بمكتب به أحداث وأحاديث للأولين والآخرين…أحداث بكل الألوان ،بكل الطقوس …في غرفة تضيق بروائح الأسفار القديمة وروائح الكتب الحديثة … تحت سقف يجد فيه العنكبوت حرية النسج في كل الاتجاهات ، يقطن القاص محاطا بكوبه المنهوك بمرارة قهوة تنفرغ فيه بين الفينة والأخرى ، وقلم سيَّال مطيع ، وأوراق تحمل خربشات ، وتشطيبات ، وكلاما به بعض العلل تنتظر الاستشفاء …
مكتب بأدوات ووضعية ثابتة وروائح لا تتغير، ظل وسيظل مربض هذا الذي يغادره لفترة كي يعود إليه وفق الوقت المحدد.
في السوق يدهشه ما لا يدهش غيره ، يقرأ الوجوه ، والكلام ، والحركات ، والأماكن كما يقرأ كتب العرب والعجم …يعرف كيف يقتنص اللقطة الحاملة للتشويق والتأثير ، يتأمل في الأحوال والمصائر والمواقف فيسخر من بعضها ويضحك من بعضها وقد يبكيه بعضها فيخفي دمعته من قبل فضولي ما.
في ذاكرته تتشابك الأحداث والأفاعيل والقسمات والألوان والآمال والخيالات والافتراضات المخلصة لشخصيات قصصه.
حذو مكتبه يسترجع الوجوه المناسبة لتعميق النظر في الوقائع المستحقة أن تصير جزءا من دفء أبنية قصصه المتغيرة بين يوم يوم كأحوال طقس بعض القرى وبعض البلدان…يختار الزمان ويختار الأمكنة لأحداث وشخصيات تخضع لأفكاره وسن قلمه…
وحين يبني عوالمه ، ويعيد النظر في متانتها ، وحين ينتهي من قراءة نصه جهرا ويرتاح له ، تنتهي متاعبه يَعُبُّ ما تبقى من قهوته فيتهلل وجهه كما لو انتصر بعد حرب ضروس أو معركة كلها حذر ومنغصات ومتاعب.