بعد سقوط الدولة العثمانية في بداية القرن الماضي، واندحارها من معظم أراضينا التي كانت تسيطر عليها تحت مزعم الخلافة الإسلامية والوكالة الدينية (حال جميع الحكومات الدينية السابقة والحالية). ظهر هلالنا الخصيب بأبشع صورة له على مر التاريخ، إذ تمّ تقسيمه إلى دويلات و ممالك، ناهيك عن الأجزاء التي سُلبت منه و أصبحت وفقاً للحدود الدولية ( الاستعمارية طبعاً) خارج متحده. لقد قدّم الاحتلال التركي لهذا المتحد الأتم كما قدّم لغيره من متحدات العالم العربي، بل أنهك قواه و أشبعه تخلفاً و تشرذماً، وشحنه تعصباً مذهبياً و أظهر فيه اقطاعاً جشعاً، وكان أسوأ ما قام به هو تقديم الجزء الجنوبي لهذا المتحد (فلسطين) لليهود على يد السلطان الأحمر، عبد الحميد الثاني. بالإضافة لما أقدم عليه هذا السلطان الجائر من اهدائه قبرص السورية للانكليز لتضيع فيما بعد بين حكم تركي و يوناني بعيدة عن متحدها الأم، بعيدة عن هلالنا الخصيب كأهم منطقة استراتيجية له من الناحية الغربية في بحره السوري. لقد ظهرت دويلات الهلال الخصيب وفقاً للاتفاقية الاستعمارية المشهورة سايكس بيكو، الانكليزية الفرنسية، بدعم دول استعمارية أخرى بما فيها تركية التي أبقت يدها على كيليكيا و لواء اسكندرونة بالاتفاق مع فرنسا، التي كانت وفقاً للقانون الدولي الاستعماري دولة منتدبة على الشام (سورية الحالية) ولبنان.
استعرضنا هذا التاريخ السريع لنستطيع تحديد عمق و حجم فجوة الضياع التي وصلنا إليها في متحدات الهلال الخصيب، و خاصة عندما تظهر في كل متحد من متحداته شعارات الاستقلال و الحرية على مستويات لا تُحاكي و لا بأي شكل من الأشكال، الاستقلال و الحرية الحقيقية، هذا الضياع أشرنا إليه من ناحية المتحد فقط (الأرض) فكيف أيضاً لو تحدثنا عن الحواجز الدينية و التقاليد الجاهلية المذهبية و الطائفية والعشائرية الغارقين في وحولها. فكم سنجد أننا جداً ساذجين عندما ندعو و ننادي بااستقلال و حرية و ديمقراطية و …الخ.
لقد أصبحت الدعوة للاستقلال في هذه المتحدات كمن هو في حفرة عميقة مملوءة بالماء و يدعو إلى تجفيف ماءها دون محاولة التفكير في الخروج من هذه الحفرة التي هي مشكلته الأساسية. لقد غاب الوعي و الولاء والتفكير القومي في هلالنا الخصيب ليحل محله الولاء المذهبي و الطائفي والعرقي والعشائري والفردي، وراحت صيحات الاستقلال والحرية والديمقراطية في متحداته تتساقط وتتهاوى أمام الحدود المصطنعة التي وضعت بين متحداته، و أمام الحواجز المذهبية والطائفية والعرقية المزعومة التي زرعت في نفوس الكثيرين من أبناء أمتنا السورية في الهلال الخصيب.
ظهر الاستقلال وكذك الحرية في متحدات أمتنا السورية (الهلال الخصيب) بمفاهيم مختلفة، امتدت من استقلال و حرية تحت عنوان دويلة قومية بوصاية خارجية استعمارية، إلى استقلال وفقاً لقياسات طائفية، ومذهبية أيضاً برعاية من داخل وخارج العالم العربي، وصولاً إلى حرية و استقلال تحت مزعم استمرار الخلافة و الوكالة الإلهية. لقد شاهد هؤلاء من دعاة الحرية و الاستقلال أيديهم حرّة فلوحوا بها و نسوا أنّ أقدامهم مكبلة بقيود منها ما هو صنع محلي بامتياز و تعزيز خارجي، تشمل كل الحواجز التي تمنع اجتماعهم مع أبناء أمتهم. هذه الحواجز التي لاتنتمي إلى أي منطق أو دين كما يدّعي صانعو هذه القيود. بل هي تقاليد و ترتيبات بشرية سيئة جُل هدفها استمرار الزعامة الدينية و السياسية لهذه الفئة أو تلك. فبات أبناء أمتنا من خلال هذه القيود مسلوبي الحرية والتفكير، وأشبه بقطعان تائهة في سهول الطائفية و المذهبية و العرقية والعشائرية. وقيود أخرى بتصنيع خارجي استعماري هي الحدود المصطنعة بين متحدات أمتنا السورية، لمنع تشكيل المتحد الأتم (الهلال الخصيب). فدعوة الاستقلال والحرية ضمن نطاق هو بالأصل مساحة مرسومة بشكل استعماري هي دعوات لتعزيز التكبيل والتقييد، دعوات للحد من تطورنا و ازدهارنا، ولا يمكن أن تكون دعوة حقيقية و صحيحة للاستقلال. لقد انشغل أبناء أمتنا عن الدعوة للاستقلال الحقيقي و السيادة التامة و حريتنا النهائية، وانخرطوا بأحزاب وحركات إما دينية أو عرقية أو بتكتلات ذات مراكز خارجية (خارج المتحد)، ووضعوا شعارات وفقاً لمصالح معينة ومحددة بعيدة عن الولاء الوطني القومي، شعارات عززت انقسامنا و عززت ويلاتنا وقوّت تشرذمنا، شعارات تبنتها دول خارجية استعمارية تدعم ذلك الاتجاه أو تلك الحركة، لتضيع بالنهاية امكاناتنا وقوانا في صراع و اقتتال داخلي إلى أن طفت في جوانب هذه المتحدات غير المكتملة روحية تفوق الولاء الطائفي والمذهبي والعرقي والعشائري على الولاء للأرض و المجتمع.
لقد كان الأجدر بمتبني دعوات الاستقلال والحرية والديمقراطية في متحدات الهلال الخصيب أن يوجّهوا هذه الدعوة إلى أنفسهم، ليتحرروا و يستقلوا عن طوائفهم ومذاهبهم وعرقيتهم المزعومة، ويتحرروا فكرياً وعقلياً من تقاليدهم وإرثهم التكتلي والتعصبي وأن يعلنوا ديمقراطيتهم بعيداً عن أية حواجز بين أبناء الأمة و يطرحوا الديمقراطية في وجه غير وجه ديني خارج سجن الطائفة والمذهب. إنّ الديمقراطية بسوط وتهديد من منطلق ديني و تقاليد موروثة، لاتنفع في ارتقاء وازدهار مجتمع. وديمقراطية الطائفة واستقلالها لا يعني تطور المجتمع واستقلاله. ولا ينفع كل ذلك في دعوة الاستقلال والحرية التامة.
إنّ استقلال النفس عن بوتقة الطائفة أو المذهب أو العرق المزعوم، وحرية التفكير بعيداً عن كل ما يأسرها ويكبّلها من مسلمات دينية وتقاليد عشائرية جاهلية موروثة، وإنّ ديمقراطية العقل بعيداً عن ديمقراطية جاهزة مقتبسة من الخارج، هي أهم دعوة علينا السعي لها والاتجاه نحوها، وإلا فإنّ جميع مايُحكى بين أبناء الأمة السورية (متحد الهلال الخصيب الأتم) عن استقلال وحرية وديمقراطية هي دعوات و صرخات تائهة ضائعة، يجول صداها فقط ضمن المنابر الضيقة التي انطلقت منها.
• كاتب ومحرر في موقع أوروك الجديدة
Hasanothman2@yahoo.com
WWW.OROOK.COM
استعرضنا هذا التاريخ السريع لنستطيع تحديد عمق و حجم فجوة الضياع التي وصلنا إليها في متحدات الهلال الخصيب، و خاصة عندما تظهر في كل متحد من متحداته شعارات الاستقلال و الحرية على مستويات لا تُحاكي و لا بأي شكل من الأشكال، الاستقلال و الحرية الحقيقية، هذا الضياع أشرنا إليه من ناحية المتحد فقط (الأرض) فكيف أيضاً لو تحدثنا عن الحواجز الدينية و التقاليد الجاهلية المذهبية و الطائفية والعشائرية الغارقين في وحولها. فكم سنجد أننا جداً ساذجين عندما ندعو و ننادي بااستقلال و حرية و ديمقراطية و …الخ.
لقد أصبحت الدعوة للاستقلال في هذه المتحدات كمن هو في حفرة عميقة مملوءة بالماء و يدعو إلى تجفيف ماءها دون محاولة التفكير في الخروج من هذه الحفرة التي هي مشكلته الأساسية. لقد غاب الوعي و الولاء والتفكير القومي في هلالنا الخصيب ليحل محله الولاء المذهبي و الطائفي والعرقي والعشائري والفردي، وراحت صيحات الاستقلال والحرية والديمقراطية في متحداته تتساقط وتتهاوى أمام الحدود المصطنعة التي وضعت بين متحداته، و أمام الحواجز المذهبية والطائفية والعرقية المزعومة التي زرعت في نفوس الكثيرين من أبناء أمتنا السورية في الهلال الخصيب.
ظهر الاستقلال وكذك الحرية في متحدات أمتنا السورية (الهلال الخصيب) بمفاهيم مختلفة، امتدت من استقلال و حرية تحت عنوان دويلة قومية بوصاية خارجية استعمارية، إلى استقلال وفقاً لقياسات طائفية، ومذهبية أيضاً برعاية من داخل وخارج العالم العربي، وصولاً إلى حرية و استقلال تحت مزعم استمرار الخلافة و الوكالة الإلهية. لقد شاهد هؤلاء من دعاة الحرية و الاستقلال أيديهم حرّة فلوحوا بها و نسوا أنّ أقدامهم مكبلة بقيود منها ما هو صنع محلي بامتياز و تعزيز خارجي، تشمل كل الحواجز التي تمنع اجتماعهم مع أبناء أمتهم. هذه الحواجز التي لاتنتمي إلى أي منطق أو دين كما يدّعي صانعو هذه القيود. بل هي تقاليد و ترتيبات بشرية سيئة جُل هدفها استمرار الزعامة الدينية و السياسية لهذه الفئة أو تلك. فبات أبناء أمتنا من خلال هذه القيود مسلوبي الحرية والتفكير، وأشبه بقطعان تائهة في سهول الطائفية و المذهبية و العرقية والعشائرية. وقيود أخرى بتصنيع خارجي استعماري هي الحدود المصطنعة بين متحدات أمتنا السورية، لمنع تشكيل المتحد الأتم (الهلال الخصيب). فدعوة الاستقلال والحرية ضمن نطاق هو بالأصل مساحة مرسومة بشكل استعماري هي دعوات لتعزيز التكبيل والتقييد، دعوات للحد من تطورنا و ازدهارنا، ولا يمكن أن تكون دعوة حقيقية و صحيحة للاستقلال. لقد انشغل أبناء أمتنا عن الدعوة للاستقلال الحقيقي و السيادة التامة و حريتنا النهائية، وانخرطوا بأحزاب وحركات إما دينية أو عرقية أو بتكتلات ذات مراكز خارجية (خارج المتحد)، ووضعوا شعارات وفقاً لمصالح معينة ومحددة بعيدة عن الولاء الوطني القومي، شعارات عززت انقسامنا و عززت ويلاتنا وقوّت تشرذمنا، شعارات تبنتها دول خارجية استعمارية تدعم ذلك الاتجاه أو تلك الحركة، لتضيع بالنهاية امكاناتنا وقوانا في صراع و اقتتال داخلي إلى أن طفت في جوانب هذه المتحدات غير المكتملة روحية تفوق الولاء الطائفي والمذهبي والعرقي والعشائري على الولاء للأرض و المجتمع.
لقد كان الأجدر بمتبني دعوات الاستقلال والحرية والديمقراطية في متحدات الهلال الخصيب أن يوجّهوا هذه الدعوة إلى أنفسهم، ليتحرروا و يستقلوا عن طوائفهم ومذاهبهم وعرقيتهم المزعومة، ويتحرروا فكرياً وعقلياً من تقاليدهم وإرثهم التكتلي والتعصبي وأن يعلنوا ديمقراطيتهم بعيداً عن أية حواجز بين أبناء الأمة و يطرحوا الديمقراطية في وجه غير وجه ديني خارج سجن الطائفة والمذهب. إنّ الديمقراطية بسوط وتهديد من منطلق ديني و تقاليد موروثة، لاتنفع في ارتقاء وازدهار مجتمع. وديمقراطية الطائفة واستقلالها لا يعني تطور المجتمع واستقلاله. ولا ينفع كل ذلك في دعوة الاستقلال والحرية التامة.
إنّ استقلال النفس عن بوتقة الطائفة أو المذهب أو العرق المزعوم، وحرية التفكير بعيداً عن كل ما يأسرها ويكبّلها من مسلمات دينية وتقاليد عشائرية جاهلية موروثة، وإنّ ديمقراطية العقل بعيداً عن ديمقراطية جاهزة مقتبسة من الخارج، هي أهم دعوة علينا السعي لها والاتجاه نحوها، وإلا فإنّ جميع مايُحكى بين أبناء الأمة السورية (متحد الهلال الخصيب الأتم) عن استقلال وحرية وديمقراطية هي دعوات و صرخات تائهة ضائعة، يجول صداها فقط ضمن المنابر الضيقة التي انطلقت منها.
• كاتب ومحرر في موقع أوروك الجديدة
Hasanothman2@yahoo.com
WWW.OROOK.COM