عبد الحكيم البقريني شاعر وقاص وإعلامي مغربي تتعدد اهتماماته بين عدة مجالات يجمع بينها شغفه بالثقافة وقيمها والتي هي تحدد محبته لها كانت بدايته شعرية قبل أن ينتقل للكتابة الإعلامية كمراسل للعديد المنابر في الكتابة الشعرية يكتب قصيدة التفعيلة كشكل يجد أكثر أريحية بالنسبة له ولأنه يستعد لمواصلة الشغف بالشعر ويستعد لإصدار شعري جديد كان لنا معه هذا الحوار للإقتراب أكثر من عالمه الشعري والإبداعي الخاص
س : قبل كل شي نرحب بك السيد عبد الحكيم على قبولك إجراء هذا الحوار وكتمهيد لهذا الحوار أين يجد عبد الحكيم البقريني نفسه هل في الإبداع والشعر وكل ماله علاقة بالتخييل أم في الإعلام الذي له عندكم له عشق خاص ؟
ج : بداية أتوجه بجزيل الشكر وجميله للمبدع الألمعي والمائز سيدي محمد العزوزي .. تهنئة خالصة لاصداره لباكورته الإبداعية : كتامة أو حكاية سفر من أجل لوحة حشيش .
علاقتي بالكتابة متجذرة وممتدة عميقا ، كانت البداية تخييلية ، ثم انفتحت على الإعلام . هما عالمان متوازيان ، ولكل جمالياته ورسائله النبيلة ، وآلياته الإبداعية ، وبينهما وشائج وروابط ، وجاذبية مدعاة للإلهام . فالمادة الإعلامية أحيانا قد تكون ملهمة ، أو عنوانا لعمل أدبي تخييلي . لقد أدركت منذ طفولتي علاقتي بالكتابة ، ومن حينها أدمنت العادة بأريحية ، وما زلت أستمتع بالعالمين . أنتشي بلذة الكتابة ، ومتعة التواصل مع القراء . فمرة تجدني بعالم التخييل شعرا أو سردا ، وأخرى إعلاما ، ناقلا للأنشطة ، أو معالجا لبلايا ومطات . وفي الحالتين تبقى الإبداعية حاضرة ، إذ الإعلام إبداع من نوع آخر . هذا الأمر يجعلني لا أستطيع تحديد زاوية ارتكاني ، لأخلص لنتيجة مفادها : أجد نفسي بعالم الكتابة بمختلف تمظهراته ، فأنا خلقت للكتابة والنبش بالقلم . باحثا عن اللذة . وإن كانت لذة التخييل أرقى وأنقى ، فلذة الإعلام لها طعم آخر
س : في ديوانكم مرآة الروح زاوجتم بين الشعر العمودي والشعر الحر (التفعيلة)لماذا هذا التأرجح بين شكلين شعرين هل التقليدي والحديث هل هي ارتباكات البدايات وبحث عن الإستقرار مستقبلا عند شكل شعري معين أم اختيار اقتضه الضرورة الموضوعاتية ؟
ج : ضم ديواني الشعري: ” مرآة الروح ” قصيدتين عموديتين الأولى أهديتها لروح والدي عنوانها : ” أنت المثال وربي العليم ” ، وهي كما هو معلوم تدخل ضمن غرض الرثاء . والثانية بعنوان : ” قبلة على جبين بني وليد ” ، غرضها الوصف ، وذكر مواطن جمال القرية المنشأ . وباقي القصائد من الشعر الحر .
من مقاصد المزاوجة : إعلان الشكل الشعري الذي أرتبط به ، والمتأرجح بين النمطين .. فأحيانا الغرض الشعري يفرض الشكل والهيكل العام للقصيدة ، والذي تنوع في كتاباتي بين البيت الشعري ،والأسطر المتقايسة ، فالشعر الحر .
لقد كانت دراستي الجامعية المتخصصة في دراسة الإيقاع الشعري – الداخلي والخارجي – في القصيدة العربية من خلال : ” الإيقاع في ديوان أحد عشر كوكبا للشاعر محمود درويش” . لقد كانت هذه الدراسات من ينابيع التنوع والتعدد في نظمي ، فضلا عن دراسة علم العروض بكل تفرعاته ، ومن ثمة أصبحت القصيدة تحضرني حاملة شكلها ، وهي ميزة متشبعة بالموهبة والدراسة الأكاديمية .
إن تنوع شكل القصائد يعطيني مساحة أرحب من المتعة الشعرية ، فتقعيدات القصيدة العمودية تجعل العملية الإبداعية مغايرة تماما لما يقع مع الشعر الحر . هذه المزاوجة تجعل الفعل الإبداعي ينأى عن النمطية ، وينفتح على عالم أرحب ، عالم مفعم بالحياة .
س : في نصوصك الآخيرة يبدو عليك الاستقرار في اعتماد شعر التفعيلة كشكل شعري للتعبير آلا تفكر في تجريب أشكال شعرية أخرى كقصيدة النثر أو الهايكو ؟ أم أن قصيدة التفعيلة هي المنتهى كشكل للتعبير الشعري ؟
ج : تأخذ قصائدي شكل التفعيلة في غالب الأحيان ، وقليلا شكلا عموديا تقليديا . هما شكلان معبران راهنا عن المعاني والصور الملتقطة ، وأعتقدهما يمثلان جيدا الشعرية العربية . لذلك استقرت طويلا بالمظهرين ، وإن كانت تروقني جيدا ، وأستمتع بالقراءة لشعراء الومضة والنتفة والهايكو الياباني باعتبارهم يلتقطون أشياء كبيرة ، ويعبرون عنها بألفاظ قليلة ، وبإيحاء وانزياح فترميز ، مع طابع ساخر . إنها طفرة من طفرات التجديد الشعري ، فالمتلقي لم يعد يميل للقصائد الطوال ، وإن كان الشعر لا يعد شعرا إلا بهذه القصائد الطوال والمتضمنة للمحسنات اللفظية ، والبديعية ، والصور البلاغية التي تغيب في قصيدة النثر .
لقد تنوع العرض الشعري من الجانب الشكلي ، إذ تنوعت الأنماط وانفتحت التجربة الشعرية العربية الحديثة كباقي التجارب عبر كل المراحل التاريخية . هو انفتاح خلاق وجميل ، من شأنه الرفع من صبيب الإبداع الشعري . وإن كنت أجد نفسي الأقرب لتجربة الهايكو والومضة والتوقيفة ، فأنا بعيد بخطوات عن قصيدة النثر .
س : كيف تختار موضوعاتك الشعرية هل تحدد الموضوعات وتقلبها قبل الكتابة في مخيلتك أم تترك الأمر للدفقة الشعورية ولحظة الكتابة هما من يتكلفان بفرز أولوية ما يجب أن يكتب وما لا يجب أن يكتب ؟
ج : اختيار المواضيع في العملية الإبداعية أمر صعب ، وتصعب العملية أكثر مع الشعر . فإذا كان الروائي يتعقب خطى شخصياته ، ويساعدانه على ترتيب وتوليد الأحداث ، فالقصيدة تلزمك بمعانيها ، وبجماليات أسلوبها ، وبصورها البلاغية وعمقها ، وبإيقاعاتها المختلفة . لذا فهي تلج العالم الداخلي للشاعر وتكتمل هناك ، لتتدفق نحو الخارج عبر دفقات شعرية . لكن هذا لا ينفي التأثر ، وتأثير العامل الخارجي … بصورة أخرى أنجذب لحدث وأتأثر به فتسكنني الفكرة ، وتختمر بذاكرتي ، لتأتي مرحلة التدفق والإبداع ، وبدخولي ذروة الغوص في عالم الكتابة وما تتطلبه من طقوس خاصة لتستدعي الإلهام ، تحضرني القصيدة بأبهى حلة وأجملها ، وإن كانت في بعض الأحيان تحتاج في مراحل متقدمة للتنقيح وإعادة السبك .
القصيدة إلهام ووحي ، هي تتنزل من أنا الشاعر ، وأجمل القصائد تأتيك صدفة ، أو بعد طول اختمار ، القصيدة تتسلل بانسيابية ، فارضة ما يجب أن يكتب ، ورافضة لما لا يخدم الشعرية . هي كذلك لأنها تكتمل بذات الشاعر وداخله . أما الكتابة خارج هذه الطقوس ، أو بمعنى آخر ، اختيار موضوع والشروع في معالجته شعرا ، أعتقد لن يحقق الرسالة بالشكل الأجمل .
اختمار الفكرة في الشعر أمر أساسي ، وهي فترة قد تطول ، وقد تكون مجرد لحظة . كما أن الانسيابية الشعرية تختلف من قصيدة لأخرى ، فهناك ما تكتمل في حينها ، وهناك ما تتطلب مدة .. وهناك ما تتطلب التنقيح ، عكس أخرى حالفها حظ النضج منذ الولادة الأولى .
إن عالم الشعر لا يخلو من روحانية وطقوس تستهل بالتأثير والتأثر ، فالاختمار والسؤال ، ثم الإبداع المنضبط للمقومات الشعرية . هي سلسلة مترابطة الحلقات ، تختلف زمانا من قصيدة إلى أخرى .
س : تستعدون لإصدار ديوان جديد بعد ديوانكم مرآة الروح ما الذي يريد أن يقوله عبدالحكيم البقريني شعريا هذه المرة وما الذي يريد أن يتقاسمه مع القارئ في هذه التجربة ؟ هل أسئلة جديدة ؟ هل دعوة جديدة لفعل قرائي مغاير ؟
ج : بعد ديوان: ” مرآة الروح” تأتي تجربة ديوان : ” حفريات” . تجربة أخرى ، وبنظرة وزاوية رؤية مغايرة . عمق أكثر ، وانفتاح على حلم ممتد امتداد قصائد الديوان .
تجربة ولبنة أعلى ، ارتقاء بأسئلة الشعر ، الشيء الذي سيجعل القارئ يستمتع إيقاعا ومعنى … هي خطوات فقط وسيتم إصدار الديوان ، والذي من خلاله نؤسس لفعل قرائي يراكم تجربة ” مرآة الروح ” ، وقبله الديوان المشترك ” أقلام مشعة . “
كلمة آخيرة
ج : جميل الشكر سيدي محمد العزوزي على هذه الالتفاتة الإعلامية ، والتي أحسنت إدارتها .. نأمل من خلال اللقاء أن نرفع من منسوب الثقافة الجادة ، وأن نسهم قدر المستطاع في القضاء على التفاهة والرداءة التي تنخر الجسد الإعلامي ، الرداءة التي تغولت بعقول الناشئة .
رسالة الإعلامي والمثقف جليلة ، والمواجهة مع مروجي التفاهة أصبحت متسعرة ، لذا فلا مناص من الاستمرارية ، والمزيد من التنوير والنورانية ، وما دمنا نحمل الصواب ، ونحلم بالجمال ، فالغد … كل الغد لنا .
اللقاء فرصة لأجدد التهنئة لإصدارك الجديد ، حيث السفر الماتع . فمزيدا من الألق في أفق إرساء جيل قارئ ، محب للثقافة بمعناها الحقيقي ، الثقافة المعززة للقيم الإنسانية والكونية . وتلك هي الرسالة الفضلى للإعلامي وللمبدع .
أحيي القراء ومتتبعي منبركم على سعة الصدر ، وآمل أن تكون قد تحققت وظيفة الرسالة بيننا فما أعتقد أن أفق الانتظار مختلف ، تحاياي الوارفة للجميع .
سيرة في سطور
عبد الحكيم البقريني من مواليد بني وليد تاونات بالمغرب
شاعر وقاص مغربي
حاصل على الإجازة شعبة اللغة العربية وآدابها ، جامعة شعيب الدكالي ، مدينة الجديدة
” الإيقاع في ديوان ” أحد عشر كوكبا للشاعر : محمود درويش ” عنوان بحث التخرج من الجامعة
أستاذ التعليم الثانوي الإعدادي بمديرية فاس
مراسل للعديد من الجرائد الوطنية والمحلية
عضو فاعل في أندية القراءة ، ومتعاون مع شبكات القراءة بالمغرب
أصدر ديوانين شعريين الأول مشترك مع مجموعة من الشعراء والشواعر تحت عنوان : ” أقلام مشعة” ، والثاني بعنوان : ” مرآة الروح ”
له إسهامات صحفية متعددة إبداعية وفكرية