العشاء، وكسائر الأيام خرجت كالعادة إلى الحديقة المجاورة للحي الذي أقطن فيه، جلست على مقعدي الحديدي أناجي نفسي لدقائق غير آبه بسلوكات المارة ولابجلبة الشوارع كان همي كله أن أظفر بلحظات من الطهارة والنقاء تنسيني عبث ساعات اليوم الضجر
أغمضت عيني وسمحت للنسيم بملاطفة خدي ثم فتحتهما ووجهت بصري إلى السماء فوجدت وجهها شاحبا ترتدي ثوبا متدرجا غلب عليه السواد وهذا مازاد من قتامة الجو كيف وفصل الخريف متغير الملامح غريب الأطوار يعري كل شيء ويرجعه إلى سيرته الأولى
طال مكوثي ساعة وأنا كالزاهد الذي إن أصاب الدنيا لم يفرح وإن أصابته الدنيا لم يحزن فقلبي فارغ من الدنيا.
عدت أتقصى السعاة باختلاف أعمارهم كل في فلك يسبحون أطفال صغار بصموا طفولتهم بصدق وبراءة يلعبون ويعدون ويمرحون لايعلمون ما الحياة؟ شغلهم الوحيد رغبة في الاستمتاع.
وبجوارهم نسوة سئمن رتابة الأشغال المنزلية والمسلسلا ت المبتذلة الحالمة يهجعن إلى اختلاق قصص عن حياتهن المزيفة أو يسترقن الحديث حول خصوصيات بعض الجارات وأبنائهن.
شباب أصبحوا من العباد والنساك يؤدون الفرائض طيلة اليوم حاملين معبودهم أينما حلوا وارتحلوا فيضلون له عاكفين دون أجرأو ثواب
هناك في الطرف عجوزانتدب مقعدا قصيا عبث الزمان به علت وجهه تجاعيد كدح مرير في الحياة ، يكاد يقلب عنقه، ينظر بين الفينة والأخرى هنا وهناك يحاول قول شيء لا يستطيع فالدهر قد شل حواسه كلها ليس لشيء سوى أنه أراد العيش بسلام مع وطنه الصغير فتبسم الدهر من فعله ليتركه ابناؤه قبل ان يتركهم هو .
نظرت إلى ساعتي اليدوية ووجدت عقارب الساعة شاخت فعلمت أن الوقت حان حملت همي وغمي معي وضممت أخيلة نفسي المكلومة ونهضت من مقعدي الحديدي مطرق الرأس راجعا القهقرى إلى بيتي أنتظر قدوم زائري ليأخذني بجولة بعيدا عن المقعد الحديدي وكل ما يحيط به .
——
المجموعة القصصية حياة متشنجة وقصص أخرى ذ .مصطفى السعيدي- ذ . زكرياء الأزعر
احببت طريقة التعبير عن المواقف فهي حتما تخترق القلب و تبكي العيون