حاول استفزازها، ليتعرّف على ردّ فعلها:
قال:
ـ أعرف ما تُفكّرين فيه يا نور.
ردت ساخرة:
ـ متى تحولت إلى عراف؟ والله لن تنال مني ما تُنقّي به أسنانك.
أضاف مبتسما:
ـ لا تتركي فكرك يذهب بعيدا. في الحقـيقة لا أريد منك شيئا مما يخطر على بالك.
قالت وهي تنظر إليه بمكر:
ـ كل الرواة الذين ناموا فـي حُضن جدتي، قالوا لها نفس الكلام. منذ الصغر، وجدتي تحكي عنكم. أنظر إلى هذا الرأس (الأكحل)* الذي بدأ يغـزوه الشّيب، وتيقّن بأن لا أحد يعرف ما يدور فيه، إنه يشبه كهفا مظلما من الداخل.
أضافت وهي ترسم ابتسامة ساخرة على شفتيها:
ـ قد يحدث لكم معشر الرواة مع الناس، مثل ما وقع لذلك الطالب الذي وقف، بعد صلاة العصر، فـي ساحة بسوق الكتب القديمة، واشترى سِفرا* بثمن بخـس، يحمل عُنوان (الصرف) ظنا منه أنه يهتم باللغة، ويُساعد في تقويم اللسان، وحمايته من الأخطاء نُطقا وكتابة. وعندما فتحه في البيت، وتصفّح أوراقه، كم كانت خيبته كبيرة، لما وجد موضوعه، يـدور حول صرف العُملة!
صمتت نور قليلا، ثم أضافت:
ـ نحن ندفُن أسرارنا في آبار عميقة ومُظلمة، ونسبح على ظهر الكُتب مثل أسماك مخادعة، تُوهم الصيّادين مثلك، بأنها ترقُص فرحابِطُعْمهم.
المعجم :
ـ (لكحل): الأسود.
ـ سفرا: كتابا.
المغرب ـ مراكش 26 مارس 2021