….. تابع
ثمة ما هو أعمق وأدق جدارة بالنظر من كل ما تقدم في كل من الحلقة (1,2) وهو إن بعض المعارف النقدية الأدبية تخرج حتى عن حقل جميع التجارب الممكنة (والتي سنتطرق إليهما لاحقا)٬ ويبدو أنها توسع ما دقة أحكامنا لها من مصداقية واضحة٬ فيما يتعدى جميع حدودها٬ من خلال متشيأت لمتفكرات لا تناسب معها أي موضوع قد يعطي في التجربة متواعى أحترافي.
وفي هذه المعارف النقدية الأدبية تتخطى متواعيات العالم الحسي٬ وبما أنه لا يمكن للتجربة النقدية الادبية أن تعدل أو تصحح٬ حيث تعجز٬ تقع مباحث متواعياتنا العقلية (= المتشيأت بالضرورة) التي نعدها٬ من حيث الهدف الاستراتيجي٬ أفضل جدوى وأهمية تنافسية متفكرة٬ وأسمى بكثير من كل ما قد تفيدنا به المتواعىة المتشيئة في حقل الظاهريات القبلية٬ فترانا نميل حذوا إلى محاولة كل شيء نقدي٬ باستخدام الاصطلاحات٬ عفويا٬ والمجازفة في التعميم٬ حتى بأن نخطئ٬ ولا نتخلى عن أبحاث بمثل هذه الأهمية لأي علة أو سبب سواء أكان عوقا أم أزدراء أم صعوبة مزرية لا مبالاة. ومشكلات التشيأت النقدية الادبية الخالصة هذه التي لا مفر منها هي الحكمة والحرية والأنبعاث الابداعي. أما النقد الادبي الاحترافي الذي ليس هدفه النهائي مع كل كل وسائله سوى حل تلك المعضلات فيسمى “عين الميتافيديقيا الفاحصة”٬ ومنهجه هو في البداية الدقة والصرامة والحسم الواضح الصريح٬ بمعنى إنه يحاول بثقة تحقيق الهدف دون أن يتفحص قبليا٬ آدبيات مسبقة على قدرة المتشيأ أو عجزه أمام مشروع استراتيجيات ضخمة كهذه.
و لا غرو في ذلك٬ والحال٬ إنه يبدو من الجلي ألا نحكم أحترافيتنا٬ لمجرد مغادرتنا لطبيعة أرضية التجربة٬ وبمصادر معارف نمتلكها من دون أن نتفكر من أين أصلها٬ وعلى ذمة مبادئ نغفل نبعها٬ ألا نحكم بتشيأ عمران معرفي قبل أن نتأكد من أسسه بأساليب و وسائل منهجية فائقة تقام بعناية٬ وبالتالي من دون أن نبين مسألة “كيف” يمكن للمتواعية المتشيئة أن تتوصل فاهميتها إلى كل هذه المعارف النقدية الادبية القبلية٬ وأي ما نتج و نتائج وقيمة إضافته يمكن أن يكون لها٬ يمثل إليه جدارة بالنظر والأخذ بأعمق ما تقدم. وبالفعل٬ ليس ثمة من أمر أقل شأنا من تشيأ تفكره إذا أخذنا بمتشيأ متفكره ما ينبغي أن يقام به حقلا نقديا مترقبا ومتشيئأ عمرانيا احترافيا. لكن إذا فهمنا بدلك ما ينتج عادة فليس استثناء٬ فثمة بالمقابل٬ من أمر أكثر مسوغا وأقرب تفكرا فاهميا من الإهمال الذي امتد طويلا مستمرا لهذا البحث النقدي. بمعنى٬ إن قسما من هذهه المعارف النقدية التجريبية٬ كالمعارف الادبية النقدية٬ وبتمنطقها الصوري الرياضي٬ هو من زمان في محتكم اليقين٬ فقد ترهفت زينة لنا حسن الحظ بالأقسام والتخصصات الأخرى على الرغم من أنها قد تكون من طبيعة مختلفة تماما في المحتوى.علما٬ أضف أننا خارج متشيأ التجربة٬ ونحن على يقين من أن التجربة الادبية النقدية لن تناقض توجهنا. ويبلغ الترهف زهوا بزيادة معارفنا النقدية حدا لا يسعنا معه وقف تشيئنا وتقدمنا إن لم نصطدم بتناقض واضح. غير أن٬ قد نتوخى بتجنب هذا التناقض بنسج أوهامنا المتفكرة تشيئا بتأن دون أن يقلل ذلك من كونها توهمات نقدية متفكرة بالتشيأ٬ كونها أوهاما. فمنطق النقد الادبي الرياضي يقدم لنا موضوعات ساطعة على كيفية ما يمكن أن نذهب بعيدا في المعرفة النقدية الاحترافية القبلية بمعزل عن التجربة. من الطبيعي أنها لا تعتني أهمية بموضوعات ومعارف إلا بقدر ما تمثل ظاهرياتها التاريخية في الحدوس. إلا أنه يمكن إهمال هذا الظرف بسهولة لأن الحدوس المبينة عينها يمكن أن تعطى قبليا٬ فلا يكاد بالتالي يميز من مجرد المتشيأ ـ المتفكر بالأفهوم الخالص. فلا تتوالى رغبة التمدد والأخذ بالتوسع٬ وقد اضطلع عليها استحواذ لمثل هذا البرهان على تمكن متواعيات عمرانية العقل٬ تظهر المتشيأ حدودا متفكرا. وقد تتخيل من يتعايش مع “كهف أفلاطون” البسيط٬ وهو يميز الخارج بما يستعر بمقاومته في الاستمرار الح أنها ستنجح حقيقة أفضل نحو واقعه المنعزل. هكذا اصطحب الناقد الادبي الحسي افافه٬ مغادرا متفكره المتشيأ في الخلاء٬ لأنه يضع منطق متفكرة حدودا متشية بالغة التعسف والضيق٬ فحين تكون ناقدا تجريبيا خارج هذا العالم لمجرد متفكرا حسيا في خلاء متواعيات عمرانية العقل الخالص. ولم يلحظ أن جهود طاقته الفاعلة لم تمكنه يتقدم في المشروع لتحقيقه لأنه لم يكن لديه أي موضع متشيأ يرتكز إليه لإستعمال قواه كي يحقق طفرة إبداعية لمتواعيات عمرانية عقليته الاحترافيه. لكن النصيب الأوفر المألوف للناقد الاحترافي القيادي في الاعتبار هو أن ينجز عمران متشيأه بأسرع ما يمكن متفكرا لأجله٬ وأن لا يفحص إلا لاحقا ما كانت الأسس والقواعد قد وضعت ضمن معايير وسياقات جيدة. إلا أنه سينتحل عندها أصناف الذرائع كي يتعزى بصلابة الأسس العمرانية الفاعلة باحترافيته٬ أو بالأحرى كي يشجب٬ أو يتمر رافضا تماما مثل هذا الأختبار المتأخر والصعب. لكن ما يحررنا من كل توهم وظن٬ أثناء المتشيأ المتفكر به٬ هو الاستمرارية المتواعية٬ وهو ما يؤملنا بتعمق متلبس٬ موهوم العمران النقدي الذوقي٬ هو شعبة٬ أو لعله الشعبة الأكبر من شغل عمرانية النقد الادبي الاحترافي الذوقي لعقولنا٬ ما يقوم على النقد الادبي التحليلي للمتفكر الأفاهيمي التي سبق أن كانت لدينا متشيأ الموضوعات عمرانية. وهذا ما يرفدنا بمجموعة من المعارف النقدية الادبية الاحترافية٬ التي وأن لم تكن سوى خرائط إضاحية ودليل لشروحات على ما سبق أن غمر تفكرنا في أفاهيمنا المتشيئة٬ مركبة حاليا٬ ومختلطة٬ تختبر فحوصاتها من حيث التشكل العياني٬ علي الأقل٬ وتحسب معها٬ علر نتاج التطلعات الجديدة رغما من أنها لا توسع المتفكر الأفاهيمي التي لدينا من حيث المتشيأ المعرفي الظاهر أو المتفكر المعرفي المضمر في الأفهوم٬ ومن أنها تقتصر على تصنيفها وفرزها. وبما أن هذه الوسيلة البحثية تعطي معرفة نقدية لمؤشر القبلية الفاعلة للمتفكر المتشيأ٬ معرفة احترافية متحققة٬ وتشكل مؤشرا معياريا موثوقا وتقدما نافعا٬ فأنه يتراءى للمتواعية العمرانية النقدية٬ إظهارا ذرائعيا للعقل ودون أن يوجه٬ وتحت تأثير مزاعم من نوع مختلف تماما٬ أن يضيف متواعية قبليا إلى متشيأ سياق الأفاهيم المولدة٬ منحا أخرى ـ مركبة غريبة ـ غير مألوفة تماما وعلى نحو قبلي٬ سبق موضوعاته المتفكرة٬ من دون أن يعلم الناقد الادبي التحليلي كيف توصل إليها٬ بل حتى من دون أن يخطر في البال هذا الاستفهام الإشكالي. ولهذا لا بد من القيام ببحث التمييز وبيان الفروقات ما بين هذين النوعين من المعارف النقدية الادبية الاحترافية (التي عرجنا بالذكر إليها أعلاه وحلقات سابقة؛ والتي سنبين لاحقا ما لهما من النفع والايضاح٬ وما يخطر في البال من تفاصيل إجابة السؤال).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المكان والتاريخ: اوكسفورد 09.17.22
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)