في مقدمة ابن خلدون نجد مصطلح الملك يقابله العصبية ،ويشرح لنا كيف أن هذه العصبية هي التي تضمن استمرار الملك ،وعصبية العرب وملكهم مرتبط بالدين ..
كلام في غاية الخطورة..
أن ارتباط الملك بالعصبية وبالقرية بدل المدينة ،لشيء عجيب فعلا
كيف نسقط هذا التعريف على واقعنا اليوم ..
إن هذا الإرتباط الوثيقة بين كل تلك العناصر ،يدفعنا لكشف الغطاء عن بعض المفاهيم المستترة وراء المصطلحات ،
القرية : في نظري هي قبة صخرية صلبة لا تسمح بنفاد عناصر خارجية،منغلقة بطرق صارمة،يحكمها الرأي الواحد
مثل هكذا تصميم ،سيكون تحت رحمة عوامل التعرية ، وهذا الوضع لا يمكن الإعتماد عليه او ضمانه بأي حال من الأحوال..
القرى منظومات تبدو صلبة ومتماسكة ،لكن قطرة ماء من الداخل او من الخارج كفيلة بزعزعة استقرارها..
الملك يساوي العصبية : هل كان ابن خلدون محقا في تصوره هذا ، بالنسبة لواقعنا اليوم..
من هي الدول اليوم التي تمثل هذا المنهج في ظل دولة المؤسسات والبرلمان !؟
هل يمكننا أن نتنبأ بزوال دولة باعتماد على معطيات بن خلدون (ملك،عصبية،قرية)؟
اظن أننا اليوم في الإتجاه المعاكس لهذه النظرية ،كيف ذلك؟
هذه الثلاثية إن وجدت ، فهي دليل على زوال اي منظومة، فالقرية في واقعنا الحالي هي اوثان الماضي واصنامهم ، والمدنية هي كل حامل لمشعل التغيير ،مهما كان ذلك التغير ورؤيتك الآنية له..
القرية الصنم تقف في مواجهة المدينة الرسول، وعندما ننظر للتاريخ نجد أن القرى لم تصمد أبدا أمام رياح التغيير ،وأكبر دليل على ذلك القرى التي حل بها الأنبياء والمتنورون عبر الزمان، لأن عجلة الكون تسير دائما الى الأمام ،وليس ليديها أي برمجة أخرى ..
لذلك تجدها تدهس كل المتصلبين أمامها..
لكن هنا يجب أن نطرح السؤال الجوهري ؟
ماذا تعني كلمة مدينة أو مدنية بالضبط ؟
هل حقا نحن امام العالم المدني ام العالم القروي ؟
**المدينة**
هي تجمع حضاري متنوع ،مختلف ومنسجم في آن، يمكن أن أشبهها بالغابة، قد تستغربون من هكذا تشبيه ،لكن في نظري الغابة هي المكان الوحيد الذي يحتضن جميع الكائنات الحية ،مع تفاوت بسيط في من سيقتات على الآخر أولا ..
تلك السلسلة الصارمة التي تحكمها غريزة البقاء ،لا تختلف كثيرا عن شبيهتها لدى الإنسان..
فالغداء يحمل رمزية متعددة الجوانب ،ليس معناها الحرفي فقط ،فعند الإنسان هناك غداء سلطوي ،بمعنى سلسلة من الممارسات تجعل من هذا على رأس السلطة لأنه تغدى على من هم اضعف منه،إذ لا يمكن للإنسان أن يعطي مصيره لسلطة معينة ،دون أن تكون قد أقتاتت على جانب من جوانب حياته ،بوعي منه أو بدون وعي..
لنعطي مثلا بسيطا: “تكافئ فرص التعليم” تشبه الى حد كبير تلك المخالب التي تملكها بعض الحيوانات للدفاع عن نفسها ،في حين مفقودة عند البعض الآخر مما يعرضها للهلاك..
مخالب العلم مقابل شباك الجهل..
والأمثلة كثيرة لا يمكن حصرها..
مع ان تلك المخالب لا يمكن أن تنجي صاحبها دائما ..لكن دونها الأمر أصعب..
**العصبية**
رأس بعين واحدة وأذن واحدة ،ولسان واحد ..هذا باختصار وجهة نظري في اي عصبية كيفما كانت ..
العصبية هي الوجه الآخر لجملة ” انا ومن بعدي الطوفان”
كيف جعل ابن خلدون هذا العنصر هو الطريق لإستمرار الملك؟ هل استمرار الملك ضرورة لإستمرارية الإنسانية .. ؟
في عصرنا هذا ، الذي يحكم العالم يجب أن يكون مسيطرا على الذهب وليس على شرذمة من القوم يهتفون باسم معين ..
إنهم الآن يا ابن خلدون يتفقون مع الجن الأزرق في سبيل لمعان الذهب ،وانت سم الأشياء كما تشاء ،المهم هو لمعان الذهب..
الملك اليوم هو مصطلح يرتدي عباءة سوداء، ويعتبر اصحاب البذلة والبنطلون شواذ..
وهذا بالضبط ما يعيق بلداننا العربية..
لغتنا الجميلة يستخدمها مؤرخونا لعلك المفاهيم دون هضمها..
لذلك نجد أن اغلب الكتب المترجمة من العربية الى اللغات الأجنبية ،تطبق مضامينها على أرض الواقع ويستفيدون منها،ثم نأتي نحن كالعادة ،لنرجع الفقيد وكتابه الى أحضان تربتنا المجيدة..
هل العرب عاجزون عن فهم الكتب العربية..؟
ربما سأكتب كتابا عن محنة العربي مع العربية ..
لا أدري إن كنت قد اوصلت وجهة نظري بشكل جيد، لكن كما العادة هي بضاعتنا ردت إلينا ” وستتوه في هذا الفضاء دون أن تحقق أي إضافة تذكر..
لكن لنستمر في رمي البذور ..
ربما أنا أيضا لم افهم جيدا ما كان يقصده ابن خلدون في مقدمته..