرُه ُ، وخطورتُه. وقد أوضحت ذلك البعد َعند دراستِها لمسرحيّة ِ”الزمن وآل كونوي”للكاتب
المسرحي ج.ب.برستلي، كما أنّها أشارت إلى مسرحيّة ٍ أخرى اعتمدت على الزمن واتخذته بعداً رابعاً، وهي “آلة الزمن” أو”ماكنة الزمن” للكاتب الانجليزي هـ . ج. ويلز،فضلاً عن دراستها للزمن في مسرحيّةِ “الأيدي القذرة” لسارتر،لتُقرّرَ
أخيراً نجاح مارسيل بروست في معالجته ِللزمن ِفي سلسلته ِالقصصيّة ِ” بحثاً عن الزمن الضائع ِ” ⁽⁵⁾ .
وإذا كان ما ألمعنا إليه ِيُشيرُ إلى أهميّة ِهذا البعد ِ، فلن نختلف َفي تقريرِنا أنْ لا إبداع َفي الخطاب ِ السردي من غير ِ زمن ٍ، وإنْ اتّفقنا على أنْ لازمن َمتّفقٌ عليه ِفي الأهميّة،لأنه مرهونٌ بأسلوب ِالمبدع ِفي المعالجة ِ، وربطه بالأحداث ِ ،
لتقديم ِ الحبكة ِعلى نحو ٍفاعل. إذاً…فالزمن ُمن اختيار ِالمبدعين، لكنّه مختلف ٌأسلوباً، فقد يعمدُ أحدُهم إلى اختيار ِالتداخل ِالزمني في نصّه ِالقصصيّ،بينما نجد ُآخر َيعمد ُإلى اختيار ِ التقطيع ِالسينمي(السيناريو) في عرضه ِللأحداث ِ،كما أننا لا نعدم ُمن يصنع ُزمنه ُالمتخيّلَ الخاصِّ لعمله ِالمختار ِ،بينما يعمد ُ كثيرٌ منهم إلى استخدام ِالزمن ِالعادي المتدرّج ِ الذي يبدأ من نقطة ٍمعيّنة ٍ وينتهي في أخرى بعد َتصاعد ٍيبلغ ُمداه ُعند نهاية ِالعمل. وهذا ما نجدُهُ في الرواياتِ التي تعنى برسم ِالأحداث التاريخية ، أوالشخصيات التي تمرّ ُبتلك الأحداث ِأو التي ترسم ُمرحلة ًواحدة ٍ من مراحل ِإنسان ٍأو حدث ٍ ما. واللصّ والكلابُ هي من النوع ِالأخير ِ،فقد ابتدأت منذُ خرج َسعيد مهران من السجن ِ، وانتهت بقتله ِ على أيدي رجال ِ الشرطة ِ، بعد أن تصاعدت الأحداث ُلتبلغ َتلك الذروة َ، وبهذا فزمن ُهذه الرواية ِ زمن ٌ واقعيّ متدرّج ٌ. وأخيراً، فلابدّ من ذكر ِما كان في شخصيّة ِسعيد مهران من التواء ٍ نفسي، ففي الوقت الذي يرى في حصول ِزوجته ِ نبويّة ِعلى قرار ِطلاقها منه( لدخوله السجن ) وزواجها من عليش خيانة ً كبرى أقضّت مضجعَه ُ ؛ يُجيزُ لذاتِه ِ في الوقت ِنفسه ِأنْ يعيش َمع بائعة ٍللهوى على نحو ٍمن الرضا، ويأكل ُمن طعام ٍ تشتريه له من بيعِ جسدها للآخرين َ، إلى جانب ِمعاشرته ِلها معاشرة الزوجة ِ برضا تامّ ٍ آخر، ولعلّها مفارقة ٌ صارخة ٌ تكشف ُعن نفس ٍ تُكيل ُالأمور َبمكيالين ِلعلّهما من مكاييل ِ الذكورة ِ الشرقيّة ِفي أدنى درجاتها البدويّة .
ألهوامش
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) يُنظر: في النقد الأدبي الحديث منطلقات وتطبيقات، عبد الرضا عليّ وفائق مصطفى، 196، دار الكتب
الموصل، 1989م.
(2) معجم مصطلحات الأدب، مجدي وهبة، 259، كذلك، 411.
(3) ينظر:نازك الملائكة الناقدة،د.عبد الرضا عليّ، 212-214، (وهوامشها)المؤسسة العربيّة لدراسات والنشر، بيروت، 1995م.
(4) الأبعاد الأربعة في الأدب، مجلّة (الكتاب)المصريّة، 314-318 الجزء الثالث، السنة السادسة، مارس، 1951م.
(5) ينظر: مسرحيّة “الأيدي القذرة” لسارتر، نازك الملائكة،الآداب،ع 5 ،لسنة 1959م، 6-10 ، 75- 79 .