للمرّة الثالثة حينما حاولت أن اطرق الباب تناءت إلى مسمعي خطوات تسعى لفتح الباب كنت قد اخذت نظرة ليست الأخيرة عن الحصان الذي يرفع ساقاً ويضع اُخرى في وقت قريب إلى الظهيرة وذيله السليم يعمل دون كلل في طرد البرغوث الذي يعتاش في أماكن الروث ترى هل يجدسعادته في الجري عندمايكمل صاحبه مستلزمات السلامة والدعة ليحصد من وراثه أضعاف راتب الوظيفة .
لم تكن دواعي الحسد موجودة عندي لكنني سمعت أنّ قوّة الحصان في العمل اكثر طاقة من محرّك السيارة .
قطع صاحب الحصان سلسلة الأفكار التي لم تكتمل حول هويّة لابس اللٌجام الداكن إلى الحُمرة في لونه كم يبدو منظراّ جميلاً مع عمود الشمس في الظهيرة؟ قائلا:انت ماذا تريد؟ سردت عليه ما اريده منذ ثلاثة ايام ولمرتين أمام الباب دون وجوده . الآن ابلغّك أنني محتاج إلى سماد . قال وهو يفتح فاه بالضحك سمعتك تبلغني بالسماد العام الماضي . نعم فالأرض غداؤها وقد اجٌلت زراعة الزهور والاغصان الخضر بعد التسميد
هزٌ يده وكاٌن الموضوع لم يتعلٌق به مع العلم أنّه منذ سنوات يزوٌد الحديقة بالسماد ،وبقيت تحمل الزهور والأشجار المثمرة ولم تتنازل عن دورها .
قال بصوت مرتفع :ايٌ حديقة بقيت .لماذا لا تجري جرداً على الشارع الذي تسكن فيه.اين الحدائق؟ ردد ثانية وبضحكة متقطٌعة لقد زحفت الغرف المواجهة للشارع على كلّ الحدائق ،غُرف مستديرة وأُخرى تواكب البناء الحديث وفي المستقبل عمارات .لقد أنهكت حصاني في نقل مواد البناء منذ الصباح وحتّى المساء وعلى مدى الأعوام الثلاثة الماضية وانت متشبٌث بالحديقة !
أجبت بكلمات قليلة ولكنني أريد أن ازرعها بالورد! ردٌ على استدراكي :لقد ابتلعت الغرف والمحال كلّ الورود ما غاية الورود والأشجار التي تنظر إليها بعينين صغيرتين ؟ هل درٌت على جيبك شيئاً . كررت الإستدراك ثانية مثل الذي يحاول أن يدافع عن حقٌ سوف يسلب بالرأي الآخر ويلغي المناظر التي تحملها هذه المربعة
الخضراء . حاولت أن استرجع معه ذكريات ما كان يرويه حول البساتين والحوز التي تلطٌف الجو وتُسرّ النفس وهو ابنها وترعرع فيها منذ طفولته. قلت مثل الواثق في سحب تيارات الهواء المفاجئة التي دخلت تنفٌسه واغرقته بالكثير على حساب الأرض ليس إلاٌ
.كانت اللّوحة التي شكٌلها بعباراته تغني عن كلٌ اللّوحات صوت الأرض ..خرير الماءوسقسقة العصافير ،ولكن ثمّة لون رصاصي غامق اسمنتي قد عكس ظِلالاً على اللّوحة ..انٌها المدينة التي زحفت وغطٌت الأنهار وجففت النواعير لقد انتهى كلٌ شيء وأصبح ماوى الخفافيش تتسلل إلى المدينة لتذيق اهلها البلاء وتحصد الماشين الواناً واشكالاً.
بدا صهيل الحصان يزداد بعدما وقعت في حيرة الحديقة التي تعوٌدت السماء .زاد صهيله وكانت علامات الرفض قد بدت عليه مِن طبقة الاسفلت التي يقف عليها .والحرارة التي تنبعث منها .كان فيه شوق إلى بستانه الغنٌاء صوت خرير الماء ،إنٌه يرفع إستغاثة إلى صاحبه الذي حطٌ به في المدينة يتجرٌع المياه الآسنة واصوات السّيارات التي تملأ الّشارع .لا شيء يسرٌه في المدينة .
إنتبه صاحبه إلى الحالات المفاجاة والتي طرأت على حصانه هرع بسطل الماء ليطفيء حرارته الملتهبة مع تعنٌت صاحبه في الإصرار على ترك السماد لا يدخل عربته مع إنٌه سوف يغلٌفه باكياس ! ولكن لا جديد بقيت الحديقة تشكو السماد ،وبقي الحصان يشكو ساعات تحويل مواد البناء في عربته بمراحل ازعجته وهو يجتاز الشوارع يرفع ساقاً ويترك أخرى وقد يحسب كُلفة النقل الذي لا يدخل إليه إلاّ القليل منه بعدما يهييء صاحبه السوط ليكرر الضربات أمام انظار المارين والراكبين وكلام حول الرفق بالحيوان.!
للمرّة الثالثة أقل أمام بيته رغبة في جلب السماد ..وللمرّة الثالثة يتسمٌر إمامي بالضحك واخرى بالجدٌ في الظهيرة غير آبه بما تشكو منه الحديقة كلٌ فصل ،وما ازعج حصانه مِن كثرة التحميل عليه وعدم الرفق به لانٌ صاحبه عوٌده على حمل الطابوق عدٌاً وحشواّ مقابل رفضه السماد !
رجعتُ ادراجي انظر للحصان وصاحبه والبيوت وقد أصبحت عامرة بالغُرف المُؤجرة وكانت حدائقاً مِن قبل.
..البصرة ،/2021